يبدو أن ثمة بصيص أمل سوف يتسلل إلى قلوبنا أخيراً ، فبعد أحكام الحبس المتتالية على المفكرين والمبدعين والإلقاء بأصحاب الرأي خلف السجون، جبر خاطرنا اليوم خبر الحكم بالحبس على الإعلامية "ريهام سعيد" على خلفية قضية "سمية" فتاة المول الشهيرة. ورغم ما إعتصرنا من ألم لما شهدناه من إنكسار وخوف في عيون الفتاة الصغيرة"سمية"، إلا أننا الآن نستطيع أن نرفع أعيننا في أعينها لنعبر لها أن في هذه البلد قوة تدعى قوة القانون يجب أن تنتصر للمظلوم وصاحب الحق في النهاية ولو بعد حين. أتذكر عندما توجهت وأعضاء من حملتي للتضامن مع سمية من أمام مول الحرية الذي شهد تعرضها للتحرش اللفظي والضرب، أتذكر براءة ضحكتها عندما إرتدت الفستان الذي إهداه لها أعضاء الحملة تعبيراً رقيقاً عن دعمهم لقضيتها، أتذكر كيف كان شباب المنطقة يهللون ويعترضون على تواجدنا ثم إنضموا إلينا بعدما تحدثنا معهم وأقنعناهم بتعرض سمية للظلم والتشهير، أذكر أيضاً كيف حاول بعض معارف الشاب الذي إعتدى عليها إفساد مهمتنا وإبلاغ الجهات الأمنية أننا نظمنا وقفة إحتجاجية بدون ترخيص، مما إستدعى رجال الشرطة للمكان وعندما شرحنا لهم موقفنا رحبوا بنا ولم يتعرضوا لنا مطلقاً وساعدونا في أن ننهي مهمتنا في سلام.
ورغم الإهتمام الإعلامي المبالغ فيه الذي حظيت به سمية خلال تفجير قضيتها التي أدت إلى وقف برنامج"صبايا الخير" الذي ما حمل للصبية إلا كل شر ، إلا أنه للأسف وكعادة غالبية وسائل الإعلام لايهتمون إلا بالقضايا الساخنة، فقد عانت سمية من حجب الأضواء والإهتمام عنها وتم تسليمها كفريسة للقضايا والمكائد التي أعدت لها من خصومها لإجبارها على التنازل عن الدعوة، ولمست في خلال مكالماتي الهاتفية معها حنقها وضيقها ممن كانوا يلهثون ورائها لتسجيل الحلقات والحوارات ويتهربون منها اليوم ويترفعون عن مساعدتها ودعمها ، كما علمت منها تخلي معظم المحاميين راغبي الشهرة عنها بعدما إنحسرت عنها الأضواء، وهكذا وجدت سمية نفسها وحيدة في مواجهة خصمين لدودين في عمرها الصغير هذا، لتدفع فاتورة مطالبتها بحقها ووقوفها في وجه المتحرش وإصرارها على مجازاته بالقانون من سمعتها وكرامتها وراحتها وإستقرارها. واليوم أجد هذا الحكم القضائي ليس فقط رد إعتبار لسمية، إنه رد إعتبار للمرأة المصرية ولكل سيدة وفتاة تعرضت للتحرش أو التشهير،هذا الحكم وإن كان في أولى درجاته فهو جرس إنذار مهم لكل من طالعونا في الأيام السابقة من إعلاميي الفضائح والسبوبة والتشهير بخلق الله لكي يتحسسوا ألسنتهم قبل أن يبحثوا عن الفرقعة الإعلامية على حساب سمعة الناس . وكما وصفت سمية من قبل سمية ستكون أيقونة للفتيات، سمية هي نموذج حر للفتاة القوية التي رفضت السكوت عن المتحرش وأصرت على أن تطبق عليه القانون،سمية وللأسف وقعت فريسة تحت يد إعلام معدوم الضمير يستقي معدلات مشاهدته من الدجل والمن على الفقراء والتسلل عبر الحدود وسوء معاملة الجيران وأخيراً من سرقة محتوى خاص لهاتف فتاة لاذنب لها سوى أنها لم تكن حذرة بما يكفي . وبعد مهاتفتي اليوم لسمية وشعوري بفرحتها من هذا الحكم الذي هو أبسط حقوقها على قضاء بلادها، فقررت أن تكون سمية هي بطلة مقالي لهذا الأسبوع ، لكي تصل الرسالة لمنابر الأعلام الرخيصة التي تستخدم الطرق المشبوهة لإجتذاب أكبر عدد من المشاهدات دون أي معايير أخلاقية أو ضوابط مهنية. الحكم على"ريهام سعيد" اليوم ليس فقط إنتصاراً لقضية سمية، بل هو إنتصار لقضية التحرش وخطوة مهمة في تشجيع الفتيات على إنتزاع حقهن من المتحرش بالقانون، هو خطوة مهمة في مجال إستعادة كرامة المرأة المصرية التي عانت لأكثر من نصف قرن من إلقاء اللوم عليها في كل الجرائم التي ترتكب في حقها، هو خطوة مهمة في وجه كل من يسمحون لأنفسهم بإنتهاك حرمات الحياة الشخصية واجترار الفضائح للتشهير بالنساء والفتيات لإخراس ألسنتهن، والأهم من كل هذا أنه صرخة في وجه المجتمع الذي يظلم الفتاة دائماً ويحاسبها بلسان حال الفضيلة رغم أنه لايعرفها إلا وقت حساب الآخرين.