قليلون جدا فى الوسط الأدبى والثقافى من يمتلكون صفاء ونقاء: «محمد إبراهيم مبروك»، وأقل منهم بكثير من يجمعون بين النقاء الإنسانى وبين العذوبة الإبداعية مثلما جمع هو بينهما فى طراز نادر التكرار، أما أن يوجد من بينهم من يقوم وهو فى الخمسين من عمره بتعلم لغة أجنبية ثم يصبح واحدا من أهم المترجمين من تلك اللغة إلى العربية، فإن هذا هو ما فعله وحده ذلك المتفرد الفريد: «محمد إبراهيم مبروك» الذى جذبه ذات يوم عمل مترجم إلى العربية للأديب الكولومبى جارثيا ماركيز، فقرر أن يتعلم الإسبانية حتى يقرأ ماركيز فى لغتة الأصلية! وقد كان.. تعلم الإسبانية وأتقنها وقرأ من خلالها أعمال ماركيز وغير ماركيز، ونقل إلى العربية عددا من الأعمال التى كتبها أدباء أمريكا اللاتينية من أمثال بورخيس وإيزابيل الليندى وغيرهما.. فى منتصف الستينيات من القرن الماضى تقدم مبروك «الذى لم يكن اسمه معروفا من قبل» بقصة قصيرة إلى أهم مجلة ثقافية فى مصر، ألا وهى مجلة: «المجلة» التى كان يرأس تحريرها أديبنا الكبير يحيى حقى، التى كانت تعتزم إصدار عدد خاص عن القصة المصرية القصيرة، وبعدها بأيام اتصل مبروك تليفونيا بالمجلة لكى يعرف إن كانت قصته سوف تنشر أم لا، وفوجئ يومها بالأستاذ يحيى حقى (الذى لم يكن قد قابله من قبل ) فوجئ به يرد عليه فى حفاوة بالغة وترحاب شديد ويدعوه لزيارته فى منزله لكى يتعرف عليه.. كان الأستاذ يحيى قد أدرك بحسه الفنى المرهف أن كاتب تلك القصة فنان يمتلك من الموهبة ما يؤهله لأن يحتل مكانا متميزا فى مسيرة القصة العربية القصيرة، ومن هنا كانت حفاوته به ودعوته إياه لأن يزوره فى منزله !! القصة التى أقصدها هى القصة الشهيرة: «صوت صمت نزف نصف طائر جريح»، التى نشرتها المجلة مصحوبة بدراسة للناقد صبرى حافظ ذكر فيها أن مبروك قد وصل بأسلوب المونولوج فى قصته تلك إلى آفاق لم يسمع فيها وقع لقلم مصرى من قبل.. وأظن أن ما كتبه صبرى حافظ إذ ذاك كان ومازال صحيحا.. ومثلما تحمس يحيى حقى لموهبة مبروك، تحمس مبروك نفسه لمواهب أدبية عديدة جاءت بعده وقدمت دررا فريدة فى القصة القصيرة من أبرزها ما قدمه علاء الأسوانى ومكاوى سعيد اللذان كانا كلاهما موضع إشادة دائمة وإطراء عميق من مبروك الذى كان دائما ولا يزال يشعر بسعادة حقيقية كلما نجح أديب مصرى فى إضافة شىء ذى قيمة حقيقية إلى رصيد الأدب العربى.. إننى أكتب هذه السطور لا عن أديب كبير، ولا عن نموذج إنسانى نادر فحسب، لكنى أكتب أيضا عن صديق عزيز لم تشب صداقتى به أى شائبة من الشوائب ولم تفتر لحظة واحدة منذ أن عرفته على مدى ما يقرب من خمسين عاما، أكتب عنه بعد أن تعرض مؤخرا لمحنة صحية تمثلت فى إصابته بورم فى المخ (تبين أنه للأسف ورم خبيث)، وقد أجريت له عملية تمت من خلالها إزالة الورم بنجاح، لكنه ما زال أمامه مرحلة أخرى من العلاج الكيماوى والإشعاعى، وقد تحدد له يوم 15/4 الحالى لدخول معهد الأورام حيث تبدأ الجلسات بذلك التاريخ ولمدة شهر كامل إلى أن يتحقق الشفاء الكامل بإذن الله.. أظن أن محمد إبراهيم مبروك الذى لم يبخل يوما بمشاعره الإنسانية النقية الصافية على أحد من أبناء جيله ولا على أحد من الأجيال التالية، أظن أنه الآن فى حاجة إلى مشاعرنا جميعا وإلى دعواتنا جميعا له بأن يتم الله عليه نعمة الشفاء.. فما أحوجنا إلى مثل هذه القيمة نادرة الوجود.