قال الدكتور نوح عبد الحليم العيسوي، مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف إن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، والأمّة الإسلاميّة تميّزت عن غيرها من الأمم بأنّها أمّة الوسطيّة والاعتدال بعيدًا عن الانحراف أو التّطرف، قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، وبذلك كان الإسلام منهاجها في الاستقامة والاعتدال، فلا تشدّد ولا لين، ولا إفراط ولا تفريط، مشيرًا إلى أن الوسطية تعني اتخاذ منهجًا وسطا متوازنا في جميع المجالات من عبادات ومعاملات وأخلاق وغير ذلك . ولفت إلى بعض مظاهر الوسطية في الإسلام والتي تتمثل في وسطية الإسلام في العبادة، وفي الطعام والشراب، وكذلك الوسطية في الإنفاق، مستشهدًا بحديث الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فَلَمَّا أُخْبِرُوا، كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا؛ فَإِنِّي أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ ؛ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّى". كما دعا إلى التوسط في الطعام والشراب كما أمرنا الإسلام، فالمسلم في مأكله ومشربه مثال للاعتدال، لا يبالغ في ذلك فيؤدي به إلى الأمراض المختلفة، مثل السّمنة وانسداد الشّرايين وغيرها من الأمراض، وهو لا يهمل كذلك الطّعام والشّراب فيعرض نفسه إلى الضّعف والوهن، بل كان منهج الإسلام مثالاً في الاعتدال، حيث قال النّبي (صلى الله عليه وسلم): «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ – لقيمات – يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». وأكد أن الإسلام حرم التبذير والإسراف في الإنفاق، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا }[الإسراء: 26، 27]، ويقول سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، موضحًا أن الوسطية في الإنفاق صفة من صفات عباد الرحمن التي ميزتهم عن سواهم، والتي ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في قرآنه الحكيم حيث قال : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، فهم مقتصدون في جميع أمورهم، حتى في العبادات، وهذا أمر محمود، حث عليه الإسلام ؛ ليسعد المسلم في الدنيا والآخرة ؛ لذا فإنهم مقتصدون في جميع أمور حياتهم الدينية والدنيوية، فلا هم مسرفون ومتجاوزون للحدود التي شرعها الله (تعالى)، ولا هم بخلاء في نفقتهم إلى درجة التقتير والتضييق، وإنما هم خيار عدول يعرفون أن خير الأمور أوسطها، فالمسلم لا بد وأن يلتزم المنهج الوسطي في الإنفاق حتّى لا يدخل في باب الإسراف المحرّم، وهو كذلك لا يضيّق على نفسه، بل هو يتخذ منهج الدّين الوسطي بدون إسرافٍ أو تقتير، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء: 29]. وأضاف: على المسلم أن يلتزم بالمنهج الوسطي المعتدل في عبادته وطاعته وفي طعامه وشرابه وفي إنفاقه.