نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. نقيب المحامين: أي زيادة على الرسوم القضائية يجب أن تتم بصدور قانون.. شرطان لتطبيق الدعم النقدي.. وزير التموين يكشف التفاصيل    رغم التوترات.. باكستان والهند تقيمان اتصالا على مستوى وكالة الأمن القومى    أحمد الشرع يطلب لقاء ترامب.. وصحيفة أمريكية: على غرار خطة «مارشال»    تشكيل الأهلي المتوقع ضد المصري البورسعيدي في الدوري.. وسام أبو علي يقود الهجوم    3 ساعات «فارقة».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس ودرجات الحرارة: «احذروا الطرق»    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    إعلام إسرائيلي: تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناع الأمم المتحدة بالمشاركة في خطة إسرائيل لغزة    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    «التعليم» تحسم مصير الطلاب المتغيبين عن امتحانات أولى وثانية ثانوي.. امتحان تكميلي رسمي خلال الثانوية العامة    سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 8-5-2025 مع بداية التعاملات    خبى عليا وعرض نفسه للخطر، المخرج خالد يوسف يكشف عن مشهد لا ينسي ل خالد صالح (فيديو)    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    قاض أمريكي يمنع ترحيل مهاجرين إلى ليبيا دون منحهم فرصة للطعن القضائي    "اغتيال معنوي لأبناء النادي".. كيف تعامل نجوم الزمالك مع اختيار أيمن الرمادي؟    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    بنك التنمية الجديد يدرس تمويل مشروعات في مصر    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    نشرة حوادث القليوبية| شاب يشرع في قتل شقيقته بسبب السحر.. ونفوق 12 رأس ماشية في حريق    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    السفارة المصرية بالتشيك تقيم حفل استقبال رسمي للبابا تواضروس    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    إعلام حكومة غزة: نرفض مخططات الاحتلال إنشاء مخيمات عزل قسري    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    رسميًا خلال أيام.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 بعد قرار وزارة المالية (احسب قبضك)    قبل الإعلان الرسمي.. لجنة الاستئناف تكتفي باعتبار الأهلي مهزوم أمام الزمالك فقط (خاص)    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    سحب 116 عينة من 42 محطة وقود للتأكد من عدم «غش البنزين»    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    بلاغ للنائب العام يتهم الفنانة جوري بكر بازدراء الأديان    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    عمرو الورداني يقدّم روشتة نبوية لتوسعة الخُلق والتخلص من العصبية    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضائل قيام الليل
نشر في الجمعة يوم 06 - 03 - 2013

فأول فضيلة من فضائل قيام الليل أنَّ الله جلَّ وعلا مدح أهله، الله أكبر! الملك العظيم سبحانه وتعالى يمدح من يقوم بين يديه سبحانه وتعالى في الليل، قال الله جلَّ وعلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هؤلاء الله سبحانه وتعالى مدحهم، جمعوا بين العبادات والقربات اللازمة والعبادات والقربات المتعدِّية، فهم يقومون الليل: هذه عبادة لازمة للشخص نفسه، وهناك العبادات المتعدِّية أي نفعها متعدٍّ: وهو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، فانظروا -رحمكم الله- كيف أنَّ هؤلاء يجتهدون في العبادة، ويبذلون ما يستطيعون من التقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك هم في حالة بين الخوف والرجاء، وهكذا المؤمن، المؤمن يعمل ويخاف، المنافق لا يعمل ولا يخاف، ولهذا قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في هذه الآية: أي أنَّهم لمَّا أخفوا أعمالهم -لأنَّ قيام الليل بينك وبين الله، لا أحد يعلم أنَّك تقوم الليل- أخفى الله لهم من النعيم ومن اللذَّات ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن، هذه الفضيلة الأولى.
الفضيلة الثانية من فضائل قيام الليل أنَّها من علامات المتَّقين، الله أكبر! يقول ربُّنا جلَّ في علاه: (إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) الآن الله سبحانه يصفهم (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، اعرض هذه الصفة على نفسك، على واقعك، على حياتك، (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الله أكبر! يقومون الليل، كما قال الإمام الحسن البصري: يعني لا ينامون من الليل إلا قليلاً، فهم يكابدون الليل في القيام والركوع والسجود، ومع ذلك يختمون هذه العبادة بالاستغفار، سبحان الله! وقدوتهم في ذلك سيِّدهم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه. فانظروا -يا رعاكم- الله كيف هذا الإنسان الذي قام من الليل..، طبعًا قيام الليل يحتاج إلى جهاد نفس؛ لأنَّ قيام الليل -كما قال بعض أهل العلم- من أشقِّ العبادات على النفس، فقيامها يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى بذل، يحتاج إلى تمرين وتدريب، بعض الناس يسأل يقول: أنا كيف أقوم الليل؟ أقول: لا بدَّ في الأيام الأولى لا بدَّ أن تشعر بالتعب وتشعر بالمشقَّة، لكن مع التدريب والتمرين والممارسة يصبح عندك قيام الليل جزءٌ من حياتك، ما تستطيع أن تستغني عنه، هؤلاء الذين يقومون الليل وصفهم الله سبحانه وتعالى أو جعلهم من المتَّقين، بل من أبرز علامات المتَّقين.
ثالثًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّهم لا يستوون عند الله، نعم لا يستوون عند الله كما قال الله جلَّ وعلا: (أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هل يستوي إنسانٌ قضى ليله غافلاً هائمًا نائمًا بين السهرات والقيل والقال والفضائيات والأفلام والمسرحيات ومضيعة الأوقات، بين إنسان قائمٍ في ليله يدعو ربه سبحانه وتعالى ويبكي من خشية الله جلَّ وعلا ويخضع لله سبحانه وتعالى، لا يستوون عند الله، وهكذا القلب الحي، سبحان الله! القلب الحي إذا سمع آيات الله عزَّ وجلَّ تُتلى عليه فتجده -سبحان الله- يتفكَّر ويتدبَّر ويتأمَّل ويخضع ويخشع وينصت ويستمع ويطبِّق، هذا هو القلب الحي. أمَّا القلب الميت -نسأل الله السلامة والعافية- فهو يسمع آيات الله تُتلى عليه آناء الليل وأطراف النهار ولا يتأثَّر ولا يتفاعل، بل تجده -والعياذ بالله- مُعرضًا عنها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" -أي المقصود في التطوُّعات- ما هو السرُّ، وما هو السبب أنَّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار -أقصد في التطوُّعات-؟ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- لثلاثة أمور: أولاً: لأنَّ فيها الإسرار فهي أقرب إلى الإخلاص، إذا أردت الإخلاص، إذا أردت أن تقوِّي إخلاصك لله عزَّ وجلَّ فعليك بقيام الليل، فقيام الليل لا أحد يعلم عنك، لا أحد يدري عنك، أقرب الناس إليك لا يدري عنك، إذن هي أقرب إلى الإخلاص. ثانيًا: قال: ولأنَّ صلاة الليل فيها مشقَّة، فيها مشقَّة على النفوس؛ لأنَّ الإنسان يقوم من فراشه الدافئ الجميل ويقوم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذا فيه مشقَّة، فيه تعب، فيه معاناة، بينك وبين نفسك وبين شيطانك. ثالثًا: قال: لأنَّ صلاة الليل القراءة فيها أقرب إلى التدبُّر والتفكُّر والخشوع؛ لأنَّ الإنسان بينه وبين الله سبحانه وتعالى فهو تجده يتأمَّل ما يقرأ.
خامسًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّ قيام الليل سببٌ من أسباب دخول الجنة، روى الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه من حديث عبد الله بن سلام قال صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" الله أكبر! "تدخلوا الجنة بسلام" يعني: بلا عذاب، فذكر أهل العلم قالوا: أنَّ من أسباب دخول الجنة قيام الليل.
سادسًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّه شرف المؤمن، تصوَّر شرفك! بعض الناس يظنُّ أنَّ شرفه بماله ومنصبه وأصله وفصله أو شهادته، لا؛ شرفك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل" رواه الطبراني، فصرَّح النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قيام الليل شرف المؤمن؛ لأنَّ فيه دليل على قوَّة إخلاصه، دليل على قوَّة ثقته بالله، دليلٌ على قوَّة إيمانه، فالله عزَّ وجلَّ يرفعه ويعلي من مكانته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا سُئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: ما بال المتهجِّدين -الذين يصلُّون بالليل- وجوههم فيها النور، فيها الضياء؟ فقال الإمام -رحمه الله-: لأنَّهم خلوا بالرحمن فأعطاهم من نوره.
سابعًا: كذلك -أحبابي الكرام- من فضائل قيام الليل أنَّ الإنسان إذا قام الليل سوف يوافق الثلث الأخير من الليل، ربُّنا ربُّ العزَّة تبارك وتعالى ربُّ السماء والأرض ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، هذا الوقت الإلهي قال صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة في الثلث الأخير من الليل" متى يبدأ الثلث الأخير من الليل؟ تحسب من أذان المغرب إلى صلاة الفجر -مثلاً- اثنا عشر ساعة، فتقسِّم اثني عشر ساعة إلى ثلاثة أثلاث فتُعتبر آخر أربع ساعات هي الثلث الأخير من الليل، وهذا يختلف باختلاف الصيف والشتاء، فتصوَّروا -يا رعاكم الله- أنَّ الملك العظيم الكبير المتكبِّر الرحمن الرحيم الوهَّاب المنَّان ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ماذا يقول ربُّنا سبحانه وتعالى؟ فيقول: "هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له" الله أكبر! يا لها من لحظات مباركة، الله عزَّ وجلَّ وهو الغنيُّ عنَّا ونحن الفقراء إليه، الله عزَّ وجلَّ ينادي عباده: "هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من سائلٍ فأعطيه"، وتجد هذا الإنسان البني آدم العبد المذنب المقصِّر العاصي، مع ذلك تجده -والعياذ بالله- في سابع نومة -كما يقال- والله عزَّ وجلَّ ينادي، ألا يستحي أحدنا من ربِّه جلَّ في علاه، الله يناديك الرحمن الرحيم الوهَّاب المنَّان يناديك: "هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفرٍ فأغفر له" وتجد هذا الإنسان نائمًا غافلاً ساهيًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا نجد أنَّ طاووس بن كيسان -رحمه الله تعالى، أحد التابعين أو تابعي التابعين- مرَّ على رجلٍ في وقت السَّحَر فضرب عليه الباب فقال أهله: إنه نائم، فتعجَّب طاووس قال: كيف ينام؟! هل هناك إنسان ينام في هذا الوقت؟! أي: وقت النزول الإلهي، وقت استجابة الدعاء.
ثامنًا: كذلك -أحبابي الكرام- من فضائل قيام الليل أنَّه يوصف من قام الليل ب[نِعم الرجل]، جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- أنَّ نبيَّنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: "نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل" -يعني يقصد عبد الله بن عمر- شوف الكلمة هذه "نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل"، أتدرون ما الذي حدث لعبد الله بن عمر؟ انظر إلى الصحابة كيف كانوا يتأثَّرون بالكلمات، ليس خطب ودروس، لا؛ كلمة واحدة يسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرةً يتأثَّر ويتفاعل ويطبِّق، أتدرون ما الذي حدث لعبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه-؟ قال سالم: فكان لا ينام من الليل إلا قليلاً عندما سمع هذه الكلمة "نِعم الرجل عبد الله"، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يعلِّق على هذا الحديث، قال: فمقتضى هذا الحديث أنَّ من كان يقوم الليل يوصف بأنَّه (نِعم الرجل). ويا لها من منقبةٍ عظيمة! تصوَّر الرسول عليه الصلاة والسلام يصفك ب(نِعم الرجل) الله أكبر! لأنَّك تقوم تصلِّي من الليل.
لو كان الإنسان حتى لو يصلِّي نصف ساعة، ساعة، المهم تطبِّق ما كان الرسول يفعله صلى الله عليه وسلم، تحاول في كل ليلة تطبِّق أمرين -انتبهوا يا إخوة!-، كل ليلة تحاول تحرص على أمرين تصلِّي إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشر ركعة، كما ورد ذلك عن رسولنا عليه الصلاة والسلام؛ أخبرت عائشة: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلِّي كل ليلة -في رمضان وفي غير رمضان- إحدى عشر ركعة. هذا أول أمر لا بدَّ أن تحافظ عليه كل ليلة، لكن قد تطيل في الركعات قد تقصر على حسب ظروف الإنسان، الإنسان قد يكون متعبًا، الإنسان قد يكون مريضًا، قد يكون عنده ظروف أخرى، لكن تحافظ كل ليلة على هذا العدد إحدى عشر ركعة، فإما أن تطوِّلها وإما أن تقصرها، تستطيع تصلِّي في نصف ساعة، تكتفي بالجزء الثلاثين الذي تحفظه، بركة وخير ونعمة.
الأمر الثاني تحاول أن تقرأ مائة آية، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من قام بمائة آية في ليلة كُتب من القانتين" الله أكبر! تكتب عند الله من القانتين -أي: القائم بأمر الله سبحانه وتعالى-، مائة آية سهلة؛ يعني عندك سورة (عمَّ يتساءلون) تقريبًا 42 آية، عندك سورة (النازعات) 46 آية، كذلك (عبس) تقريبًا 40 آية، عندك سورة (المرسلات) 50 آية، جزء (29) وجزء كذلك (30) هذه كلها آياتها قصار، فتستطيع تختار سورة أو سورتين وتجزئها إلى ركعتين، وهنا طبقت هذا الحديث "من قام بمائة آية كُتب من القانتين" تكتب عند الله سبحانه وتعالى من القانتين، هذا شرف وكرامة لك عند الله سبحانه وتعالى.
تاسعًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّه سبب من أسباب رحمة الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً قام من الليل فأيقظ امرأته..." فصلَّيا جميعًا أو صلَّى كل واحد منهما لوحده أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا عائشة -رضي الله تعالى عنها- الصدِّيقة بنت الصدِّيق توصينا بوصيةٍ عظيمةٍ تقول -معنى وصيتها-: يا عبد الله لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع قيام الليل؛ فإذا كان مريضًا أو كسل -يعني أصابه مرض أو تعب عليه الصلاة والسلام- صلَّى قاعدًا صلى الله عليه وسلم.
الآن نأتي -أحبابي الكرام- نتكلم عن الأسباب التي تُعين الإنسان على قيام الليل:
أولاً: أول سبب من أسباب قيام الليل ترك الذنوب والمعاصي؛ لأنَّ الذنوب والمعاصي تحجب الإنسان عن ربه تبارك وتعالى، الذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاءٍ وشقاءٍ ونكدٍ وحرمانٍ في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: إذا لم تستطع على صيام النهار ولا قيام الليل فاعلم أنك محروم مكبَّل كبَّلتك ذنوبك، ولقد شكى بعض الناس لعبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- الصحابي الجليل قالوا: إنَّنا لا نستطيع أن نقيم الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم. حتى قال الإمام الحسن البصري: إنَّ الرجل ليذنب الذنب فيُحرم قيام الليل، فإذا حُرمت قيام الليل يا عبد الله ففتِّش عن نفسك، فتِّش عن واقعك، عن حياتك، ما الذي فعلته في نهارك؟ لعلك اغتبت أحدًا، لعلك وقعت في النظر إلى حرام، لعلك فعلت ذنب أو معصية، هذا الذنب وهذه المعصية تجعلك تُحرَم من قيام الليل.
ثانيًا: ومن أسباب قيام الليل قلَّة الأكل، حتى قال أحدهم: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فتحسَّر كثيرًا، فلا شكَّ أن كثرة الأكل تُثقل جسد الإنسان.
ثالثًا: كذلك من أسباب قيام الليل الدعاء؛ لأنَّ قيام الليل توفيقٌ من الله، هبةٌ ربَّانيَّةٌ، عطيَّةٌ رحمانيَّةٌ، فالله عزَّ وجلَّ لا يهب هذه العبادة -التي قلَّ من يطبِّقها- إلا بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ، فتدعو الله سبحانه وتعالى وتتضرَّع إلى الله أنَّ الله يوفِّقك ويعينك، قبل أن تنام تدعو الله وتتضرَّع: يا ربّ، يا الله، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ربّ العرش العظيم، اللهم أعنِّي في هذه الليلة، اللهم أكرمني ووفِّقني وأعنِّي في هذه الليلة على الوقوف بين يديك.
رابعًا: كذلك من أسباب قيام الليل أكل الحلال والابتعاد عن الحرام، قال الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) يقول الإمام ابن كثير: فأكل الحلال -اسمع شوف الاستنباط-، فأكل الحلال يعين على العمل الصالح.
خامسًا: كذلك من أسباب قيام الليل القيلولة، أي: أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار، ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا بالقيلولة على قيام الليل، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار؛ لأنَّ الإنسان لو قام من الصباح -من الفجر مثلاً- إلى بعد صلاة العشاء، ما نام إلا بعد صلاة العشاء بساعتين أو ثلاث، كيف يستطيع أن يقوم الليل وهو في طيلة النهار يعمل ويكدح؟! لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم الليل إلا إذا شاء الله.
سادسًا: كذلك من أسباب قيام الليل الإكثار من ذكر الله جلَّ وعلا؛ لأنَّ الإكثار من ذكر الله يعطي الإنسان قوَّةً، ويعطي الإنسان توفيقًا، وانتصارًا على النفس والهوى والشيطان، ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- قبل النوم أن يسبِّحا الله سبحانه وتعالى عندما طلبت فاطمة خادمة أن تعمل في البيت لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصاهما أن يسبِّحا التسبيحات المعروفة سبحان الله 33، والحمد لله 33، والله أكبر 34.
أقول -أحبابي الكرام- أخيرًا من أسباب قيام الليل -ولا بدَّ أن نضع هذا الأمر في بالنا- طهارة القلب، سلامة النفس من الحقد والحسد والضغينة، فلا شكَّ أنَّ أصحاب القلوب المريضة لا يوفَّقون إلى أجلِّ الطاعات وأعظم العبادات، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينقِّي قلبه، يصفِّي نفسه من هذه الأمراض: الحقد والحسد والأنانية والبغضاء والكراهية، حتى يوفِّقه ربُّه سبحانه وتعالى إلى هذه العبادة العظيمة.
أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يوفِّقني وإيَّاكم لما يحبُّ ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
فأول فضيلة من فضائل قيام الليل أنَّ الله جلَّ وعلا مدح أهله، الله أكبر! الملك العظيم سبحانه وتعالى يمدح من يقوم بين يديه سبحانه وتعالى في الليل، قال الله جلَّ وعلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هؤلاء الله سبحانه وتعالى مدحهم، جمعوا بين العبادات والقربات اللازمة والعبادات والقربات المتعدِّية، فهم يقومون الليل: هذه عبادة لازمة للشخص نفسه، وهناك العبادات المتعدِّية أي نفعها متعدٍّ: وهو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، فانظروا -رحمكم الله- كيف أنَّ هؤلاء يجتهدون في العبادة، ويبذلون ما يستطيعون من التقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك هم في حالة بين الخوف والرجاء، وهكذا المؤمن، المؤمن يعمل ويخاف، المنافق لا يعمل ولا يخاف، ولهذا قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في هذه الآية: أي أنَّهم لمَّا أخفوا أعمالهم -لأنَّ قيام الليل بينك وبين الله، لا أحد يعلم أنَّك تقوم الليل- أخفى الله لهم من النعيم ومن اللذَّات ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن، هذه الفضيلة الأولى.
الفضيلة الثانية من فضائل قيام الليل أنَّها من علامات المتَّقين، الله أكبر! يقول ربُّنا جلَّ في علاه: (إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) الآن الله سبحانه يصفهم (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، اعرض هذه الصفة على نفسك، على واقعك، على حياتك، (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الله أكبر! يقومون الليل، كما قال الإمام الحسن البصري: يعني لا ينامون من الليل إلا قليلاً، فهم يكابدون الليل في القيام والركوع والسجود، ومع ذلك يختمون هذه العبادة بالاستغفار، سبحان الله! وقدوتهم في ذلك سيِّدهم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه. فانظروا -يا رعاكم- الله كيف هذا الإنسان الذي قام من الليل..، طبعًا قيام الليل يحتاج إلى جهاد نفس؛ لأنَّ قيام الليل -كما قال بعض أهل العلم- من أشقِّ العبادات على النفس، فقيامها يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى بذل، يحتاج إلى تمرين وتدريب، بعض الناس يسأل يقول: أنا كيف أقوم الليل؟ أقول: لا بدَّ في الأيام الأولى لا بدَّ أن تشعر بالتعب وتشعر بالمشقَّة، لكن مع التدريب والتمرين والممارسة يصبح عندك قيام الليل جزءٌ من حياتك، ما تستطيع أن تستغني عنه، هؤلاء الذين يقومون الليل وصفهم الله سبحانه وتعالى أو جعلهم من المتَّقين، بل من أبرز علامات المتَّقين.
ثالثًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّهم لا يستوون عند الله، نعم لا يستوون عند الله كما قال الله جلَّ وعلا: (أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هل يستوي إنسانٌ قضى ليله غافلاً هائمًا نائمًا بين السهرات والقيل والقال والفضائيات والأفلام والمسرحيات ومضيعة الأوقات، بين إنسان قائمٍ في ليله يدعو ربه سبحانه وتعالى ويبكي من خشية الله جلَّ وعلا ويخضع لله سبحانه وتعالى، لا يستوون عند الله، وهكذا القلب الحي، سبحان الله! القلب الحي إذا سمع آيات الله عزَّ وجلَّ تُتلى عليه فتجده -سبحان الله- يتفكَّر ويتدبَّر ويتأمَّل ويخضع ويخشع وينصت ويستمع ويطبِّق، هذا هو القلب الحي. أمَّا القلب الميت -نسأل الله السلامة والعافية- فهو يسمع آيات الله تُتلى عليه آناء الليل وأطراف النهار ولا يتأثَّر ولا يتفاعل، بل تجده -والعياذ بالله- مُعرضًا عنها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" -أي المقصود في التطوُّعات- ما هو السرُّ، وما هو السبب أنَّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار -أقصد في التطوُّعات-؟ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- لثلاثة أمور: أولاً: لأنَّ فيها الإسرار فهي أقرب إلى الإخلاص، إذا أردت الإخلاص، إذا أردت أن تقوِّي إخلاصك لله عزَّ وجلَّ فعليك بقيام الليل، فقيام الليل لا أحد يعلم عنك، لا أحد يدري عنك، أقرب الناس إليك لا يدري عنك، إذن هي أقرب إلى الإخلاص. ثانيًا: قال: ولأنَّ صلاة الليل فيها مشقَّة، فيها مشقَّة على النفوس؛ لأنَّ الإنسان يقوم من فراشه الدافئ الجميل ويقوم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذا فيه مشقَّة، فيه تعب، فيه معاناة، بينك وبين نفسك وبين شيطانك. ثالثًا: قال: لأنَّ صلاة الليل القراءة فيها أقرب إلى التدبُّر والتفكُّر والخشوع؛ لأنَّ الإنسان بينه وبين الله سبحانه وتعالى فهو تجده يتأمَّل ما يقرأ.
خامسًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّ قيام الليل سببٌ من أسباب دخول الجنة، روى الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه من حديث عبد الله بن سلام قال صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" الله أكبر! "تدخلوا الجنة بسلام" يعني: بلا عذاب، فذكر أهل العلم قالوا: أنَّ من أسباب دخول الجنة قيام الليل.
سادسًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّه شرف المؤمن، تصوَّر شرفك! بعض الناس يظنُّ أنَّ شرفه بماله ومنصبه وأصله وفصله أو شهادته، لا؛ شرفك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل" رواه الطبراني، فصرَّح النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قيام الليل شرف المؤمن؛ لأنَّ فيه دليل على قوَّة إخلاصه، دليل على قوَّة ثقته بالله، دليلٌ على قوَّة إيمانه، فالله عزَّ وجلَّ يرفعه ويعلي من مكانته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا سُئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: ما بال المتهجِّدين -الذين يصلُّون بالليل- وجوههم فيها النور، فيها الضياء؟ فقال الإمام -رحمه الله-: لأنَّهم خلوا بالرحمن فأعطاهم من نوره.
سابعًا: كذلك -أحبابي الكرام- من فضائل قيام الليل أنَّ الإنسان إذا قام الليل سوف يوافق الثلث الأخير من الليل، ربُّنا ربُّ العزَّة تبارك وتعالى ربُّ السماء والأرض ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، هذا الوقت الإلهي قال صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة في الثلث الأخير من الليل" متى يبدأ الثلث الأخير من الليل؟ تحسب من أذان المغرب إلى صلاة الفجر -مثلاً- اثنا عشر ساعة، فتقسِّم اثني عشر ساعة إلى ثلاثة أثلاث فتُعتبر آخر أربع ساعات هي الثلث الأخير من الليل، وهذا يختلف باختلاف الصيف والشتاء، فتصوَّروا -يا رعاكم الله- أنَّ الملك العظيم الكبير المتكبِّر الرحمن الرحيم الوهَّاب المنَّان ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ماذا يقول ربُّنا سبحانه وتعالى؟ فيقول: "هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له" الله أكبر! يا لها من لحظات مباركة، الله عزَّ وجلَّ وهو الغنيُّ عنَّا ونحن الفقراء إليه، الله عزَّ وجلَّ ينادي عباده: "هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من سائلٍ فأعطيه"، وتجد هذا الإنسان البني آدم العبد المذنب المقصِّر العاصي، مع ذلك تجده -والعياذ بالله- في سابع نومة -كما يقال- والله عزَّ وجلَّ ينادي، ألا يستحي أحدنا من ربِّه جلَّ في علاه، الله يناديك الرحمن الرحيم الوهَّاب المنَّان يناديك: "هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفرٍ فأغفر له" وتجد هذا الإنسان نائمًا غافلاً ساهيًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا نجد أنَّ طاووس بن كيسان -رحمه الله تعالى، أحد التابعين أو تابعي التابعين- مرَّ على رجلٍ في وقت السَّحَر فضرب عليه الباب فقال أهله: إنه نائم، فتعجَّب طاووس قال: كيف ينام؟! هل هناك إنسان ينام في هذا الوقت؟! أي: وقت النزول الإلهي، وقت استجابة الدعاء.
ثامنًا: كذلك -أحبابي الكرام- من فضائل قيام الليل أنَّه يوصف من قام الليل ب[نِعم الرجل]، جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- أنَّ نبيَّنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: "نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل" -يعني يقصد عبد الله بن عمر- شوف الكلمة هذه "نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل"، أتدرون ما الذي حدث لعبد الله بن عمر؟ انظر إلى الصحابة كيف كانوا يتأثَّرون بالكلمات، ليس خطب ودروس، لا؛ كلمة واحدة يسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرةً يتأثَّر ويتفاعل ويطبِّق، أتدرون ما الذي حدث لعبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه-؟ قال سالم: فكان لا ينام من الليل إلا قليلاً عندما سمع هذه الكلمة "نِعم الرجل عبد الله"، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يعلِّق على هذا الحديث، قال: فمقتضى هذا الحديث أنَّ من كان يقوم الليل يوصف بأنَّه (نِعم الرجل). ويا لها من منقبةٍ عظيمة! تصوَّر الرسول عليه الصلاة والسلام يصفك ب(نِعم الرجل) الله أكبر! لأنَّك تقوم تصلِّي من الليل.
لو كان الإنسان حتى لو يصلِّي نصف ساعة، ساعة، المهم تطبِّق ما كان الرسول يفعله صلى الله عليه وسلم، تحاول في كل ليلة تطبِّق أمرين -انتبهوا يا إخوة!-، كل ليلة تحاول تحرص على أمرين تصلِّي إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشر ركعة، كما ورد ذلك عن رسولنا عليه الصلاة والسلام؛ أخبرت عائشة: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلِّي كل ليلة -في رمضان وفي غير رمضان- إحدى عشر ركعة. هذا أول أمر لا بدَّ أن تحافظ عليه كل ليلة، لكن قد تطيل في الركعات قد تقصر على حسب ظروف الإنسان، الإنسان قد يكون متعبًا، الإنسان قد يكون مريضًا، قد يكون عنده ظروف أخرى، لكن تحافظ كل ليلة على هذا العدد إحدى عشر ركعة، فإما أن تطوِّلها وإما أن تقصرها، تستطيع تصلِّي في نصف ساعة، تكتفي بالجزء الثلاثين الذي تحفظه، بركة وخير ونعمة.
الأمر الثاني تحاول أن تقرأ مائة آية، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من قام بمائة آية في ليلة كُتب من القانتين" الله أكبر! تكتب عند الله من القانتين -أي: القائم بأمر الله سبحانه وتعالى-، مائة آية سهلة؛ يعني عندك سورة (عمَّ يتساءلون) تقريبًا 42 آية، عندك سورة (النازعات) 46 آية، كذلك (عبس) تقريبًا 40 آية، عندك سورة (المرسلات) 50 آية، جزء (29) وجزء كذلك (30) هذه كلها آياتها قصار، فتستطيع تختار سورة أو سورتين وتجزئها إلى ركعتين، وهنا طبقت هذا الحديث "من قام بمائة آية كُتب من القانتين" تكتب عند الله سبحانه وتعالى من القانتين، هذا شرف وكرامة لك عند الله سبحانه وتعالى.
تاسعًا: كذلك من فضائل قيام الليل أنَّه سبب من أسباب رحمة الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً قام من الليل فأيقظ امرأته..." فصلَّيا جميعًا أو صلَّى كل واحد منهما لوحده أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا عائشة -رضي الله تعالى عنها- الصدِّيقة بنت الصدِّيق توصينا بوصيةٍ عظيمةٍ تقول -معنى وصيتها-: يا عبد الله لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع قيام الليل؛ فإذا كان مريضًا أو كسل -يعني أصابه مرض أو تعب عليه الصلاة والسلام- صلَّى قاعدًا صلى الله عليه وسلم.
الآن نأتي -أحبابي الكرام- نتكلم عن الأسباب التي تُعين الإنسان على قيام الليل:
أولاً: أول سبب من أسباب قيام الليل ترك الذنوب والمعاصي؛ لأنَّ الذنوب والمعاصي تحجب الإنسان عن ربه تبارك وتعالى، الذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاءٍ وشقاءٍ ونكدٍ وحرمانٍ في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: إذا لم تستطع على صيام النهار ولا قيام الليل فاعلم أنك محروم مكبَّل كبَّلتك ذنوبك، ولقد شكى بعض الناس لعبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- الصحابي الجليل قالوا: إنَّنا لا نستطيع أن نقيم الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم. حتى قال الإمام الحسن البصري: إنَّ الرجل ليذنب الذنب فيُحرم قيام الليل، فإذا حُرمت قيام الليل يا عبد الله ففتِّش عن نفسك، فتِّش عن واقعك، عن حياتك، ما الذي فعلته في نهارك؟ لعلك اغتبت أحدًا، لعلك وقعت في النظر إلى حرام، لعلك فعلت ذنب أو معصية، هذا الذنب وهذه المعصية تجعلك تُحرَم من قيام الليل.
ثانيًا: ومن أسباب قيام الليل قلَّة الأكل، حتى قال أحدهم: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فتحسَّر كثيرًا، فلا شكَّ أن كثرة الأكل تُثقل جسد الإنسان.
ثالثًا: كذلك من أسباب قيام الليل الدعاء؛ لأنَّ قيام الليل توفيقٌ من الله، هبةٌ ربَّانيَّةٌ، عطيَّةٌ رحمانيَّةٌ، فالله عزَّ وجلَّ لا يهب هذه العبادة -التي قلَّ من يطبِّقها- إلا بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ، فتدعو الله سبحانه وتعالى وتتضرَّع إلى الله أنَّ الله يوفِّقك ويعينك، قبل أن تنام تدعو الله وتتضرَّع: يا ربّ، يا الله، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ربّ العرش العظيم، اللهم أعنِّي في هذه الليلة، اللهم أكرمني ووفِّقني وأعنِّي في هذه الليلة على الوقوف بين يديك.
رابعًا: كذلك من أسباب قيام الليل أكل الحلال والابتعاد عن الحرام، قال الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) يقول الإمام ابن كثير: فأكل الحلال -اسمع شوف الاستنباط-، فأكل الحلال يعين على العمل الصالح.
خامسًا: كذلك من أسباب قيام الليل القيلولة، أي: أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار، ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا بالقيلولة على قيام الليل، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينام في وسط النهار؛ لأنَّ الإنسان لو قام من الصباح -من الفجر مثلاً- إلى بعد صلاة العشاء، ما نام إلا بعد صلاة العشاء بساعتين أو ثلاث، كيف يستطيع أن يقوم الليل وهو في طيلة النهار يعمل ويكدح؟! لا شكَّ أنَّه لا يستطيع أن يقوم الليل إلا إذا شاء الله.
سادسًا: كذلك من أسباب قيام الليل الإكثار من ذكر الله جلَّ وعلا؛ لأنَّ الإكثار من ذكر الله يعطي الإنسان قوَّةً، ويعطي الإنسان توفيقًا، وانتصارًا على النفس والهوى والشيطان، ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- قبل النوم أن يسبِّحا الله سبحانه وتعالى عندما طلبت فاطمة خادمة أن تعمل في البيت لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصاهما أن يسبِّحا التسبيحات المعروفة سبحان الله 33، والحمد لله 33، والله أكبر 34.
أقول -أحبابي الكرام- أخيرًا من أسباب قيام الليل -ولا بدَّ أن نضع هذا الأمر في بالنا- طهارة القلب، سلامة النفس من الحقد والحسد والضغينة، فلا شكَّ أنَّ أصحاب القلوب المريضة لا يوفَّقون إلى أجلِّ الطاعات وأعظم العبادات، فلا بدَّ أنَّ الإنسان ينقِّي قلبه، يصفِّي نفسه من هذه الأمراض: الحقد والحسد والأنانية والبغضاء والكراهية، حتى يوفِّقه ربُّه سبحانه وتعالى إلى هذه العبادة العظيمة.
أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يوفِّقني وإيَّاكم لما يحبُّ ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.