قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك لنا حديثًا هو من جوامع الكلم، اختاره الْمُحَدِّثون لأن يحدثوا به في مجالسهم أول حديث، وكأنهم عرفوا منه أنه مفتاح لكل الإسلام، ولحياة المسلم ، وهو الذي سماه العلماء بحديث الأولية؛ لأنه أول ما يذكره الْمُحَدِّث، وهو ينقل عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لِمَنْ بعده من الطلاب والناس، «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمْكم مَنْ في السماء». وفي رواية: «يرحمُكم مَنْ في السماء». بضم الميم. المعنى عندما يكون بالسكون «يرحمْكم مَنْ في السماء»: أنك إذا ما امتثلت فرحمت مَنْ في الأرض، فإن الله سوف يرحمك، وإن لم تفعل، فليس لك عند الله عهد. ف «مَنْ لا يَرْحم، لا يُرْحم». والمعنى عندما يكون بالضم: «يرحمُكم مَنْ في السماء». وكأنه صلى الله عليه وسلم وهو منا مثل الوالد للولد، يدعو لنا بالرحمة على كل حال، في حال الفعل، وفي حال التقصير؛ حتى تكون عندنا الهمة، لأن نستحي من الله سبحانه وتعالى، وأن نرحم أنفسنا، وأن نرحم مَنْ في الأرض. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «ارحموا مَنْ في الأرض». عموم يشمل : المسلم، وغير المسلم، الفاسق، والعاصي، والفاجر، والتقي، ويشمل كل شيء. وسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يصف نفسه فيقول: «إنما أنا رحمة مهداة» فهدى الله هذه الرحمة للعالمين إلى يوم الدين؛ بل من لدن آدم إلى يوم الدين في الدنيا والآخرة. علمنا سيدنا صلى الله عليه وسلم أن هذا الكون يسبح، ويعبد ربه، ويسجد له، ويبكي ويفرح، وَيُحِب وَيُحَب ، علمنا أن هذه الكائنات، وهذه الجمادات، فيها تفاعل، ويجب عليك أن تتفاعل معها، وأن تكون العلاقة بينك وبينها هي الرحمة والعمران والتعمير لا التدمير. {وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}. كل ما في الأرض؛ من جن وإنس، من حجر ومدر ؛ يسجدون، ويعبدون، ويسبحون، فارحم نفسك ولا تعارض الكون بما فيه؛ فقد سلم الكون أمره لله، فسلم أمرك لله، وكن في نفس الاتجاه وفي نفس التيار، وإلا كنت النغمة النشاذ. كان سيدنا صلى الله عليه وسلم يخطب -فيما أخرجه البخاري- على جذع نخلة، فلما آتاه المنبر ترك الجذع ، فحَنَّ هذا الجذع، وَأَنَّ أنينًا، حتى إنه أشفق عليه، فنزل من منبره الشريف في وقت خطبة الجمعة، وضمه إلى صدره، فسكن. يعلمنا بذلك أن هذا الكون ينبغي علينا أن نرحمه، وإن كنا لا نفقه تسبيحهم. تراحموا فإن الرحمة هي التي بدأ الله بها جماله علينا، فقال: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فالرحمة أساس الحب، وأساس التعاون، وأساس العمران، وأساس الكرم، وأساس كل خير. هيا بنا نتراحم، فإن القلوب القاسية، لا ينظر إليها رب العالمين.