"الشغف يجمعنا".. هكذا انتهى في 2009 تقديم ملف الترشح الأولمبي لمدينة ريو دي جانيرو لاستضافة الدورة في 2016. كانت البرازيل حينها بمثابة "الموضة السائدة" وتستمتع ببزوغها الاقتصادي، ولكن النظرة السائدة عنها الآن تتمثل في كونها عملاق يترنح بسبب الأزمة التي تضربها حاليا ولم يسبق لها مثيل.
بذل رئيس البرازيل السابق، لولا دا سيلفا كل ما لديه من جهد لكي تصبح بلاده أول دولة في أمريكا الجنوبية تتمكن من تنظيم الدورة، حيث قال حينها إن "الأولمبياد ستكون من أجل أمريكا الجنوبية كلها".
كانت حكومة لولا دا سيلفا تتباهى في ذلك الوقت بأنها ستكون خامس اقتصاد على مستوى العالم وقت اقامة الدورة، وبأن هذا الأمر سيلعب دورا في تحجيم بعض العوامل التي قد تؤثر على صورة الحدث مثل الوضع الأمني وظاهرة العنف.
بعدها بعام شهد الاقتصاد المحلي نموا بنسبة 7.5 في المئة وتحولت البرازيل إلى ما هو أشبه بالقاطرة التي تجر اقتصاد أمريكا الجنوبية، لذا فإن تخيل مرور البلد اللاتيني بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية قوية حينها قبل 100 يوم تقريبا على انطلاق الدورة، كان مستبعدا للغاية.
تبدلت الأحوال كثيرا، فدا سيلفا، أكثر الرؤساء البرازيليين شعبية وحضورا على مدى العقود الماضية، يحاول في الوقت الحالي الخروج من أزمة قضائية يواجه فيها تهما بالفساد، فيما أن خليفته وتلميذته السياسية ديلما روسيف الرئيسة الحالية للبرازيل تواجه خطر الاقالة.
لا يتوقف الأمر على هذا فقط، بل إن نائب روسيف، ميشيل تامر والذي يُعتقد أنه المحرك الرئيسي وراء بدء التدابير الساعية لاقالتها في مجلس النواب والتي أحيلت لاحقا لمجلس الشيوخ، يواجه الأخر خطر الخضوع لمحاكمة سياسية.
ولكي تكتمل الصور الغريبة، فإن ما يقرب من نصف البرلمان الذي وضع روسيف على حافة الهاوية، يواجه قضايا عالقة أمام العدالة ترتبط أغلبها بفضيحة الفساد في شركة (بتروبراس)، الأمر الذي أثار غضب وحفيظة المجتمع.
وفي خلفية كل هذه النزاعات السياسية القضائية، تظهر الأزمة الاقتصادية الناجمة عن التراجع الدولي في أسعار النفط، وهو ما تسبب في ركود الاقتصاد البرازيلي عام 2014 وتراجعه بنسبة 3.8 في المئة في 2015، وذلك في أكبر هبوط منذ ربع قرن.
وخلال العام الأخير، زادت البطالة بنسبة 40 في المئة لتؤثر على ما يقارب من 10 ملايين مواطن، بل وأن التوقعات ليست مشجعة للغاية خلال الشهور المقبلة: تراجع الاقتصاد بنسبة 3 في المئة وتضخم يقترب من 8 في المئة.
هذه البيانات أجبرت بكل تأكيد على اتخاذ تدابير تقشف حادة، أدت بدورها لافلاس عدد من الادارات الحكومية، مثل ادارة ريو دي جانيرو، التي اضطرت لتأجيل دفع رواتب موظفيها الحكوميين، بما فيهم الشرطة.
إذا لم يكن كل هذا كافيا، فوسط هذا الزلزال السياسي والاقتصادي، تحاول مستويات الحكم المختلفة، على الأصعدة الفيدرالية والمحلية والولايات، الابقاء على معركتها ضد العنف والاهتزاز الأمني، الأمر الذي يتطلب مصادر مالية تقدر بالملايين.
وفي 2009 أدانت منظمات مدنية وقوع سبعة آلاف حالة قتل في ولاية ريو دي جانيرو، التي يقطنها 15 مليون شخص، حيث وقعت أغلبها في عاصمة الولاية التي تحمل نفس الإسم.
خلال العام الماضي أبدت السلطات سعادتها لأن مدينة ريو التي يقطنها ستة ملايين نسمة شهدت ألف و200 واقعة قتل، وذلك دون حسبان حالات الوفيات في عمليات السطو أو على أيدي الشرطة.
على الرغم من أن هذا الرقم مرعب، إلا أنه أقل بشكل كبير من متوسط الأربعة آلاف حالة قتل الذي سجل منذ عقد، ولكن لا شيء من هذا يعني أن العنف توقف نهائيا، ومثال على هذا وفاة شابة أرجنتينية في شاطىء كوباكابانا بواقعة سطو خلال فبراير/شباط الماضي، بجانب اصابة ثلاثة أشخاص هذا الشهر بالرصاص في عملية سطو على متجر بإيبانيما.
بجانب كل هذا توجد حالة خوف من زيادة مستويات العنف في مدن الصفيح، بسبب تراخي في الرقابة الشرطية، من ناحية نتيجة لعدم تلقيهم رواتبهم بسبب الأزمة، وتخفيض ساعات عملهم من جانب أخر.
ووصل التقشف أيضا لتنظيم الدورة، حيث أن اللجنة الأولمبية البرازيلية تحاول تقليل التكاليف، فيما أن عمدة ريو ادواردو يتباهى بأن جانب كبير من الأعمال المرتبطة بالأولمبياد نفذ بأيادي الشركات الخاصة.
ولكي تزداد الصورة العامة غرابة، فإن عدد كبير من هذه الشركات تواجه قضايا في المحاكم بسبب وجود روابط بينها والفساد في شركة (بتروبراس).
من ضمن النقاط الأخرى التي يجب الاشارة إليها، هو انه حينما فازت ريو بتنظيم الدورة، لم يكن أحد ليتخيل أن المدينة ستدخل في قائمة الأهداف المحتملة للارهاب، حيث اعترفت السلطات البرازيلية بأن التهديد قائم، الأمر الذي دفع الجيش للتأهب وتنفيذ مناورات لمكافحة الأرهاب لحماية 10 آلاف رياضي من 200 دولة للمنافسة في 28 رياضة مختلفة بالدورة.
الأمر أشبه ب"عاصفة مثالية" من الممكن أن تطيح بكل شيء، ولكن الرئيسة روسيف لا تزال تصر على أنه "لا شيء سيمنع البرازيل من تقديم أفضل دورة ألعاب أولمبية في التاريخ"، ولكن المشكلة أنه حينما يبدأ الأولمبياد في الخامس من أغسطس/آب، فإن روسيف من الممكن أن تكون أقيلت من منصبها، اذا ما اتخذ مجلس الشيوخ هذا القرار.