أبدت مجلة فورين أفيرز الأمريكية, اندهاشها من قرار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالانسحاب العسكرى من سوريا, وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت مهمة بوتين قد أنجزت هناك، من عدمه. وكما ورد على لسان مسؤولين عسكريين روس، ستحتفظ روسيا بقدرتها على العمل من خلال قاعدتها الجوية في مطار حميميم، جنوب شرق مدينة اللاذقية، وعبر قاعدتها البحرية القديمة في طرطوس، واللتين تعهد بوتين بحمايتهما" من الأرض والجو". ونتيجة لما سبق، ترى فورين أفيرز أنه من السابق لأوانه معرفة الآثار البعيدة المدى للانسحاب الروسي من سوريا، ولكن من المؤكد أن روسيا ما زالت تملك القدرة على إعادة نشر قواتها، فيما لو قررت القيام بتلك الخطوة. ولكن، في الوقت الحالي، قال بوتين" تحققت الأهداف التي خططت وزارة الدفاع الروسية لإنجازها في سوريا، وآن الأوان لانطلاق عملية ديبلوماسية". في السياق ذاته، تتساءل المجلة عما يفكر به بوتين. وحيث لا يمكن إرجاع قراره لأسباب مالية فقط. إذ لم تكن فاتورة عملياتها الحربية في سوريا باهظة بالنسبة لموسكو، والتي وفق تقديرات تقريبة، تكلف ما بين مليار إلى ملياري دولار سنوياً. وكان بوسع بوتين مواصلة حملته الجوية لعدة أشهر أخرى دون مشقة. لكن، كل مبلغ بسيط يتم توفيره يفيد اقتصاد الدولة الروسية، وخاصة عند العلم بأن إجمالي الدخل القومي الروسي تراجع بنسبة 3,7% في عام 2015، وانخفضت قيمة الروبل بنسبة 50% مقابل الدولار، منذ عام 2014. وهناك بوادر استياء شعبي روسي ظهر من خلال إضرابات واحتجاجات متقطعة. وتلفت فورين أفيرز إلى أنه، وفي إطار سياسة شد الحزام الذين تتبعها الحكومة الروسية، أعلن بوتين لتوه عن تخفيضات في الميزانية العسكرية بنسبة تصل إلى 10% وفق سيرجي شيميزوف، رئيس مجموعة روستيك لإنتاج الأسلحة الروسية. وفي هذه الحالة، كان من الصعب مواصلة حرب مفتوحة في سوريا، وخاصة بأن روسيا لم تحقق، بعد خمسة أشهر ونصف من بداية الحملة الجوية، أية مكاسب استراتيجية. وتقول المجلة ,إن أهم نقطة تكمن في إمكانية ادعاء بوتين بتحقيقه انتصار دون المخاطرة في التورط في مستنقع شرق أوسطي. وبالفعل، حققت الحملة الروسية، بحسب فورين أفيرز، بعض الإنجازات. فقد أنقذت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد من الانهيار، ومكنته من استعادة بعض المناطق( قرابة 7 آلاف كليو متر مربع) التي فقدتها قواته، وخاصة في محافظتي إدلب وحلب، لصالح تحالف يقوده جيش الفتح الإسلامي. كما أجبرت حملة بوتين المعارضة السورية على القبول بوقف لإطلاق النار بدأ في 27 فبراير( شباط)، ومنح لروسيا مكاناً على مائدة المفاوضات، وضمن لها أن لا تتجاهل الولاياتالمتحدة مصالحها في سوريا. كما اضطرت الولاياتالمتحدة للتخلي عن شرطها الأولي بعدم إجراء محادثات سلام، إلا بعد رحيل الأسد. وكل ما تسعى إليه روسيا، برأي فورين أفيرز، أن تنال التقدير والمكانة اللائقة بها، وخاصة في أعين الولاياتالمتحدة. ولكن، تقول المجلة بأنه عوضاً عن اعتبار الانسحاب الروسي بمثابة انتصار، قد يكون من الحكمة، اعتباره حالة من" لا مكسب ولا خسارة"، وخاصة في حال صمد اتفاق الهدنة بين الحكومة السورية وقوات المعارضة، ووضعت أسس تسوية سياسية. كما أن وقف القصف الجوي الروسي يحمل أنباء طيبة للشعب السوري الذي عانى بشدة من آثار ذلك القصف، والذي، بحسب منظمة العفو الدولية، كان يستهدف المشافي والمناطق المأهولة الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة. وتقول فورين أفيرز أن الانسحاب الروسي كفيل باستمرار حالة الهدنة. ولم يعد الأسد قادراً على كسب مزيد من المناطق بدون الدعم الجوي الروسي، رغم تصريحاته الأخيرة بمواصلة القتال لحين استرجاع جميع المحافظات السورية من أيدي المعارضة. وتلفت المجلة إلى جانب استراتيجي آخر، وهو أن قرار بوتين، فيما لو ظل سارياً، سيمنع وقوع صدام عسكري بين ورسيا وتركيا، ويجر إليه أطراف أخرى، وقد يتصاعد بسرعة، ويهدد بتوريط دول أخرى في المنطقة.