بالتزامن مع عمليات التصحيح الشاملة في قطاعات ومؤسسات الدولة كافة، وبالتزامن أيضًا مع تنفيذ مراحل رؤية المملكة 2030، تؤكد المملكة مجددًا عزمها على محاربة الفساد في القطاع العام، وتشدد على أهمية مكافحته أينما وجد، كما تؤكد أنها لن تتوانى مطلقًا عن ملاحقة الفاسدين في أي مكان وزمان، والإيقاع بهم، أيًا كانت مناصبهم، أو علاقاتهم أو مراكزهم القيادية في البلاد، وكأنها تبعث برسالة مفادها أنه "لا تصحيح أو تنمية أو تقدم أو ازدهار مع وجود فساد". وأصدر اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرًا ملكيًا بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، في إشارة جلية على أن المملكة بدأت عهدًا جديدًا عنوانه "الحزم على أعلى مستوى" في التعامل مع قضايا الفساد، التي تستهدف الإضرار بالصالح العام أيًا كان مصدرها أو من يقف خلفها، وهو ما دعا بعضهم للتأكيد أن الأمر الملكي قد يُسفر عن الإيقاع بشخصيات كبيرة، ربما ارتكبت جرائم فساد في حق الوطن خلال الفترة الماضية، مشيرين إلى أن الأمر الملكي لن يفرق بين "أمير" أو "وزير" أو "مسؤول" أو "مواطن عادي"، مادام أخطأ في حق نفسه وفي حق الوطن، ولم يمر وقت طويل على ذلك، إلا وشرعت الجهات المعنية تنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله– في إيقاف عددٍ من كبار المسؤولين ورجال أعمال معروفين، بتهم مختلفة، ووفقًا للمعلومات يجري إيقاف الأمير "ت . ن" بتهمة توقيع صفقات سلاح غير نظامية وصفقات في مصلحة الأرصاد والبيئة، إضافة إلى إيقاف الأمير "و . ط" في قضايا غسيل للأموال، وإيقاف الأمير "م .ع" بتهم اختلاسات وصفقات وهمية وترسية عقود على شركات تابعة له، إضافة إلى صفقات سلاح في وزارته، وإيقاف رجل الأعمال (و . ب) صاحب المجموعة التلفزيونية الأكبر عربيًا، بعدة تهم تتعلق بالفساد، كما تم إيقاف (خ، ت) رئيس الديوان الملكي السابق بتهم الفساد وأخذ الرشاوى. وفق صحيفة "سبق" رؤية 2030 ويُحسب لسمو ولي العهد في الفترة الماضية، أن اتخذ إجراءات جريئة ومباشرة، لمكافحة الفساد على مستوى المملكة في خط موازٍ لإعلان مراحل رؤية 2030، ولعل كان آخرها، توجيهات سموه في الشهر الماضي، بالقبض على رجل أعمال مشهور في مدينة الخبر، لتهربه منذ سنوات مضت من سداد ديون عليه، بمساعدة آخرين أصحاب نفوذ، مما أضر بمصالح رجال أعمال شاركوه في مشروعاته، أو بمواطنين كانوا يعملون عنده. ويقود الأمير محمد بن سلمان، باعتباره رئيس المجلس الاقتصادي، رؤية المملكة 2030، وتستهدف هذه الرؤية، التي مر على إعلانها أكثر من عام، إعادة صياغة الكثير من قطاعات الدولة، وتعتزم الرؤية في أحد أهدافها الأساسية، طي صفحة الاعتماد على النفط في المملكة، والاعتماد بدلاً من ذلك، على قطاعات اقتصادية متنوعة، تُساهم في تعزيز الدخل القومي للبلاد، وتتطلب هذه الرؤية "أولاً" وقبل كل شيء، القضاء على الفساد، وبدء صفحة جديدة مع العمل الجاد والمخلص والنزيه، من جميع أبناء الوطن، وهو ما شدد عليه الأمير محمد بن سلمان على هامش المشروعات التي يتم الإعلان عنها على هامش الرؤية، ولعل آخرها كان مشروع "نيوم"، والذي كان مثار حديث العالم من الإعلان عنه، قبل نحو أسبوعين، وحتى اليوم. وقبل نحو خمسة أشهر من الآن، شدد الأمير محمد بن سلمان على أنه لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد مهما كان منصبه، وأضاف سموه خلال لقاء تلفزيوني، أنه "لا نعتمد في قضايا الفساد على الوثائق في مواقع التواصل"، معتبرًا أنه لن ينجو متورط "وزيرًا كان أو أميرًا". ويرى ولي العهد أن متطلبات رؤية 2030 تحتاج إلى نوايا طيبة، وجهود مكثفة، واستراتيجية عمل مغايرة، لضمان نجاح أهدافها. إشادة وإطراء وحظي القرار الملكي بإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد، بالكثير من الإشادة والإطراء من نشطاء التواصل الاجتماعي، الذين رأوا أن المملكة قررت أن تسير في طريق اللاعودة، وهو طريق مكافحة الفساد، معتبرين تعيين ولي العهد على قمة هذه الهيئة، فيه رسالة واضحة، بأنه لا تهاون مع المفسدين، مهما علت مناصبهم، ومهما كان نفوذهم، وأن عيون الرقابة، ستكون لهم بالمرصاد، ليس من جهة معينة واحدة، وإنما من خمس جهات، قررت أن تتكاتف مع بعضها بعضًا لمحاربة الفساد، وملاحقة المفسدين أينما وجدوا.