إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهل الإيمان ..
نشر في الفجر يوم 06 - 01 - 2016

تحار العقول وتختلف الآراء وتضطرب الرؤى من كثرة ما يجدُّ من الأحداث وما يلتبس من الوقائع ويبقى لنا بفضله سبحانه وتعالى قدرة على الفهم السليم والعمل الصحيح إذا اعتصمنا بكتاب الله واستمددنا منه وإذا اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم وارتوينا من سيرته، فإن فيهما ما نفهم به التاريخ الغابر وما نقرأ به حقائق الواقع المعاصر: {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (البقرة: 213).
لسنا ممن يضطربون لأن عندنا في قواعد القرآن الكليات التي تحسم القضايا الكبرى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل: 118)، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (فصلت: 46)، فلا نقول ما نسمعه من الناس أحياناً: ما هذه الفوضى؟ كلا، ليس هناك فوضى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49)، ليس هناك ظلم، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}، وكذلك محل هذا كله في إيماننا وفي حسنا وفي نهج قرآننا رضى بقضاء الله وتسليم به: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} (آل عمران: 7)، وكذلك كان الأمر في شواهد كثيرة في السيرة النبوية لما افترقت الآراء تميّز أهل الإيمان من أهل النفاق، أولئك قالوا والعياذ بالله: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} (الأحزاب: 12)، والآخرون قالوا عكسهم: {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (الأحزاب: 22)، وهكذا تتميز الرؤى بالإيمان والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولعل الاختلاط الجاري اليوم يقودنا إلى وقفات مع بعض سنن الله سبحانه وتعالى لأن معرفتها كفيلة بأن تجنبنا زيغاً في الرؤى والنظر، وأن تجنبنا انحرافاً في المسار والعمل، فالله جل وعلا يقول: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ {84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 84-85)، هناك سنن ماضية لا تحابي أحداً لا تتغير ولا تتبدل ثابتة وهي مستمرة لا تتوقف وهي كذلك على نهج قرآني ساطع واضح، {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} (الأحزاب: 38).
ووقفة مع سنة واحدة لعلها في مثل هذا الوقت تكون نبراساً لكثير مما يجري في بلادنا العربية والإسلامية، فالحق جل وعلا يقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (الأنعام: 129)، هذه قاعدة وسنة: {نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، وهنا معنيان وكلاهما سنة ثابتة ماضية تشهد لها وقائع السيرة وأحداث التاريخ ونستطيع بها أن نعرف وقائع الحاضر الذي نعيشه، {نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} كما قال القرطبي: "أجعل بعض الظالمين أولياء بعض"، وكما قال ابن عاشور: "نول بعض الظالمين بعضاً نجعلهم أولياء لبعض"، أي أنهم يحبون وينصرون بعضهم بعضاً، وإن اختلفوا في الملل؟ نعم، وإن اختلفوا في الوجهات؟ كذلك، لأن الكفر ملة واحدة ولأنه يجمعهم في كثير من الأحوال عداء لدين الله الحق، للإسلام والتوحيد والالتجاء إلى هذا الكتاب المحفوظ والاقتداء بهذا الرسول المعصوم والاسترشاد بتلك الخلافة الراشدة، والاستنارة بتلك القرون المفضلة والنظر إلى تلك الطائفة المستمرة الدائمة، والترقب للتجديد المستمر الذي منّ الله به على أمتنا (أمة الإسلام).
{نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} يشهد لذلك آيات كثيرة في كتاب الله، {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الأنفال: 73)، هذا بالنسبة للكفار وبالنسبة للمنافقين قال جل وعلا: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} (التوبة: 67)، كتلة واحدة، قلوبهم وجهتها واحدة، ألسنتهم بلغة واحدة ناطقة، أعمالهم وتخطيطاتهم لأهداف واحدة سائرة، وفي شأن أهل الكتاب كذلك قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (المائدة: 51).
وانظروا هنا من شواهد التاريخ ومن حقائق الواقع ما رأينا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في غزوة الأحزاب اجتماع اليهود وهم أهل كتاب كان أولى بهم أن يصدقوا ما ثبت في كتبهم من أمر وخبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يهود قالوا لأهل الكفر من قريش: أنتم خير ودينكم من دين محمد، واجتمعت معهم غطفان قبائل لا تدين بهذا ولا بذاك جمعهم حلف واحد لعداء الإسلام عقيدة وديانة وللاستيلاء أو الرغبة في تحطيمه وأخذ ما عنده أو ما فيه من ثروات، ولو جئنا اليوم إلى التواريخ المعاصرة أرض الإسراء مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم اغتصبها اليهود بمعونة النصارى وبمباركة واعتراف لم يمض على إعلان الدولة المحتلة التي لا وجود لها في الواقع الحقيقي عند حس المؤمنين دقائق معدودة في التاريخ واعترفت تلك الدولة العظمى وتلك الدولة العظمى وتلك الدولة الكبرى في صورة واضحة شرقاً وغرباً من أرثوذكس إلى بروتستانت إلى غيرهم من الملل والنحل كأنما الصورة واضحة، واليوم نجد عجباً في بلاد الشام في دمشق الفيحاء في حلب الشهباء انظروا كيف اجتمعت عمم وعمائم تنتسب للإسلام وهي تطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شيوعية متلبسة بأرثوذكسية صليبية مع نصيرية لا حظ لها في الإسلام كلها مجتمعة كما قال جل وعلا: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}، يقول بعض الناس عندما لا يدركون الحقيقة القرآنية: كيف اجتمعوا؟ من الذي جاء بالمشرّق والمغرّب؟ إنها صورة حقيقية تنطق بها الآيات.
وإذا مضينا إلى المعنى الثاني رأينا الأمر كذلك من جهة أخرى أيها الإخوة الكرام، والمعنى الثاني في قوله: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}، أي: نسلط بعض الظالمين على بعض، وهذا أمر عجيب لكن الواقع يشهد له كذلك، قال البغوي في تفسيره: "نسلط بعضهم على بعض فنأخذ من الظالم بالظالم"، وقال ابن زيد كما نقل القرطبي في تفسيره: "نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله"، وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع عن ظلمه، سبحان الله، وقد رأينا ذلك، أما في التاريخ فرأيناه حتى قال قائلهم: سبحان ربي لما كان صفوان من أهل الكفر والشرك ثم أسلم وكان من مسلمة الفتح فلما جاء يوم حنين وكانت الجولة الأولى كأنما فيها انكسارٌ للمسلمين قال بحميته: لئن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن أو من ثقيف، هكذا سلّط الله في التاريخ وفي الأحداث ظالمين على بعض.
ونرى اليوم كذلك نرى الذين أعانوا على العراق كيف تسلطوا على من أعانهم، وكيف صارت الأمور شذر مذر لأن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، فلا نكونن في شك من ديننا ولا تكونن الأحداث التي تجري تتسبب في اضطراب رؤانا أو في يأس نفوسنا، فإننا على يقين من دين ربنا بالقواعد القرآنية والسنن الربانية: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128)، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47)، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر: 51)، كلها آيات ليس بالضرورة أن تكون اليوم أو في هذه الساعة أو بعد نصف سنة أو عام أو نحو ذلك، لكن اليقين موصول عند أهل الإيمان والرؤية واضحة عند المعتصمين بالقرآن والعدو والعداء محوره الاعتقاد والإيمان والتوحيد والإسلام، ولسنا نحن الذين نقول هذا، يتهمون الإسلام بأنه دين كراهية ويتهمونه بأنه يعادي البشرية، وسبحانك ربي {هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (النور: 16)، هم الناطقون بذلك بألسنتهم، والمقررون لهم في دراساتهم وبحوثهم والشاهد به ما كتبه مفكروهم ومنظروهم، أليس هو ذلك الذي يقود الحلف العسكري الكبير الذي أعلن بعدما ما يسمى انتهاء الحرب الباردة بأن العدو لهذه الأمم هو الإسلام، ألسنا نستمع ونعرف إلى رجل ربما سيرته عندنا لأننا لا نفتح الصفحات كلها أنه مناضل من أجل الحرية ومناضل من أجل منع العنصرية "مارتن لوثر" هذا الذي قال عن كتاب الله عز وجل عن القرآن العظيم والعياذ بالله وصفه بأنه كتاب بغيض فظيع ملعون مليء بالأكاذيب والخرافات -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، وقال: ودعا إن أعظم إزعاج لمحمد صلى الله عليه وسلم وللأتراك الذين كانوا يمثلون الإسلام أن نسعى إلى ترجمة معان القرآن ترجمة تشير إلى هذا الانحراف والتضليل الذي يزعمه، وليس هذا فحسب، بل باحثون كثر من الذين كتبوا في فترات قريبة ومنهم أحد الباحثين المشاهير الذي كتب عن الصدام الحضاري في القرن الحادي والعشرين وكتابه مصنف في عام واحد وتسعين وتسعمئة وألف وهو الذي صرّح ووضح بشكل واضح بأن كل هذه التجمعات عدوها الأوحد هو الإسلام، لماذا؟ لأن فيه خصائص الثبات، لأن فيه قرآناً محفوظاً وأن له رسولاً معصوماً وسيرة واضحة وله خصوصية ما زالت رغم ضعف تمسك المسلمين بدينهم ما زالوا هم الأمة التي استعصت على الذوبان واستعصت على أن تكون ضائعة تائهة لأن الله سبحانه وتعالى حباها ما حباها من هذا الكتاب وهذا الرسول وهذه الأمور العظيمة التي كانت ولا زالت وستظل وستبقى إلى قيام الساعة، وانظر رحمك الله إلى المواقف التي تلتبس أحياناً ونستمع من يدعي أنه منّا وأنه يرفع راية الإسلام أو يدافع عن الإسلام لكنك تراه في حقيقة ولائه وبرائه على غير ما تقرر في الآيات وما ظهر في الأحاديث وما ثبت في السيرة وما نطقت به شواهد مسيرة وسيرة وتاريخ الإسلام، وهنا يصدق ما قاله الحق جل وعلا: {وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ} (التوبة: 56)، وقد كان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر النفاق وكان رأس النفاق عبدالله بن أُبي بن سلول الذي فعل الأفاعيل والذي كان يخذل ويجوس خلال الديار ويلقي بالأراجيف ويصنع ما يصنع كل ذلك وقع وكان الأمر واضحاً ليس فيه التباس لأن الناس كانوا يرجعون إلى الحقيقية وهنا ما الواجب علينا؟ ما الذي ينبغي أن نحرص عليه؟ ما الذي نتواصى به؟ ما خاطب الله به رسوله في كتابه وجعله لنا نبراساً دائماً باقياً محفوظاً إلى قيام الساعة: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {18} إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (الجاثية: 18-19)، لسنا تائهين نبحث هنا أو هناك، لسنا بلا دليل حتى نسترشد بهذا أو بذاك، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} واضح، عندنا أمر بالاتباع لا الابتداع، بالاعتصام لا بالتخلي، بالثبات لا بالتردد، ثم قال جل وعلا: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وكل من لا يرجع إلى وحي معصوم فهو في الجملة من الذين لا يعلمون لأنه سيقيس الأمور بعقله البشري ولأنه سيزن المواقف بمصالحه الشخصية ولأنه سيقدر الأمور بالمقاييس المادية ولن يكون ذلك موافقاً للصواب بل مجانباً له عاجلاً أو آجلاً، وانظر إلى الواقع سترى شواهده في ذلك كثيرة أليسوا قد قالوا إنهم سيفنون هذه المعارضة في بلاد الشام أو أنهم سينتقمون وأنهم سينتهون وأنهم سيفعلون وكثيراً ما ترى الأمور على غير ذلك لأنهم كما قال جل وعلا: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم: 7)، هؤلاء لا يستطيعون إلا أن ينظروا بهذه النظرات لا حظ لهم في الوحي ولا نور عندهم من وحي الله عز وجل ولا بصيرة تهدي من عصمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله سبحانه وتعالى، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الزخرف: 43)، {فَاسْتَمْسِكْ} ولاحظوا هنا اللفظة القرآنية فيها الألف والسين والتاء ومعنى الامساك هو التشبث بقوة وهذه الألفاظ تدل على تمسك تام، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} لست في شك أبداً من أن كل حكم وكل سنة وكل قاعدة وكل بيان وكل خبر في القرآن هو صحة مطلقة وكمال كامل لا يعتريه نقص ولا يخالطه شك بحال من الأحوال، هذا الذي ينبغي أن نقوله ونكون عليه.
ولعلي هنا أستحضر موقفاً لابن تيمية رحمه الله عندما كانت موجات الهجوم المغولي القاتل وكانوا يستعدون لمواجهة المغول وكان يقول وهو يجول بين صفوف الجيش الإسلامي: والله إنكم لمنصورون، فيقولون له: قل إن شاء الله، يقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، لماذا هذه الثقة؟ لأنهم ما اجتمعوا حين ذاك إلا للدفاع عن الدين ولحماية بيضته وما كانوا إلا على قلب رجل واحد لرفع راية القرآن والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن قبل كان المصطفى عليه الصلاة والسلام المسدد بالوحي قد أعلن في مواجهات عدة نتيجة المعركة قبل حصولها، ألم يكن في يوم بدر قد عيّن مصارع القوم فقال: "هنا مصرع أبي جهل هنا مصرع أُبيّ هنا مصرع عقبة بن أبي معيط"، فلم يعدو واحد منهم الموضع الذي عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألم يقل عندما جاءه خبر نقض قريظة للعهد في يوم الأحزاب وكان ذلك خبراً من أشد الأمور على المسلمين فإذا برسول الله يكبر ويقول: "الله أكبر الله أكبر، أبشروا أبشروا"، هذا النظر بنظر الوحي وهذا الأمل في وعد الله القاطع وهذا اليقين الجازم بسنن الله الماضية لا يتزعزع مهما اسودت الصورة في الوجه ومهما تكالب الأعداء في الجهة المقابلة ومهما اختلطت الأمور لأننا بفضل الله عز وجل مسددون، ونحن بهذا سيكون لنا إن اعتصمنا بكتاب الله فهم صحيح وعمل صائب ووحدة جامعة وأصالة حافظة، نعم أصالة تحفظنا من الزيغ لأنها وحي من الله وحينئذ ستكون لنا وحدة جامعة لن نتفرق لأننا لا نكون بآرائنا ولا بأهوائنا وإنما بعصمة وحي ربنا، ثم هذا سيقودنا إلى عمل صحيح يسبقه فهم صائب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بكتابه مستمسكين ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية:
معاشر المؤمنين..
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنها أعظم زاد بقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن واحرصوا على أداء الفرائض والسنن واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
واعلموا رحمكم الله أن ضياء الظلمة وإصابة الحق ومعرفة الرشد ليس بيننا وبينها إلا صدق اعتصام بكتاب الله وتعلق القلب يقيناً بوعد الله والحرص على أن نكون أمة واحدة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإلا إن لم يكن ذلك كذلك وجدنا صوراً من قصر النظر فقائل يقول لنا: الواقع يفرض نفسه ينبغي أن نكون معاصرين منفتحين، ما الذي تريدونه؟ حقيقته أن نغير ديننا وأن نظهره بصورة - كما يقولون- عصرية، وأن نخرج منه ونزيل منه ما يقولون عنه زوراً وبهتاناً إنه كراهية أو عنف أو قتل أو إرهاب، كما قالت العرب: "رمتني بدائها وانسلتِ" وبعضهم يرى أن الأمور قد اسودت وأن الصفحة قد طويت وأن النهاية قد حسمت وكأنه يراها في كل جملتها وفي سائر تفاصيلها ضد الإسلام والمسلمين، ولعمري وإنه بما وعدنا الله عز وجل كل ذلك فيه خير لأمتنا وفيه بشائر نصر وبوارق أمل لا يخطئها مؤمن يقرأ بنور الله وينظر في سنن الله ويعتمد على القواعد الواردة في آيات الله ويتأمل في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان يضرب في حفر الخندق ويبشر بكسرى وقيصر وبالملك العظيم، وفي أحلك الظروف كان يمتد بصره وأمله ويقينه ليتجاوز هذا الواقع الذي سينتهي حتماً عاجلاً أو آجلاً وستكون عاقبته في جملتها خير للأمة إن لم يكن لنصر ظاهر قريب فإنه سيكون نصراً في القلوب التي ضعفت صلتها بالله فتقوى، في العقول التي لم تسترشد بآيات وهدي رسول الله فتعود إليها، في الصفوف المفرقة فتلتئم وتتحد وها نحن نرى صور ذلك، وها نحن نرى كيف قادت تلك المحن والظروف العصيبة إلى أمور فيها خير، وتمحصت الصفوف وتميزت المواقف فكان من وراء ذلك خيراً نرجو أن يتضاعف وأن يكون له ما وراء ذلك، وثانية مهمة وهي استعجال النتائج، كثيرون من قلة صبرهم وعدم نظرهم إلى ما في حكمة الله وما في قدره مما يمضيه فإنهم يرون أن الأمور طالت وأن القضايا ليست إلى نهاية حميدة وهنا يحصل ما نخشى منه وما نراه من افتراق، هذا له رأي فيقول كونوا هنا، وهذا يقول لابد أن نسير مع هؤلاء وهذا يقترح أن نوالي هؤلاء ولا ينظر بمنظار الإيمان الحق الذي لا شك أنه يأخذ بالأسباب وينظر في موازين القوى ويأخذ بقول الله عز وجل: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: 60)، بكل أنواع القوة: قوة الإيمان وقوة اليقين وقوة العلم وقوة السلاح وقوة الوحدة وكل أنواع القوة مهما اختلفت، لكنه مع ذلك وقبل ذلك لا يعتمد على تلك الأسباب وإنما يعتمد على مسبب الأسباب ويتوكل على رب الأرباب ويقهر عدوه بجبار السماوات والأرض الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي هو {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 20)، الذي هو سبحانه وتعالى يبدل الأمور ويغيرها بحكمته ورحمته بما يجري به قدره لخير هذه الأمة، فينبغي لنا أن نعتصم بكتاب الله وأن نفقه سنن الله وأن نرى الواقع ونقرأ التاريخ ونستشرف المستقبل في ضوء ذلك فالقرآن والسنة المعصومان وحياً هما القائدان لنا في طريقنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.