المحيط : ناقشت الجلسة الأخيرة لمنتدى الإعلام العربي بدورته العاشرة في دبي موضوع "الإعلام المصري بعد 25 يناير" واستضافت كل من الإعلامي الكبير حمدي قنديل، والكاتب الصحفي مجدي الجلاد رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم"، والكاتب وائل قنديل مدير تحرير صحيفة "الشروق"، والإعلامية منى الشاذلي مقدمة برنامج "العاشرة مساء"، وأدار الجلسة الصحفي محمد كريشان. في كلمتها اعتبرت منى الشاذلي أن الثورة لم تكتمل بعد ، وأنها لم تتمثل في الزخم والمظاهرات فقط والحصول على مكتسب سياسي ضخم، إنما الثورة تعني إحداث تغييرا حقيقيا وليس شكليا، وقد سببت الثورة إرباكا شديدا للإعلام، وكانت هناك مخاطر يواجهها الإعلاميون عند ظهورهم على الهواء والتحدث بحرية، وكانوا يعلمون أنهم سيعاقبون إذا ما فشلت الثورة. أما الإعلامي حمدي قنديل فبدأ كلمته بتحية الشاب محمد بوعزيزي مفجر الثورة التونسية وشهداء ثورة 25 يناير، قائلاً أنه لولا تضحية هؤلاء من أجل أوطانهم لما كانت دورة منتدى الإعلام لهذا العام تتناول الإعلام والتغيير. حمدي قنديل ويوضح قنديل أن ظروف الإعلام قبل الثورة كانت معروفة لجميع بلداننا العربية بلا استثناء حيث وصل القمع الذي كان يمارسه النظام إلى الحد أن الرئيس بنفسه كان يعين رؤساء تحرير الصحف القومية، بينما تحدد مباحث أمن الدولة طبيعة الضيوف الذين يظهرون بالبرامج التلفزيونية. كذلك شهد عام 2010 تقديم ألف صحفي مصري إلى المحاكمة، وإغلاق عدد من المدونات وإعتقال المدونين، ومصادرة عدد من الصحف. وبالرغم من هذا القمع والحظر الذي عانت منه وسائل الإعلام كان البديل هو مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر في قول واحدة من الباحثات الشهيرات "لعبت دور وكالة أنباء عالمية، المراسلون فيها هم المواطنون أنفسهم"، حيث استخدم الشباب هذه المواقع بكثافة شديدة ، في الإعداد للثورة في مصر وأثناء الثورة وحتى في أيامها الأولى عندما حظرت الحكومة الاتصالات الهاتفية والإنترنت استطاع هؤلاء الشباب أن يستخلصوا وسائل للنفاذ من قيود الحظر التي سعت لمصادرة حريتهم. الصحافة والسياسة في كلمته ركز الصحفي مجدي الجلاد على أن نشأة الصحافة في مصر والإعلام بصفة عامة مرتبط ارتباط شديد جدا بالنظام السياسي نفسه، وأنه على مدى عقود طويلة كانت الصحافة والإعلام تستخدمان باعتبارهما أداة من أدوات الحكم ، مؤكداً أن ذلك ليس في الثلاثين عاماً الماضية فقط ، ولكن امتد لأكثر من نصف قرن كان فيها الإعلام المصري وسيلة دائمة للتبرير للنظام الحاكم. ويقول الجلاد أن هذا الإرتباط الوثيق والحميم مع النظام الحاكم جعل الإعلام المصري متراجع بشكل شديد ، مؤكداً أنه كلما كان الدور المصري على المستوى الإقليمي والدولي متراجعاً كلما كان الإعلام المصري متراجعاً على مستوى الصناعة والمهنة. ويلفت الكاتب إلى أن السطوة الأمنية على الإعلام قد خفت كثيراً عقب الثورة ، ولكنها أدت إلى ظاهرة سلبية أخرى، فنظراً لتعود الإعلام على التوجيه الدائم من الأجهزة الأمنية فإن هذا الغياب الامني الذي حدث الآن أدى إلى حالة من الفوضى الإعلامية، وذلك لوجود جيل كامل من الإعلاميين في مصر على الأقل الذين يعملون في أجهزة الإعلام الرسمي قد تربى على نظرية التوجيه وانتظار الأوامر دائماً. الاعلام المتطرف أشار الجلاد إلى أن ما يحدث حالياً هو غياب العقل الإعلامي وغياب الرؤية وهو ما وضح في التحول الدراماتيكي غير المعقول لوسائل الإعلام الرسمية في مصر سواء التلفزيون الرسمي أو الصحف الحكومية، لأنها تحولت لصوت متطرف على حد وصفه ؛ فبعد أن كانت متطرفة في تأييد الحاكم وأجهزته الأمنية أصبحت تجنح في التطرف في نقد الجهات الحاكمة . كما لفت الكاتب إلى تراجع الإقبال على الصحف القومية ومعدلات المشاهدة في التلفزيون المصري مقابل صعود المحطات المستقلة. ويتساءل الجلاد هل هناك ما يمكن أن نسميه "إعلام ما بعد الثورة" مؤكداً أن الإعلام المصري كما ارتبط على مدى نصف قرن بالنظام السياسي المصري سيرتبط بالتطور السياسي في المجتمع نفسه. وائل قنديل المتحولون في الإعلام من جانبه ذكر الصحفي وائل قنديل أن ظاهرة التحول والتلون التي حدثت لعدد من الصحفيين لم تكن حصراً على الإعلام الحكومي أو الإعلام المملوك للدولة، فقد كانت هناك بعض وسائل الإعلام الخاصة والمستقلة أيضاً مارست نفس هذه اللعبة ولكن بدرجات أخف، ففي الفترة ما بين 25 يناير – 11 فبراير كان الكل مرتبكاً إلا أفراد قليلين وليس مؤسسات، حيث أخذ عدد من الأشخاص موقفاً منذ البداية وتماهت عندهم المهنة مع الثورة في موقف فاصل نادراً أن يتكرر. ويقول قنديل أنه في الليلة التي تنحى فيها حسني مبارك عن الحكم أشرس المعارضين أو الذين يزعمون أنهم كذلك وجهوا انتقاداً حاداً لمجموعات الثوار التي قررت الانتقال لقصر الرئيس السابق لمحاصرته حتى يرحل عن الحكم ، وقيل في هذه الليلة أيضاً خطاب دغدغة المشاعر، من خلال ما تم بثه من أن الأمن القومي مهدد وأن الأساطيل الأجنبية في البحار تحاصر مصر، ويلتمس وائل قنديل هنا بعض العذر لهؤلاء الأشخاص نظراً لحالة البلبلة الارتباك وتحسس المواقف والمواقع حتى تتضح الرؤية. تملق الثورة أشار وائل قنديل للمرحلة الأخطر التي عانى منها الإعلام المصري والذي انتقل من مرحلة تملق السلطة إلى نفاق الثورة والثوار، كما استبدل البعض السلطة القديمة بالسلطة الجديدة ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رغم الإعلان والمجاهرة بالانحياز التام للثورة. ويرى قنديل أن الإعلام الجديد خذل هذه الثورة وهؤلاء الثوار في العديد من المواقف، لافتاً إلى أنه ارتكبت بعض الأخطاء التي تصل إلى الجرائم مع مجموعات من الثوار بعد خلع الرئيس مبارك، إلا أن هذه الأحداث لم يتطرق لها أحد في الإعلام، وكأن المسكوت عنه في عصر مبارك استمر مسكوتاً عنه في العصر الجديد. يقول قنديل أنه حدث انتحار مهني بعد الثورة حيث تصور صناع الإعلام الجديد أن شهية القارئ مفتوحة إلى أي شي يتم تقديمه له ، وبالتالي اختفت قيم أخلاقية المفروض كانت حاكمة قبل الثورة بقدر كبير للنشر، وصار هناك نوع من التعري المهني في اخلاقيات التوثيق والتثقيف، و دخلنا في مهرجان من الدجل الصحفي انعكس على الصحف القائمة بالفعل، وعلى ظهور - منتدى الإعلام العربي صحف جديدة في الخفاء تمارس التحريض على الفتنة الطائفية والعنف المجتمعي وأقرب إلى مليشيات صحفية. التطور المهني عادت منى الشاذلي تؤكد على أن التحدي القادم مع تغير النظام هو "التطور المهني" مشددة على ضرورة وجود نقابة للإعلاميين، وكذلك على أهمية تطوير ميثاق الشرف الصحفي. وأشار الجلاد إلى أن أي أزمات أو أخطاء تحدث في مصر الآن يتم تعليقها على الإعلام مثل الفتنة الطائفية والمد المتطرف في المجتمع فيقال أن الإعلام السبب في تهييج المجتمع، وهو ما يشبه التعامل السياسي السابق مع الإعلام، وعارضه في ذلك حمدي قنديل الذي أكد أن القمع في عهد مبارك لم يكن له حد ، أما السلطة الحالية فقد فتحت الأبواب حتى نقول ما نود أن نقوله.