العملية العسكرية الشاملة 2018 فضحت العلاقة السرية بين الدواعش وتجارة المخدرات كان لافتاً وبشدة، ما تضمنته البيانات الرابع والخامس والسادس، الصادرة عن القوات المسلحة من نتائج العملية الشاملة لمجابهة الإرهاب «سيناء 2018»، بشأن النجاح فى استهداف والقضاء على عدد من مزارع المخدرات، وإدراج ذلك ضمن أبرز نتائج تلك العملية التى بدأت فى التاسع من فبراير الجارى، وتستمر حتى هذه اللحظة، وتستهدف ضرب تنظيمات العنف المسلح فى شبه الجزيرة بشكل كامل. جاء فى البيان الرابع أنه تم «اكتشاف وتدمير 6 مزارع لنبات البانجو والخشخاش المخدر بمساحة إجمالية تقدر بنحو 20 فدانا وضبط 18 طربة من جوهرالحشيش المخدر»، ثم أعقبه البيان الخامس الذى حدث المعلومة وأضاف عليها «اكتشاف وتدمير 7 مزرعة لنبات البانجو والخشخاش المخدر وضبط أكثر من نصف طن من المواد المخدرة المعدة للتداول». بينما أعلن البيان السادس «اكتشاف وتدمير 9 مزارع لنبات البانجو والخشخاش المخدر وضبط أكثر من 7 أطنان من المواد المخدرة، وضبط سيارة محملة بأكثر من مليون و200 ألف قرص ترامادول مخدر». ما يمنح دلالات أكيدة على ارتباط عضوى بين التنظيمات الإرهابية فى سيناء، وبين زراعة المخدرات والإتجار فيها، حيث يؤكد الخبير الأمنى العميد خالد عكاشة، أن استهداف تلك المزارع تحديداً، لا يمكن اعتباره عملية تقليدية، فى إطار مواجهة زراعة المخدرات فى سيناء بشكل اعتيادى، أومن قبيل الصدفة، إذ إن ذكر ذلك فى بيانات القوات المسلحة، باعتباره أحد أهم النتائج التى حققتها العملية الشاملة للقضاء على الإرهاب فى سيناء حتى الآن، لا يعنى وبشكل قاطع إلا الربط بين الاتجار فى المواد المخدرة وبين نشاط «داعش سيناء». ويرى عكاشة، أن استهداف تلك المزارع، يأتى فى إطار»تجفيف منابع التمويل الموجودة أو المحتملة للتنظيم فى سيناء»، كما يشيرإلى احتمال «توافر معلومات على الأرض، تفيد باختباء عناصر للتنظيم داخل تلك المزارع»، ما يمثل فى كل الأحوال إشارة قوية عن ارتباط وثيق بين الإرهاب والجريمة المنظمة، فضلًا عن التحالف القائم بين التنظيمات الإرهابية فى سيناء وعصابات «التهريب» و«المخدرات»، وهى ظاهرة تم رصدها بوضوح فى ليبيا، وفى معاقل داعش والقاعدة فى سورياوالعراق أيضاً. كما يطرح ارتباط تلك المزارع بفرع داعش فى سيناء أيضاً -وفقاً لعكاشة- احتمالية نجاح التنظيم فى ضم عناصر إجرامية، ذات خبرة فى مجال زراعة المخدرات، بما يعنى أن التنظيم هو المالك لتلك المزارع بالفعل. وكان الشيخ سالم أبوغزالة رئيس المجلس الأعلى القبائل العربية والمصرية، قد قال فى تصريحات سابقة له، إن «تجارة داعش سيناء فى المواد المخدرة تتم إلى جانب الكثير من العمليات الأخرى للحصول على تمويلات وكانت تلك العمليات تتم عبر الأنفاق قديماً بشكل كبير بمساعدة بعض الخارجين عن القانون»، وأن «جهود القوات المسلحة فى القضاء على عمليات التهريب وملاحقة التنظيم أدت إلى تراجع اعتماده على تجارة المخدرات أو زراعتها» وأن «كل ما يبثه التنظيم من فيديوهات يحرق فيها مساحات مزروعة من نبات الخشخاش والبانجو، يأتى فى إطار ترويجه لتطبيق شرع الله ولتجنيد المزيد من العناصر فقط». كما تداولت مصادر إعلامية غربية خلال الأيام الماضية، معلومات تفيد بأن تنظيم «أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء»، كان يمارس الاتجار وتهريب المواد المخدرة إلى محافظات مصر وإلى قطاع غزة، إلا أن القبضة الأمنية مؤخراً على الحدود حرمته من ذلك، فلجأ إلى زراعة الخشخاش والبانجو فى الأماكن الصحراوية والكهوف التى لا يمكن الوصول إليها. أضف إلى ذلك أن زراعة التنظيم للمخدرات والإتجار فيها، كانت حيلة مبتكرة لدى التنظيم أيضاً لتجنيد العناصر الإجرامية، وإغرائهم بمبالغ طائلة بغرض الاستفادة من خبراتهم. وكانت حركة طالبان هى أول تنظيم إرهابى يجمع بين النشاط الفكرى المسلح والإتجار بالمخدرات، واعتبرت زراعة «القنب الهندى» أحد أهم مصادرالدخل لها فى أفغانستان، وذلك إلى أن دخل تنظيم داعش، على خط المنافسة، وأصبح بدوره من أقوى الجهات المنتجة للمخدرات فى العراقوسوريا. وبحسب بعض التقديرات، فقد وصلت حجم تجارة المخدرات التى كان يديرها داعش، واتخذ من مدينة نينوى على الحدود التركية مركزا لها، إلى الحد الذى أصبح معه المورد الرئيسى لحوالى نصف حصة أوروبا من الهيروين الأفغانى، حيث كان يتولى التنظيم تسويقه وتهريبه عبر الأراضى التركية وبعض الدول الإفريقية إلى الغرب، وفق فتوى «جواز بيع السم للكافر». وكما فرض تنظيم داعش الضرائب على زراعة المواد المخدرة وتجارتها وتصنيعها فى المناطق التى يسيطر عليها أيضاً، فقد أباح لمقاتليه تعاطى مقاتليه للحشيش والكوكايين. فيما اعتمد داعش أيضاً أقراص «الكبتاجون» تحديداً، كمخدر رسمى للتنظيم، واعتبره إحدى أدوات القتال المشروعة، حيث يزيد من قدرات الفرد، ويمنح المقاتلين شعوراً بالنشوة والقوة والمواجهة، فيما يساعد كذلك على استيقاظهم لعدة أيام متواصلة، ويقلل شعورهم بالجوع ويمنع شعورهم بالألم، كما يفسر وحشية هؤلاء المقاتلين فى فيديوهات القتل والحرق وجز الرءوس. وتولى «داعش» عملية تصنيع تلك الحبوب السهلة، رخيصة التكاليف، «ذاتياً» فى سوريا، عبر كيميائيى التنظيم، وشيد مصانع مخصوصة لذلك، وأصبح يقدم ال«الكبتاجون» الذى يعرف ب«مخدر الجهاديين» لعناصره قبل الدفع بهم إلى جبهات القتال وقبل تنفيذ الهجمات والعمليات الانتحارية، وهى نفس استراتيجية فرعه الأشرس فى نيجيريا «بوكو حرام» المتعلقة بالدفع بالانتحاريات الصغيرات. واستحدث التنظيم أيضاً ظاهرة تجنيد «المجرمين الصغار»، وتجار المخدرات، وأعضاء العصابات الإجرامية، داخل السجون فى أوروبا، للاستفادة من علاقاتهم وخبراتهم الضاربة فى العالم السفلى وعالم الجريمة المنظمة، لتمويل وتنفيذ عملياته فى الغرب، فأصبح هؤلاء نجوم عملياته الناجحة فى أوروبا، وبرز منهم أعضاء خليتى هجمات باريس وبروكسل، عبدالحميد أباعود وصلاح عبدالسلام، وعمر إسماعيل المصطفاوى، وحسناء بولحسن، وجميعهم من أصحاب السوابق المرتبطة بالتعاطى والإتجار فى المخدرات. ومن النوعية نفسها كان أنيس العامرى منفذ حادث الدهس فى برلين، ومن بعده زياد بن بلقاسم منفذ هجوم مطار أورلى بباريس، وأيضاً إين ديفيز تاجر المخدرات الذى تحول إلى «قاطع الرؤوس» الشهير فى فيديوهات داعش. وكما سبق وأن أثبتت التحقيقات فى إسبانيا، أن حادثة تفجير قطار مدريد عام 2004 التى راح ضحيتها 191 شخصاً، تم تمويل جزء منها من مبيعات الحشيش، فإن هناك من يشير بأصابع الاتهام إلى المخدرات أيضاً، كممول لا يستهان به فى هجمات باريس 2015وبروكسل 2016. أما تنظيم القاعدة، فكما أباح بدوره زراعة الأفيون والإتجاربه قبلاً أثناء وجوده فى أفغانستان، فإن فروعه لا تتأخر الآن فى اعتماد الإتجار فى المخدرات وتهريبها وفرض الضرائب عليها، كأحد مصادر التمويل الرئيسية. فثبت تورط جماعة «أنصارالشريعة» التونسية والمجموعات السلفية التابعة للقاعدة فى تونس، وكذلك تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، وتنظيمات القاعدة فى ليبيا، فى عمليات تهريب واسعة النطاق للمخدرات وتحديدًا الكوكايين، وذلك فضلاعن مختار بلمختار أو «مستر مارلبورو»، زعيم تنظيم «المرابطون» التابع للقاعدة وأحد أعمدة تهريب السجائر والسلاح من مالى والنيجر إلى دول الشمال الإفريقى، حيث لا يتهاون أيضاً فى فرض الضرائب على المخدرات فى مناطق نفوذه . وكان تحالف تعاون قد تم إبرامه بداية عام 2015 بين عدد من شبكات التهريب فى شمال إفريقيا، وفى دول مثل السودان والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالى وبنين، وبين فروع لتنظيم القاعدة وداعش فى المنطقة.