■ أنصار حازم وثقوا فيه لأنه المرشح الإسلامى الوحيد الذى لم يراوغ أو يناور فى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية لو أصبح رئيسا «أقدم شكرى إلى المرابطين.. ومن لا ينامون الليل.. أشكرهم على عاطفتهم.. وأحمد الله على ثبات من ثبت منهم.. وأعذر من اهتزوا.. ونسأل الله أن يبصرنا بحقيقة اللواء الذى نرفعه». كلمات قليلة ودالة من بين أخريات ما قاله الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل متوجها به إلى أنصاره، الذين تحولوا من مجرد مؤيدين لمرشح رئاسى دخل حلبة السياسة بقدميه إلى ظاهرة، تسوقفك رغما عنك.. وتدهشك بإصرارها وحماسها دون أن ينتبه أفرادها إنهم حولوا شيخهم من منافس على مقعد دنيوى زائل.. إلى قديس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. «ولاد أبوإسماعيل».. هو الاسم الشعبى لأنصار الشيخ حازم، وهو لا يعنى المدح أو التضخيم، بل هو إلى السخرية أقرب، فصاحب الإفيه فى الحياة المصرية هو الممثل الهزلى محمد سعد - راجع فيلم بوحة -.. الذى تحدى ولاد أبوإسماعيل.. فأوسعوه ضربا حتى كادوا يقضون عليه.. وهو ما يستعد «أولاد أبوإسماعيل الأصلى» الآن لفعله إذا ما أطيح بمرشحهم نهائيا من السباق الرئاسى. استحضار توصيف «ولاد أبوإسماعيل» ليس للسخرية أو التحقير، ولكن لأن نسبة هذه الجموع الحاشدة التى لا يملك أحد عددا محددا لها إلى الشيخ حازم صلاح، أمر واجب. هم نسبوا أنفسهم إليهم.. فهم «حازمون».. وهم يرفعون شعار «لازم حازم».. بل إن شبابهم كونوا مجموعات أطلقوا عليها «ألتراس أبوإسماعيل» فى تماهٍ واضح مع مجموعات الألتراس الرياضية التى تتعامل مع تشجيع فرقها على أنه عقيدة وليس مجرد انتماء رياضى. الحازمون الآن يقفون على حافة الهاوية.. لقد وثقوا فى شيخهم إلى درجة اليقين الذى لا يتزعزع.. فإذا بهم يواجهون خطر أن يكون رجلهم الذى أعلن أنه سيطبق الشريعة الإسلامية كذب من أجل منصب دنيوى. ■ ■ ■ قبل الثورة كان الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل وجها معروفا فى الحياة العامة من خلال محاولاته الترشح فى انتخابات مجلس الشعب الدائمة فى دائرة الدقى، وهى الانتخابات التى لم يوفق فيها أبدا، لأن الحزب الوطنى كان يقف فيها بالمرصاد له.. حائلا بينه وبين المقعد البرلمانى لصالح مرشحه.. وكم من مرة استطاع حازم أن يحقق نجاحا فى الانتخابات إلا أن النتيجة فى اللحظة الأخيرة تتغير. ورغم أنه محام.. هذه وظيفته الأساسية التى من المفروض أنه يأكل منها عيشه ويربى بها أولاده، إلا أنه لم يشتهر بهذه الصفة أبدا.. ولم تكن له صولات ولا جولات فى المحاكم.. لا فى قضايا موكلين خاصة، ولا فى القضايا العامة التى كان يسارع إليها المحامون الوطنيون للدفاع عن المناضلين والشرفاء الذين كان نظام مبارك يضيق عليهم عيشهم وعيشتهم. حازم عرف أكثر كداعية..خطيب مسجد.. وعندما ارتقى قليلا أصبح داعية تليفزيونياً شهيراً من خلال القنوات السلفية، وفيها صال وجال حاملا خطابا متشددا وخرافيا مخاصما العقل والمنطق فى كثير مما يقوله (راجع كلامه عن تحريم البهارات لأن بها مادة مسكرة.. وتفسيره لكلمة بيبسى). لكن حازم الداعية استطاع أن يجمع حوله مؤيدون وصلوا إلى مرحلة المريدين، خاصة أنه كان يتواصل مع جمهوره من واقع شخصيته المنفتحة اجتماعيا – من يعرفونه يؤكدون أنه يصلح كرجل علاقات عامة من الطراز الأول – هؤلاء المؤيدون كانوا النواة الحقيقية لأولاد أبوإسماعيل الذين التفوا حوله بعد الثورة عندما أعلن مبكرا جدا أنه سيرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية. من بين هؤلاء شاب – لم يهتم بالإعلان عن اسمه أو عمله أو شكل علاقته بالشيخ - وجه رسالة إلى الشيخ حازم من خلال فيديو سجله وأذاعه عبر اليوتيوب، ينعى فيه مساندته لشيخه، لكنه يشرح كيف توافدت كل هذه الحشود على الشيخ حازم. فقد اجتمع مستمعوه ومتابعوه والذين عرفوا إخلاصه واختبروا عمله من أجل الحق، على أمنية واحدة، هى أن يرشح نفسه للرئاسة، وقد استبد بهم السرور وعصفت بهم الفرحة عندما عرفوا أن الرجل يفكر فى الأمر.. وأنه كان مرابطا فى ميدان التحرير طوال أيام الثورة، بما يعنى أنه يمتلك الشرعية الثورية..كما أنه يمتلك شرعية الحق الذى يتحدث عنه، فالرجل لا يكف عن الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية.. ومؤكداً أنه لو أصبح رئيسا فسوف يفعلها دون تردد. هذا الشاب عاب على الشيخ أنه لم يحسم أمر جنسية والدته، بل رصد له بالدليل القاطع – التصريحات والفيديوهات - أنه خان مؤيديه، ولم يكن حازما ولا حاسما فى الأمر، بل ظل يراوغ ويناور دون أن يقدم ما يقنع من قفز فى قلوبهم الشك، وهم أولئك الذين قال عنهم الشيخ إنهم لم يثبتوا. هذا الشاب الذى أصر على أن رسالته تعبير عما يدور فى خاطره وخواطر مؤيدى الشيخ، أو الذين كانوا من مؤيديه، يضع أيدينا على فئة مختلفة من «ولاد أبوإسماعيل»، فهو كما يبدو من كلامه متخصص فى التكنولوجيا، وحصل على درجات علمية متقدمة فيها، كما أنه ومن المكان الذى صور فيه الفيديو يبدو ثريا جدا..فأتباع الشيخ ليسوا من الفقراء – أحدهم تاجر مجوهرات تبرع لحملته ب 100 ألف جنيه – وليسوا جهلاء أو سذجاً. يمكن أن تقول إنهم وبسبب رغبتهم فى تطبيق الشريعة التى يعلن حازم أنها هدفه ومبتغاه، سلموا عقولهم له، ولم يروا فيه عيبا واحدا، لكن هؤلاء الذين ليسوا سذجا عندما رأوا تناقضا فى كلام الشيخ استردوا عقولهم..وبدأوا يفكرون فيما يقوله ويفحصونه، وعندما رأوا أن شيخهم لا يستند إلى حائط صلب تركوه فى العراء. لكن لماذا وثق أتباع أبوإسماعيل فى شيخهم؟ السبب بسيط جدا، فحازم كان هو الوحيد من مرشحى التيار الإسلامى الذى لم يراوغ ولم يتراجع ولو بالكلام عن رغبته فى تطبيق الشريعة الإسلامية. مواقفه واضحة.. كان هو الأصدق فى التعبير عما يريده، فتأكدوا أنه حازم اسما وصفة، وساروا وراءه طلبا لرضا ربهم..وكأنهم عندما يساندون مرشحا للرئاسة يؤكد أنه سيطبق الشريعة الإسلامية، فإنهم بذلك يفوزون بالدنيا والآخرة.. ثم إنهم ولشدة تمسكهم بتطبيق الشريعة الإسلامية اعتبروا حازم هو المخلص.. غير ملتفتين أو عابئين بأى عيوب يمكن أن تكون فى شخصيته. لكن أكثر من نصف أتباع الشيخ تزعزع إيمانهم به الآن..إذ كيف لشيخهم الذى لا يقول الحق أن يكون أمينا على تطبيق شرع الله.. كيف لرجل يصر على الباطل أن يكون هو نفسه نصيرا للحق.. كيف لرجل خدع من أخلصوا له وضحوا من أجله وخاصموا النوم لنصرته أن يصون جموع الشعب التى لم تخرج خلفه أو تؤيده؟! هؤلاء الذين خلعوا أنفسهم من حازم أبوإسماعيل سيحتاجون لعلاج مكثف ليتخلصوا من الوهم الذى عاشوا فيه لشهور طويلة، بحثوا فيه عن المعنى الكامل للصدق.. فإذا بهم لا يقابلون إلا كذبا.. بحثوا فيه عن الباطل فلم تصادفهم إلا الأباطيل.. يمكن أن يسامحه بعضهم.. لكن معظمهم لن يقدر على ذلك.. فما فعله معهم حازم يصل إلى درجة الخيانة. بالقرب من هؤلاء يقف المخلصون الذين شكر لهم حازم ثباتهم وعدم نومهم من أجله، هؤلاء الذين قرروا أن يلازموا مقر اللجنة العليا للانتخابات، ولا يغادرونها قبل أن يصدر قرارها الخاص برجلهم، دون أن يصرحوا بأنهم لن يسمحوا لأحد بطرد مرشحهم.. فموتهم دون ذلك بعد أن أعلنوا الجهاد لوجه الشيخ الذى لا يزال عندهم صادقاً لا يكذب.. ولا يصدقون شيئاً إلا أن أمريكا وإسرائيل والمجلس العسكرى وكل قوى الشر تحالفت ضده..لأنه صوت الإسلام القادم. هؤلاء ليسوا مخدوعين، هم فقط طيبون بأكثر مما يجب..يعانون من كسر نفسى حاد، تراكم عليهم بسبب سنوات إقصائهم وإبعادهم عن الحياة العامة، ظلوا طوال حياتهم يعتقدون أن شرع الله – دون أن يحددوا ملامح هذا الشرع – والآن أمامهم فرصة فى رجل يؤكد لهم أنه سيحقق لهم أحلامهم مرة واحدة بتطبيق شرع الله، فلماذا لا يقفون وراءه ويضحون بكل شىء من أجله. لقد تحول حازم أبوإسماعيل إلى صنم يعبده أتباعه، تندر هو نفسه على تعاملهم معه، بأنه سيعلن عن اكتتاب من أجل أن يشترى بدلاً جديدة، لأنه فى كل مرة تتمزق ملابسه من تدافع مريديه عليه، أعلن أنه بلا حراسة رسمية، وأن محبيه هم من يتطوعون لحراسته..ولم ينس أن يطلب من حراسه ألا يدفعوا الناس عنه. إنهم لا يؤيدونه فى الواقع..بل يتبركون به، تحول حازم لديهم إلى ولى من أولياء الله الصالحين يطلبون منه العون..ولأن أولياء الله الصالحين لا يكذبون.. فإنهم لا يصدقون أبدا أن حازم يكذب.. بل إنهم وعدوه إذا ما أبعدوه عن الرئاسة بشكل نهائى أن يكوِّنوا حزبا سياسيا يقودهم حازم به إلى الجنة قبل أن يصل بهم إلى السلطة المطلقة. إنهم أهل الله البسطاء الذين لا يعرفون أن شيخهم الحازم يتمسك بأن والدته ليست أمريكية لأن هذه هى الحقيقة، ولكن لأنه لو تراجع فسيخسر كل شىء مرة واحدة. لو ثبت كذبه – وهو فى الغالب ما سيحدث – فلن يستطع حازم أبوإسماعيل أن يرفع رأسه، لن يكون له عيش فى مصر..فالكاذب لن يعمل محاميا مرة أخرى.. والكاذب لن يكون نجما فى سماء الدعوة على القنوات الفضائية.. فالدعاة من المفروض أنهم لا يكذبون. يمكن أن يكتئب أنصار أبوإسماعيل..أن يدخلوا فى أزمات نفسية طاحنة لن يقدر على علاجها كل الأطباء النفسيون فى مصر.. لكن الأصعب أن حازم أبوإسماعيل نفسه يمكن أن يجد نفسه على حافة الجنون، فقد عاش على ضفاف هتاف أنصاره: «الصحافة فين.. الرئيس أهو».. و«قول ما تخافشى.. الريس ما بيكدبشي».. شاعرا بكل مشاعر الرئيس.. فإذا به وفى لحظة واحدة وبجرة قلم يصبح لا شىء.. لا شىء على الإطلاق.. فاللهم ألهمه القدرة على أن يحتفظ بعقله.. وأنعم على كل من خدعهم بنعمة الصبر.