منزلها مليء بالضجيج، فقد حضر الأبناء الخمسة وزوجات وأبناء من لديه تزوج منهم، الجميع يحتفل بالسيدة التي سخرت حياتها من أجل تحقيق أمنية زوجها قبل رحيله. هنا يجلس الابن الأصغر الضابط ابراهيم، وعلى المقعد الاخر تجلس أماني الطبيبة في معهد الأورام، وهنا يقف أحمد، المحاسب في بنك القاهرة يحمل ابنته يجده بين يديه، وينبه على أبنه محمد أن يكف عن الضجيج، أما اسلام وأميمة فكانا في استقبال المهنئين. أنه منزل المهندسة نعمة سيد يوسف شاهين، صاحبة ال 51 ربيعا، في قرية بني مر بمركز الفتح والتي تم اختيارها الام المثالية في أسيوط لهذا العام، وسافرت اليوم الى القاهرة لتكرم من الوزيرة، وهولاء هم أبنائها الخمسة الذين تركهم لها زوجها بعد 10 سنوات من زواجهما، وحملها مسؤولية تحقيق أمنيته أن يكون بينهم الضابط والمهندس والطبيب. قالت نعمة في بداية حديثها إنها لا تستطيع أن تصف شعورها فقد اختلطت مشاعر الفرحة بمشاعر الحزن، فاليوم أنا حققت حلم زوجي ونجحت أن يكون بين أبنائنا الضابط والطبيب والمحاسب، لكن ينقصنا أن يشاركنا هو فرحتنا.
وأضافت نعمة أنا فوجئت باتصال تليفوني منذ 3 أيام من مدام رحمة من مديرية الشؤون الاجتماعية في أسيوط، تخبرني بأنه تم اختياري أم مثالية عن محافظة أسيوط، كان الخبر مفاجئة بالنسبة لي شعرت بالفرحة العارمة، وأبلغت كل ابنائي، وكان الغريب أني لم اقدم أوراق ترشيحي، وبدأنا نبحث عن من فعلها فوجدنا أنها أمل صديقة أختي، في كانت تشجعني دائما وتشاركني فرحة نجاح أبنائي، وحصلت أمل على بعض الأوراق مني في السابق بحجة استخراج بطاقات، وحين سألتها قالت أحببت اذا تم اختيارك أن تكون مفاجئة سعيدة للجميع وخشيت أن لا يتم اختياري. بدأت نعمة في الحديث عن حياتها وأول من ذكرت كان محمد عبد المعتمد زوجها المحاسب في بنك القاهرة، قالت نعمة أن كل رجال العالم لا تساوي زوجي، فهو أقرب لي من روحي، فقد كان الاين والأخ والزوج والابن، لكنه رحل وترك لي مسؤولية 5 أبناء والحمد لله أني حققت أمنيته فيهم. وقالت لم يفوتني أن يشاركني زوجي الفرحة فذهبت الى قبره وأخبرته أني حصلت على لقب الام المثالية وسألته ان كان راضيا بما وصل اليه أبنائه وان كان سعيد لأن ما أوصاني به منذ 22 عام قبل رحيله وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة على فراش الموت قد تحقق . وتابعت أنا تخرجت من كلية الزراعة بتقدير جيد، عام 1985، وبعد بشهرين تزوجت محمد، قضيت معه أجمل 10 سنوات في حياتي، أنجبت خلالها 4 أبناء "أحمد، أماني، أميمة، إسلام، إبراهيم"، كنت أعمل موظفة مؤقتة في الادارة الزراعية، وزوجي محاسب في بنك القاهرة، وكانت حياتنا كريمة فراتبه وراتبي كان يكفي متطلباتنا ومصروفات أبنائنا فقد أنجبت منه 3 أولاد وبنتان، وكانت حياتنا الزوجية سعيدة ومريحة ودخل الثلاث أبناء الأكبر مدارس خاصة فكان يحلم زوجي محمد أن يحصلوا على مناصب مرموقة اما الاثنين الآخرين فكانا صغيرين، وبعد 5 سنوات من الزواج، مرض زوجي محمد، وأصيب بحصوات في الكلى، وخلال ال 5 سنوات الأخيرة من الزواج أجرى عدة عمليات تفتيت للحصوات، لكنها كانت تجدد كل عام، وأضطر زوجي أن يأخذ قرض 43 ألف جنيه حتى يتمكن من اجراء التفتيت بعدها قرر أن يجري جراحة بعد أن زادت الآمه وزادت المصروفات علينا، وقام الطبيب في عيادة خاصة بتحويلنا الى القسم الخاص في المستشفى ومكث فيها 4 أيام وبسبب إهمال الأطباء تدهورت حالته الصحية، وتوفى قبل اجراء العملية، وكان ابراهيم أصغر أبنائي عمره 10 أيام، ورغم أني كنت في تعب الولادة الا اني لم أترك زوجي لحظة واحدة، ويوم وفاته من شدة الصدمة تركت ابني ابراهيم على احد الاسرة في المستشفى، ولم أكن في وعيي بعدها لم أجده وأخذت ابحث عنه وانا منهارة في الدموع، لكن الحمد لله قد أخذته احدى الممرضات لديها بسبب حالتي السيئة ثم إعادته لي. وأضافت "نعمة" أن زوجها توفي تاركاً لها أطفالها أصغرهم إبراهيم كان يبلغ من العمر 10 أيام، حينها شعرت بألم شديد لإرتباطي الشديد بزوجي وبدأت معاناة تحمل مسئولية تربية أطفال في ظل عملي بوظيفة مؤقته أتقاضي منها 100 جنيهاً وحصولي علي 400 جنيه نصف معاش زوجي لعدم إكتمال خدمة في الوظيفة. قررت حينها أن أعكف علي تربية أبنائي حتي أحقق حلم زوجي في أن يري أبنائه في مناصب مرموقة، مشيرة أن أطفالي كانوا بمدارس خاصة ونظراً لقلة الدخل قمت بنقلهم إلي مدارس حكومية، وكنت اذاكر لهم دروسهم بنفسي حتى المرحلة الإعدادية، لتوفير مصروفات الدروس الخصوصية. وتابعت أصيبت بعدها بأربع سنوات بورم في الرحم وأجريت عدة عمليات جراحية وكنت أخرج من العمليات الجراحية اذاكر لأبنائي وسط غضب من أهلي خوفاً علي حياتي ولكن كان إهتمامي مستقبل أبنائي حتي تخرج أحمد من كلية التجارة وإلتحق بالعمل كمحاسب ببنك القاهرة وتزوج ولديه طفلين "محمد – سجدة" وتخرجت أماني من كلية الطب وتعمل معيدة بمعهد جنوب مصر للأورام وتزوجت ولديها طفلتين "حنين – خديجة" فيما تخرج ابراهيم الابن الأصغر ضابطا من الكلية الحربية، وتخرج إسلام من كلية التجارة وتخرجت أميمة من كلية الاعلام وتزوجت ولديها مصطفى. وبذلك أكون قد حققت أمنية زوجي فقد وفقت أن يكون بين أبنائه الضابط والدكتور والمهندس، فالحمد لله الذي وهبني القوة من أجلهم. وأوضحت نعمة إن أصعب لحظات عمري كانت لحظة فراق زوجي ولحظات المرض التي مررت بها وأثناء مراحل التعليم الثانوية نظراً لخوفي علي مستقبل أبنائي. وعن لحظات السعادة قالت إن عقب وفاة زوجي لم أشعر بالسعادة بعد أن إنشق قلبي بوفاة زوجي ولكن ما كان يريح قلبي سعادتي بتفوق أبنائي وتقلدهم مناصب مرموقة. واستكملت كل يوم زفاف من أولادي كنت اذهب لقبر زوجي واخبره بمن سيتزوج اليوم وبمن وكيف اعددنا للزواج، وكنت في ليلية العرس أبكي فرحا بأولادي، وحزنا على عدم وجوده جانبنا. وأضافت نعمة والدي ووالدتي كانا يقدمان العون لي دائماً سواء دعم مالي أو معنوي في جميع مراحل حياتي وتكفل والدي بمصروفات السنة الاولى لابني ابراهيم في الكلية الحربية، وتابعت كان والدي يقدم الهدايا لأماني في كل امتحان تحصل فيه على تقدير امتياز وكنت أزرع في ابنائي أن رغبة والدهم أن يكون بينهم الضابط والطبيب والمهندس وأن يكونوا جميعا في مناصب مرموقة، كما كانت شقيقاتي وعمات الأولاد دائما بجوارنا وقالت نعمة: أنا وشقيقاتي 7 بنات دون اخ ولد ووالدنا، كان مدير مدرسة، وأصر أن نحصل جميعاً على مؤهلات عليا ولم يشعرنا يوماً رغم انه رجل صعيدي أنه بحاجة الى والد وزرع فينا المبادئ والمثابرة.