حصلت "الفجر" علي التفاصيل الكامل للمبدأ القضائي التي أرسته المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة، بشأن وجوب تعويض الدولة للمواطنين حال غرق المنازل والأراضى الزراعية نتيجة ارتفاع منسوب المياه أو السيول ودون أن تتخذ الدولة الدولة أية اجراءات وقائية لحماية اموال وارواح المواطنين , واكدت على أن الدولة ملزمة بتطهير مساقى الرى والصرف بصفة دورية ومعالجة الظواهر الكارثية الجماعية. وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين احمد الشاذلى والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحمود ابو الدهب ومبرك على نواب رئيس المجلس بتعويض أحد المواطنين عن غرق المحصول الزراعى بأرضه نتيجة ارتفاع منسوب المياه فى المصرف العمومى وثبوت تعرض محصول الأرز الخاص به للغرق.
قالت المحكمة أن المشرع وضع على عاتق الجهة الإدارية المسئولة عن مرفق الرى والصرف التزاماً عاماً بتطهير مساقى الرى والصرف بصفة دورية وإزالة ما يعترض سير المياه بها من عوائق أو عوارض وصيانتها وترميم جسورها والمحافظة عليها من الإنهيار على النحو الذى تطلبه المشرع الذى ناط بها تطهير وصيانة المصارف الحقلية الخاصة إذا لم يقم الزراع بذلك بأنفسهم , فإن لم تقم بذلك أو أهملت فى القيام بذلك كان ذلك بمثابة خطأ فى جانبها يصلح بذاته لمن مسه ضر اللجوء لطريق التقاضي.
وأضافت المحكمة أن العديد من الاراضى الزراعية تعرضت بمنطقة غرب النوبارية للغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه الصرف بالمصرف رقم 6 المسمى بمصرف النصر القادم من مصرف غرب النوبارية فتقدم المطعون ضده الذى يملك ثلاثة أفدنة ونصف من الأرض الزراعية و غيره من المزارعين بشكوى إلي الجهة الإدارية المسئولة عن الصرف بإرتفاع منسوب المياه في المصرف المذكور مما يهدد بانهيار جسر المصرف و غرق المزروعات , إلا أن الجهة الادارية لم تحرك ساكناً حتي غرقت تلك الأراضي بفعل اندفاع المياه من المصرف ونتيجة انهيار الجسر مما ترتب عليه غرق مايقرب من مائة فدان من الأراضى الزراعية بمنطقة ثروت التابعة لمركز ابو المطامير و ثبوت تعرض محصول الأرز الخاص بالمطعون ضده للغرق , وقامت الادارة بمنح التعويضات للمزارعين دون المطعون ضده , وانها لم تتخذ الاجراءات التى ناط القانون بها فى الوقت المناسب لخفض هذا المنسوب المرتفع , وعلى الرغم من علم ودراية تلك الجهة بإرتفاع منسوب المياه بهذه المصارف بناءً على الشكاوى من أهالى المنطقة من المزارعين ومن بينهم المطعون ضده إلا انها لم تتحرك ساكناً ولم تتخذ ثمة إجراء إلا بعد أن وقعت الواقعة فليس لوقعتها كاذبة , وحلت المشأمة على المزارعين ومنهم المطعون ضده , مما يتكون معه ركن الخطأ فى جانب الجهة الادارية الطاعنة .
وذكرت المحكمة أن المطعون ضده اُصيب بالعديد من الأضرار المادية تمثلت في ضياع المحاصيل الزراعية التي كان يعول عليها في رفع مستوي معيشته و أسرته و كذلك ضياع ما تم صرفه علي تلك المحاصيل من مبالغ مالية و مجهوداته و كذلك ما أصابه من أضرار أدبية تمثلت فيما لحق به وأسرته من ألام نفسية وحسرة وأسى على ضياع نتيجة مجهودهم طوال العام و هو يرى زراعاته تغرق أمام عينيه دون أن يملك لها دفعاً .
واستطردت المحكمة أنه لا عبرة بما تذرعت به الجهة الإدارية الطاعنة بأن المادة السادسة من القانون رقم 12 لسنة 1984 بشأن الري و الصرف المشار إليه نصت على أنه : " لا مسئولية على الدولة عما يحدث من ضرر للأراضى أو المنشآت الواقعة فى مجرى النيل أو مساطيحه أو مجرى ترعة عامة أو مصرف عام إذا تغير منسوب المياه بسبب ما تقتضيه أعمال الرى والصرف أو موازنتها أو بسبب طارىء " , فذلك مردود عليه بأن نطاق الإعفاء قاصر على الأضرار التى تحدث للأراضى الواقعة بين جسور النيل والمصارف العامة وكذلك الأراضى الواقعة على الجانبين إذا كان الغرق بسبب ما تقتضيه أعمال الرى والصرف الفنية أو بسبب طارئ , وما من ريب أن القوة القاهرة la force majeure هي صورة من صور السبب الأجنبي الذي ينفي علاقة السببية بين الفعل المرتكب وبين الضرر الذى لحق بالمضرور وهي كل حادث خارجي عن الشيء لايمكن للشخص توقعه ولا يمكن له دفعه , وفضلاً عن ذلك فإن اللفظ الذى استخدمه المشرع وهو " بسبب طارئ " أقرب إلى الحادث الفجائى منه إلى القوة القاهرة , ولا يخفى على هذه المحكمة التفرقة بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ التى تقوم على صفة الحادث, فإذا كان الحادث خارجياً ولا يمكن توقعه ولا دفعه فهو قوة قاهرة ، أما إذا كان داخلياً بالنسبة للشيء ويستحيل دفعه فهو حادث مفاجئ .
وأوضحت المحكمة أهمية التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ في حالة المسئولية القائمة على أساس الضرر، ففي مثل هذه الحالة تعفي القوة القاهرة وحدها من المسئولية , أما الحادث المفاجئ فلا ينفي علاقة السببية بين الفعل والضرر، ومن ثم لا يعفي من المسئولية. وكلا الأمرين غير متحقق فى الطعن الماثل , إذ أن الأضرار التى أصابت المطعون ضده لم تكن بسبب ما تقتضيه أعمال الرى والصرف أو موازنتها أو بسبب طارىء أو قوة قاهرة وإنما كانت وليدة خطأ وإهمال المتخصصين بوزارة الرى, كما أن واقعة غرق الأراضى الزراعية فى ذات المناطق قد تكرر وهذا الخطأ يثبت إهمال الجهة الإدارية الطاعنة وعدم استنهاض همتها للقيام بإلتزاماتها القانونية , ولما كان تقرير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر قوة قاهرة هو تقدير موضوعى تملكه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة وهو ما راعاه الحكم المطعون فيه بإعتبار واقعة غرق الأراضى الزراعية وليدة خطأ الإدارة وليس بسبب قوة قاهرة او سبب طارئ , فمن ثم يكون قول الإدارة الطاعنة فى هذا النطاق متهادماً وبنيانه متداعياً ورباطه متأكلاً يكاد أن يندثر فيضحى هشيماً وحسيراً .
واختتمت المحكمة أنه لا يفوتها أن تشير بصدد ظاهرة غرق المنازل والأراضى الزراعية – على نحو ما كشف عنه الطعن الماثل - أو لأى سبب من الأسباب الناجمة عن السيول أن تستنهض همة المسئولين بالدولة حفاظاً على المواطنين فى حياتهم وأموالهم وعليهم التسلخ من البيروقراطية الاَثمة التى لا تأبه بنذر الخطر إلا بعد أن تغدو كارثة واقعة ولا تتحرك من مقاعد الإدارة الوتيرة إلا بعد أن يكون الخيط قد أفلت وصار تدارك الأمر فى حكم المستحيل وإن ذلك ليدعو هذه المحكمة إلى أن تهيب بهؤلاء المسئولين فى كل موقع التسلح بقواعد المسئولية وأن يجد كل منهم فى ضميره وازعاً لأن يتحرك فى يقظة لتحقيق الوقاية الواجبة قبل وقوع الكارثة , وأن يقيم صلة دائمة بقيادته تمكنه من أن يرفع إليها مالا يمكٌنه موقعه الوظيفى من اَدائه بحيث لا تنفصل القيادات عن نفسها ولتكون القيادة فى أعلى مستوياتها فى سلم السلطة التنفيذية والتى تملك القدرة الفعالة لوأد الكوارث فى مهدها حينما تكون فى الصورة الكاملة التى تمكنها من حماية أرواح وممتلكات المواطنين خاصة البسطاء منهم من تلك الظواهر الكارثية الجماعية لتكون هى الأخرى مسئولة عن ذلك لا صغار الموظفين فحسب وإلا فسوف تكون شريكة معهم فى تحمل تبعات تلك المسئولية .