كارثة كبرى تواجه الشارع المصري، ألا وهي انتشار الفتوي بدون علم، والغريب في الأمر أنه يتم إفراد مساحات إعلامية لأشخاص لا يمتلكون أدوات العلم الشرعي، ويطلقون الفتاوي تحت مسمي "شيخ سلفي"، "مفكر إسلامي"، أو "داعية"، وكل هذه المسميات ليست ذات مرجعية علمية معتمدة من الأزهر الشريف الذي هو قبلة طلاب العلم الشرعي بالعالم كله. وفي مبادرة جديدة من الأزهر الشريف لمواجهة مد التطرف والتشدد من ناحية والانحلال الأخلاقي من ناحية أخري أنشأ الأزهر الشريف مكتب للفتوي، لتلقي أسئلة المواطنين والرد عليها بشكل مباشر بمحطة مترو أنفاق رمسيس "محطة الشهداء"، علي إعتبار أنها محطة مركزية يلتقي فيها خطي المترو القديم والجديد.
وقال الشيخ علي مصطفي أحد أعضاء لجنة الفتوي بمترو الأنفاق أن صاحب اقتراح الخروج بالفتوى من رحاب المسجد الأزهر الشريف إلي الناس في أماكن التواجد العامة، هما الشيخ سيد توفيق مدير الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، والشيخ شريف أبو حطب الواعظ بمنطقة القاهرة.
وأوضح الشيخ علي مصطفي العضو بلجنة الفتوى ل"الفجر"، أن الأمر لم يكن من المقرر أن يكون هناك مقرًا للفتوي بمترو الأنفاق، وكان مطلب الدعاة بالأزهر الشريف هو منح الفرصة لهم للتواصل مع جموع المواطنين بالأماكن العامة، مثل مترو الأنفاق وغيرها، وأضاف أنه بعد التواجد في مترو الأنفاق من قبل الدعاة وإقبال الناس عليهم وبعد أخذ الأراء تم الإتفاق علي عمل مقر للفتوي بمحطة مترو أنفاق الشهداء للتواصل مع الجماهير بشكل دائم ومباشر.
وعن الإقبال قال الشيخ شريف أبو حطب أن لجنة الفتوي بدأت عملها بمترو الأنفاق منذ أسبوع مضي وأن نسب الإقبال من المواطنين متزايدة حيث يترواح عدد المستفتين في الفترة الواحدة من 50 إلي 70 شخص، والمكتب يعمل علي فترتين من 9 – 2 صباحًا، ومن 2 – 8 م، أي بما يتراوح من 100 إلي 140 فتوي في اليوم الواحد.
وعن أنواع الأسئلة التي تتلقاها اللجنة قال الشيخ أحمد رمزي عضو اللجنة والواعظ بالأزهر الشريف يقول أنها متعددة للغاية فهي بين أسئلة في الأمور الزوجية طلاق وزواج وخلافه، وبين أمور البيع والشراء والقروض وزكاة المال وباقي الأمور الإقتصادية علي تنوعها، وما بين الأمور الشخصية بين الآباء والأبناء والأمور التعبدية، والعلاقات بالجيران والأقارب والمواريث وغيرها من المسائل الحياتية المتعددة التي يكون للإسلام رأي وتشريع فيها. كيفية الفتوي؟ وهنا أوضح الشيخ علي مصطفى، أن اللجنة تحرص علي سرية بيانات المستفتي وتتأكد من شخصيته ومن منطقة معيشته ومن الظروف المحيطة به ومن ظروفه الإجتماعية والحياتية، ثم تتلقى السؤال، ثم يكون الرد، وفي حالة احتياج وجود طرف آخر وخصيصًا في المشكلات الزوجية يتم إستدعائها أو عدم قول الحكم إلا في حضورها.
وقال الشيخ شريف أبو الحطب، إن المسألة ليست قول الحكم وفقط بل يكون هناك استماع للمشكلة ورصدها ومشاركة في حلها قبل قول الحكم الشرعي، بل هناك حالات لا يكون فيها حكم شرعي وفقط بل يكون هناك مشاركة بالحل بين الأطراف علي أسس الشرع والعرف. وعن أهمية هذه الخطوة قال الشخ أحمد رمزي، إن المتطرفين والإرهابيين والغير ملتزمين بالأخلاق والدين لن نجدهم في الجوامع أو المساجد، وإنما هؤلاء الشباب أو المواطنين نجدهم علي المقاهي أوفي الطرقات العامة، نخرج إليهم ونعرض عليهم صحيح الدين القائم علي الوسطية والذي يحض علي السماحة والإجتهاد والعلم والعمل.
وأضاف الشيخ شريف أبو حطب، أن هناك في كل محافظة وفي كل مركز لجنة فتوي تابعة لمجمع البحوث الإسلامية، وعلي المواطنين أن يتوجهوا إليها ويأخذوا صحيح الدين منها، ولا يعتمدوا علي فتاوي الشاشات التي تكن في الغالب مفتقدة لأهم شروط الفتوي وهي رصد ظروف المستفتي الحياتية والمعيشية، وتشارك لجان الفتوي أيضًا بحل المشكلات بين المواطنين التي قد تنشأ في مجتمعات الصعيد أو القري البعيدة عن المدن. وقال الشيخ شريف أبو حطب، إن لجنة الفتوي تابعة لمجمع البحوث الإسلامية وكل أعضاء اللجنة هم أعضاء بمجمع البحوث الإسلامية الذي يتبع الأزهر الشريف وهو جهاز دعوي منفصل إداريًا تمامًأ عن وزارة الأوقاف، مما يتيح لها حق إصدار الفتوي، والتي وصفها بشهادة الحق، وأضاف أن كل مناطق الوعظ تابعة لمجمع البحوث الإسلامية، والذين يتلخص عملهم في إلقاء المحاضرات والدروس والإجابة علي أسئلة المواطنين في أمور دينهم ودنياهم، وذلك بالمساجد، ومراكز الشباب، وبالمقاهي، وأخيرًأ بالمترو وذلك كي نقترب من المواطن ونسهل عليه الوصول للعالم.
وأوضح أنه لم يعد من الضروري، على المواطن أن يتكبد مشقة الوصول لدار الإفتاء فقد جئنا بدار الإفتاء لأماكن التجمع العامة تسهيلًا علي المواطن وذلك علي حسب وصفه.
وأضاف أن الأزهر الشريف أعاد الأروقة وشيوخ العامود، والعلماء يتواجدوا بأروقة الأزهر يوميًا حتي السابعة مساء، ولكن الإعلام لا يسلط الضوء علي هذا الدور الذي تقوم به لجنة الوعظ بمجمع البحوث الإسلامية على حد قوله. وشدد "أبو حطب"، على أن بالأزهر الشريف لجنة لفض المنازعات وهي تشبه الجلسات العرفية التي تحل المشكلات بين المواطنين بأحكام الشرع والعرف معًا.
وشدد على أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الأزهر الشريف إلي الشارع المصري حيث أن الأزهر ينظم ما يسمي بمنتدي المقهي الثقافي وفيه يقوم الدعاة بالتواجد علي المقاهي الشعبية والإلتقاء بالشباب والرد علي أسئلتهم وإستفساراتهم.
فائدة وجود العلماء بين المواطنين قال الشيخ علي مصطفي عضو اللجنة، إن فائدة وجود العلماء بين المواطنين أنهم يلمسون حالتهم، ويستطيعون إسقاط الحكم الشرعي علي الواقع وتقدير حالة المستفتي، وتصحيح الفتاوي المغلوطة التي تنطلق من بعض المنابر الغير مؤهلة للفتوي.
أبرز فتاوي اليوم يقول الشيخ أحمد رمزي عضو اللجنة أن أبرز الأسئلة التي جاءته اليوم كان من أحد الشباب الذي جاء سائلًا عن حكم مشاركته لمسيحي في عمل اقتصادي، وقد أجابه الشيخ أنه لا يوجد أي مانع شرعي من التعامل مع الإخوة المسيحين، فإذا كان الإسلام قد أجاز الزواج منهم فهل سيحرم التعامل معهم إقتصاديًا، ويقول أنه أثني علي الشاب وشجعه أن يشارك جاره المسيحي، ويستعين كل منهما بالآخر علي مصاعب الحياة الإقتصادية.
الفتوي الأخري كانت مشكلة زوجية وقد حضر الزوج والزوجة وعرضا المشكلة، والملاحظ هنا أن الشيخين طلبا في البداية تحقيق الشخصية لكل منهما، وتأكدا من منطقة معيشتهما، ثم كانت هناك عدة أسئلة حول الظروف الحياتية لهما، ثم قام كل من الزوج والزوجة برواية ما حدث وأبعاد الأمر كاملًا، وتحولت الجلسة من جلسة فتوي إلي جلسة إصلاح بينهما، وتوصيات للزوج بحسن العشرة والمعاملة، وتوصيات للزوجة بحسن المعاملة.
وتعليقًا على هذه المشكلة نوه الشيخ شريف أبو حطب، إلى أن المسألة ليست مجرد إبداء حكم شرعي أو رأي وإنما هي أمور حياتية تحتاج إلي الهدوء والحكمة وإبداء النصح، ومحاولة الإصلاح.
وعن هذه الفتوي قال الشيخ علي مصطفي، إن الزوج والزوجة هم إخوة لنا نهتم أن تستمر العشرة والحياة بينهما علي خير ما يكون، لرعاية ابنتهما ولكي تنشأ هذه الإبنة في جو صالح. آراء المواطنين قال كريم أحد الأزواج أنه كان مترددًا في القدوم إلي لجنة الفتوي بالمترو بسبب حملة السخرية علي الفيس بوك، التي أطلقت علي اللجنة اسم "كشك الفتوي" ولكن بعد القدوم والجلوس مع من أسماهم بعلماء اللجنة قال أنه خرج هو وزوجته بالرأي الشرعي الصحيح وبحل لمشكلتهما، وقد أوصاه العلماء حسب وصفه بالوصايا اللازم اتباعها لإسعاد زوجته، وكذلك حرصا علي إيصاء الزوجة بكيفية الإحسان لزوجها.
أما ياسر أحمد، وهو أحد الشباب الذين جاؤا للإستفسار عن أحد الأمور الشرعية الإقتصادية قال أنه لم يتوقع هذا الإستقبال أو هذا التواجد، حيث أنه وجد ثلاث مشايخ وإنفرد به أحدهم للإستماع إلي سؤاله، والرد عليه، ويقول أنه أعطاه رأيًأ بالفعل كان فيه الحل ويتماشي مع الظروف المحيطة به.
وقال أحمد متولي وهو أب لولد وبنت إنه جاء للإستفسار عن موقف أولاده من بعض الأمور الدينية ولأن المسألة لها طرف آخر طلب منه الوعاظ علي حسب قوله حضور أحد الأولاد للمزيد من الإستفسار ولكي لا يختلط عليهم الأمر، ولكي يكون النصح مباشرًا.
أكثر من ثلاث ساعات قضاها الفجر اليوم الخميس في لجنة فتوي المترو وشاهدنا في هذا الساعات ما يقرب من 20 أو 30 مواطن قدموا للإستفتاء ما بين سؤال بسيط للغاية متعلق بركن من أركان الصلاة، أوكيفية إخراج الزكاة، وما بين مشكلات ميراث وشراكة، وجيرة، وزواج، وطلاق.
خدمة تقدها لجنة الوعظ والإفتاء بمجمع البحوث الإسلامية يتمني الجميع أن تكون ضوءًا علي الدين الصحيح وطريقًا للفتيا السليمة، والوعظ والنصح بشروط الشرع الحنيف.