تلك الحقيقة المهمة تفرض نفسها وفق متغيرات عدة حيث يعكس اعتزام روما إعادة تعيين سفير لها في القاهرة رغبتها في إعادة الزخم إلى العلاقات بين البلدين، على خلفية التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة حاليا، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الليبية وتداعياتها السياسية والأمنية. وتلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالا هاتفيا مساء الاثنين من نظيره الإيطالي أنجلينو ألفانو أبلغه فيه بطلب الموافقة على تعيين جيانا باولو كانتيني سفيرا جديدا لروما في القاهرة. وقال أحمد أبوزيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، إن القاهرة تعتزم تعيين هشام بدر سفيرا جديدا لها في روما. وكان السفير الإيطالي السابق موريتسيو ماساري غادر القاهرة في أبريل 2016 إثر توتر العلاقات بسبب تداعيات قضية طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني (28 عاما)، الذي عُثر عليه مقتولا في 25 يناير من العام الماضي على أطراف القاهرة وعلى جثته آثار تعذيب بعد 9 أيام من اختفائه، ما أدى إلى توتر كبير في علاقات البلدين. واحتجّت أسرة ريجيني على عودة السفير الإيطالي لمصر، واعتبرت قرار روما "له طعم الاستسلام"، وطالبت بمحاسبة من قالت إنهم "عذبوه والمتآمرين معهم". الرغبة الإيطالية في تحسين العلاقات عبّرت عنها تصريحات ألفانو التي قال فيها قبل أيام إن "مصر محور لا غنى عنه لإيطاليا بشأن قضايا أساسية في المنطقة، مثل الاستقرار في ليبيا، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية إلى السواحل الإيطالية"، وإن كان شدد على أن روما لا تعتزم طي صفحة ريجيني. واستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي الشهر الماضي وفدا من البرلمان الإيطالي برئاسة نيكولا لاتوري، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ، وأكد ثقته الكاملة في قدرة البلدين على تجاوز التحديات، وهو ما قرأ فيه مراقبون إشارة إلى قرب تجاوز عُقدة ريجيني في العلاقات. وقالت أوساط سياسية إن إيطاليا تريد تفعيل التعاون مع مصر في هذا الوقت بالذات، في ظل التطورات المتسارعة في الملف الليبي، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المتنامية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية التي تنطلق من السواحل الليبية إلى إيطاليا ما يمثل هاجسا كبيرا لروما. وكشفت مصادر أن إيطاليا تريد الانخراط بشكل أكبر في الأزمة الليبية، حفاظا على علاقاتها وحماية مصالح شركاتها الطاقية في هذا البلد. روما ربما تكون تأثرت بما تواتر مؤخرا من معلومات عن مسؤولية إحدى السفارات الأجنبية بالقاهرة في قتل ريجيني وأعلنت إيطاليا بالفعل بدء تسليح القوارب التي تستخدمها الحكومة الليبية (حكومة الوفاق برئاسة فايز السرّاج) لاستخدامها في مكافحة الهجرة غير الشرعية من السواحل الليبية، وسلمت حرس الحدود الليبي عددا منها. ومعلوم أن ليبيا مازالت خاضعة لحظر دولي على استيراد الأسلحة إليها منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011. وصادق البرلمان الإيطالي في أول أغسطس الحالي على طلب من المجلس الرئاسي بشأن تواجد قطع بحرية إيطالية في المياه الإقليمية الليبية لمطاردة مهربي البشر، الأمر الذي انتقدته القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي أصدر أوامره لقوات الجيش بقصف أي قطع بحرية تحاول دخول المياه الليبية. وأكدت مصادر عسكرية أن دخول القطع البحرية الإيطالية المياه الليبية يشكّل استفزازا لمشاعر الليبيين، وأن هناك قلقا من تلك الخطوة الأحادية، بما قد يؤدي إلى وضع إيطاليا في خانة الدول المُعادية للشعب الليبي ويضرّ بمستقبل العلاقات. وأوضح جهاد عودة، خبير الشؤون الإقليمية، أن هذه المعطيات تستدعي التعاون الإيطالي مع مصر، وتفرض المزيد من التنسيق لإعادة الأمن والاستقرار للأراضي الليبية. وتتمتع إيطاليا بنفوذ كبير في وسط وجنوب ليبيا، ولها تواجد مؤثر في بعض المناطق، وتتجه لمزيد من التعاون مع القاهرة في الأزمة، واستثمار شبكة العلاقات التي أقامتها مصر مع عدد من القوى السياسية والأمنية والقبائلية، أملا في التوصل إلى صيغة مناسبة للتسوية السياسية تراعي المصالح المتناقضة لجميع الأطراف.