ننشر الحصر العددي لنتائج انتخابات مجلس النواب في الدائرة الأولى بالبحيرة    وزير العمل يوقف نشاط شركة لإلحاق العمالة بالخارج بعد رصد مخالفات قانونية    رئيس مياه القناة: إصلاح الكسور المفاجئة وتغير المواسير المتهالكة ب PVC    "البحوث الزراعية" يوقع بروتوكولا مع 'الاتحاد الأوروبي" لتدريب 400 ألف مزارع قمح    المشاط تبحث الأولويات القطاعية للمشروعات الاستثمارية بالتعاون مع "جايكا"    الملف النووي والأوضاع الإقليمية.. مباحثات هاتفية بين وزيري خارجية مصر وروسيا    وزير الخارجية يناقش مع نظيره الروسي مشروعات التعاون وقضايا غزة والسودان وأوكرانيا    نجل البرغوثي يكشف تعرض والده لكسور بالضلوع وقطع بالأذن في سجون الاحتلال    واشنطن ترفع عقوبات عن شركة روسية وماكرون يحذر من خيانة.. ماذا حدث؟    تعرف على نظام قرعة كأس العالم 2026.. ينقسم إلى طريقين    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    الضحية طالبة.. تفاصيل فيديو صادم بالشرقية    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية بسمالوط شمال المنيا    إتاحة خدمة إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر مكاتب البريد بالتعاون مع مصلحة دمغ المصوغات والموازين    بمناسبة اليوم العالمي للتطوع، 35 ألف متطوع لدى صندوق مكافحة الإدمان    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    بعد وفاته، 5 معلومات عن عازف الكمان قيس جمعة    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    القاهرة الإخبارية: جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف رفح وحي التفاح شرق غزة    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    قرعة كأس العالم 2026.. منتخب مصر فى مواجهة محتملة ضد المكسيك بالافتتاح    لليوم ال 5.. التموين تواصل صرف المقررات و المنافذ تعمل حتى 8 مساءً    "Cloudflare" تعلن عودة خدماتها للعمل بكامل طاقتها مجددًا بعد انقطاع عالمي واسع النطاق    بدءًا من الغد.. منخفض جوى وعواصف رعدية وثلوج فى لبنان    منال عوض تؤكد: وزراء البحر المتوسط يجددون التزامهم بحماية البيئة البحرية والساحلي    وزير الدفاع ورئيس الأركان يعقدان عددا من اللقاءات الثنائية    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    قافلة طبية بقرية أبو عدوي في دمياط تقدم خدمات مجانية لأكثر من ألف مواطن    حالة الطقس.. تحذير عاجل من نشاط رياح مثيرة للرمال والأتربة على هذه المناطق    جهاد حسام الدين تنضم إلى مسلسل عباس الريّس في أول تعاون مع عمرو سعد    وكيل تعليم القاهرة تشارك بفعاليات لقاء قيادات التعليم ضمن مشروع "مدارس مرحبة ومتطورة"    مصر تستضيف النافذة الثانية من تصفيات كأس العالم للسلة    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    خرست ألسنتكم داخل حناجركم    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    تقارير: الدوري السعودي مستعد للتعاقد مع محمد صلاح    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب (بث مباشر)    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    "المشاط" تشهد فعاليات جوائز التميز العربي وتهنئ "الصحة" لحصدها أفضل مبادرة عربية لتطوير القطاع الحكومي    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورة الناس.. الملجأ لك قبل وقوع أي شر..
نشر في صدى البلد يوم 23 - 04 - 2022

بسم الله الرحمن الرحيم﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾، ستة آيات تشكل آخر السور ترتيباً في كتاب الله الكريم،هي سورة الناس، وهي المعوذة الثانية بعد سورة الفلق، التي تحدثنا عنها سابقاً، وتأملنا في معانيها، وعرفنا أنها الملجأ والملاذ من كل الشرور الخفية التي تصيبنا من شر كل ما خلق الله، نأتي اليوم الى المعوذة الثانية لنكمل رحلتنا مع أشد هذه الشرور، وأخطرها على الإطلاق، وأكثرها تأثيراً في حياتنا كبشر، وهو شر الوسواس والوسوسة ، الشرالذي يسبق كل شر، وهو المحرك والباعث والمحرض لكل سوء، تعالوا نتأمل في معاني هذه السورة القصيرة التي تلخص لنا بإعجاز واختصار شديد معاني كثيرة جدا. هي مجرد تأملات في كتاب الله، ليس الغرض منها التفسير، والذي نتركه للمتخصصين، ومن هم أعلم منا بعلومه، لكنه مجرد تأمل وتدبر في آيات القرآن الكريم هو واجب مستحق علينا جميعاً.﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(محمد- 24).
تبدأ السورة بأمر مباشر للنبي صلى الله عليه وسلم ب﴿قُلْ﴾،وهو أيضاً بلا شك أمر مباشر لنا ولكل من تبع هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم،﴿قُلْ أَعُوذُ﴾، التجأ وأحتمي وأستجير،بمن؟، ذكرت الآيات في تسلسل عجيب ثلاث مقامات متتالية، رب الناس، ملك الناس،إلهالناس،نستعيذ بالله عز وجل من مقامالرُّبُوبِيَّةُ، ومقام الْمُلْكُ، ومقام الْإِلَهِيَّةُ،نستعيذ بك يا الله رباً وملكاً والهاً. لكن لماذا هذا التسلسل والترتيب؟،لماذا لم تأتي قل أعوذ بالله وكفى؟، الأكيد أنه لا مجال للتكرار هنا، فكل حرف في كتاب الله له تأثير خاص ودلالة ومعنى لا يؤدي دوره حرف آخر إن حل محله، إذاً، تعالوا نتأمل في هذا الترتيب ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾ الرُّبُوبِيَّةُ، وَالْمُلْكُ، وَالْإِلَهِيَّةُ.فهو الله رباً وملكاً والهاً مستحقاً للعبادة. لنكتشف أنه لكي نحتمي من شر الوسوسة بجميع أشكالها وصورها، يجب أن نلجأ الى الله وحده رباً وملكاً والهاً.
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، الله هو رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، هو خالق كل شيء ما علمنا منه وما لم نعلم، مفهوم الربوبية مفهوم شمولي عام لا استثناء فيهلشيء، فالله رب كل شيء شاء هذه الشيء أم أبى، فالرب هو المالك المتصرف، هو رب المؤمن ورب الكافر، لأنه من خلقهم ومن أوجدهم جميعاً، فهو المالك حتماً، وهو رب الناس، خالقهم وبارئهم ومصورهم، وفي هذا تفصيل أيضأ لكن لا مجال له الآن.الحقيقة التي تحكم هذا الكون أن له رب، هو الله، هو الذي أوجده ويملكه، هو رب كل شيء،لأنه خالق كل شيء،إذا نفهم من رب هنا أنه المالك، وهي ملكية خالصة لا ينازعه فيها أحد، فهذا الكون ملكاً خالصاً له حده، لأنه من أوجده وخلقه، وأجرى سننه، ووضع قوانينه التي تحكمه، ويتجلى اسم الرحمن في مقام الربوبية والتي سنخصص له مقالاً لاحقاً بإذن الله تعالى. فصفات الربوبية وصورها تجلت لله تعالى الرحمنفي كل كونه.
﴿مَلِكِ النَّاسِ (2)﴾ : الله لم يخلق هذا الكون وترك إدارته لأحد ، فالله هو الملك، الحاكم، الذي يحكم ويهيمن بإرادته الخالصةوقدرته اللانهائية كل شيء في كونه، هو وحده يدير هذا الملكوتويدبر فيه كل أمر، وتتجلى هنا أسماء حسنى وصفات علا لله عز وجل، فهو الحي القيوم الذي يقوم على شؤون خلقه، وهو لا يغفل عن كونه أبداً وهو العليم ، يحكم هذا الكون بعلم لا محدود لا نحيط بشيء من هذا العلم الا بما أراد الله لنا من طرق ووسائل ، وهو الحفيظ على ملكه ، وهو العلي العظيم ، وتجمع لنا آية الكرسي في سورة البقرة كل هذه الأسماء والصفات الإلهية العلا المتعلقة بالملك، تأملوا قول الله تعالى ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) ﴾ ، كلها من صفات الملك، فهو ﴿مَلِكِ النَّاسِ (2)﴾، وتأملوا كلمة كُرْسِيُّهُ وارتباطها بالملك﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ، وسع ملكه وحكمه كل شيء في ملكوت السموات والأرض.
﴿إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾: الإله هو المعبود، المطاع في أوامره وتكاليفه، والله عز وجل هو﴿إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾، أي أنه تعالى الوحيد المستحق للعبادة بحق منالناس، كل الناس،لكن شاء الله تعالى أن يترك للناس حرية الاختيار ولم يقهرهم على ذلك وهي الأمانة التي عرضها الله على الإنسان، أراد أن يأتيه عباده حباً له وطمعاً في عطائه، ويعبدونه ويتخذونه الهاً لهم بكامل اختيارهم وارادتهم، وقد يعبد الكافر الهاً آخر، ويتخذ غير الله معبوداً له، لأن الله شاء أن يترك عباده أحراراً في اختيارهم في مسألة الألوهية. لكن الربوبية حاكمة مسيطرة ، فالله ربك شئت أم أبيت ، لأنه من أوجدك وخلقك، وخلق السنن والقوانين الكونية التي ستحكمك أردت أم لم ترد، لكن الألوهية اختيار، ولم يقهرنا الله أن نعبده ونتخذه الهاً ، وعبد الناس على مدار التاريخ الهة غير الله ، وهذا هو الضلال المبين، فهم اتخذوا من لا يستحق الهاً ، وتركوا المستحق الأوحد لها بحق وهو الله ، وهذا هو الظلم الأكبر، لأن الظلم هو أن تجعل شيء في غير موضعه، فمن أظلم ممن وضع الألوهية في غير موضعها ، عبدوا مظاهر الطبيعة وعبدوا الأصنام وغيرها واتخذوها الهة من دون الله، ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة هود - 53) ، وتعجب مؤمن يس من اتخاذ قومه معبودا والهاً غير الله ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾، واتخذ قوم موسى العجل الهاً ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) ﴾ ، فخاطب موسى السامري من وسوس لهم بذلك ﴿... وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ (طه - 97) ، حتى أن الله يتعجب ممن عبد هواه واتخذه الهاً ، فصار لا يحتكم لشيء الا لهوى نفسه وشهواته ونزواته، وهذا هو الضلال المبين ، تأملوا قوله تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية – 23)
إذاً، نستعيذ بك يا الله رباً وملكاً والهاً،من ماذا؟ ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)﴾، الوسواس هو من يوسوس، أي فاعل عملية الوسوسة، والوسوسة هي حديث خفي متكرر لفعل شر، بالتأكيد شر، فلم ترد الوسوسة أبداً في القرآن لخير، وأكدت الآية أنه شر ﴿مِنْ شَرِّ﴾، معجمياً وَسْوس الشَّيءُ: أحدث صوتًا ناعمًا فيخفاء، ويقال لصوت الحلي وسوسة، لكن لماذا نقول إن الوسوسة هو فعل متكرر؟، من أين فهمنا هذا التكرار؟لو بحثت في آيات القرآن الكريم، سنجد أن جميع الأفعال الرباعية المضعفة في القرآن تفيد هذا المعنى ، التكرار ، فتكرارالحروف تنبيه على تكرارالمعنى ،دمدم، زلزل ، وسوس، عسعس، زحزح، كبكب، فالفعل زلزل ، قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ (الزلزلة: 1) ، فالزلزلة حركة سريعة شديدة متكررة ، والفعل دمدم،قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ (الشمس: 14) ، فالدمدمة هنا : تضعيف العذاب، وتكراره وترديده، والفعل زحزح ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (آل عمران: 185). ففي الزحزحة تكرير للزح الذي يعني الجذب بعجلة، والليل يعسعس في القرآن، أي يقبل ويدبر في تكرار قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) (التكوير: 17)، اذاً، فالوسوسة دائما متكررة، عن ابن عباس قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس" لاحظتم كيف أن الوسوسة مكررة بحسب الغفلة؟
وهي خفية، فالوسواس دائماً "خناس"أي متخفي، يتخفى ويلبس الأقنعة، كل الموسوسين هذه طبيعتهم الخنس والتخفي والتنكر، هذا هو ابليس كبير الموسوسين، وكذلك أيضاً كم من يوسوس لك من البشر، تجده خناس، تجده متخفياً في ثوب ناصح أمين، محب ودود، لا يظهر بشاعته وبشاعة ما يوسوس لك به أبداً، يتخفى بألف قناع،فلو أنت علمت الحقيقة، وأنما يحرضك عليه شر لك لما فعلته أبداً، صدقت يا ربي ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)﴾، فالوسوسة دائما هي تحريض لشر والوسواس دائماً خناس ولا يظهر أبداً بشاعة نواياه.
﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)﴾الوسوسة قد تكون اليك، أو تكون عليك، تكون اليك بمعنى أن يكون التحريض لك أنت بأن تفعل الشر، فتسئ لغيرك أو تضر نفسك فتذنب أو تقع في خطيئة، وقد تكون الوسوسة عليك، أي أن تكون الوسوسة لغيرك لكي يؤذيك أنت، وهي في كل الحالات تكون في صدور الناس، سواء كانت الوسوسة عليك لإيذائك أنت فتكون الوسوسة في صدر انسان أخر، أو الوسوسة اليك فتكون الوسوسة في صدرك أنت فأنت أيضاً من الناس، فالآية شاملة جامعة لكل الحالات.
﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾، فقد يكون الوسواس من الْجِنَّةِ ، الْجِنَّةِ هنا من خفوا ولا يمكن رؤيتهم ، ويشمل هذا الجن ، فهم سموا بهذا الاسم لخفائهم، وأشبعهم وكبير الموسوسين واقدمهم وهو الشيطان الرجيم، تأملوا ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾سورة الأعراف - آية 20 ، وفي سورة طه ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى﴾سورة طه - آية 120 ، لكن ليست الوسوسة دائماً من الشيطان أو من الجنة، فالوسوسة كثيراً ما تكون من الناس، وكم من انسان تصنع لك الود ، ووسوس لك فعل الشر ، أو وسوس لغيرك لكي يؤذيك أنت، وهو "خناس" أيضاً لأنه يتخفى ويتلصص ويظهر الخير والإخلاص لك ويخفى شره وحقده وقد تكون النفس هي من توسوس، وتطوع لك فعل الشر، وتزينه لك، أوبتحريك الشهوة إلى المعصية﴿َولَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾، إذا ، نحن نلتجأ الى الله تعالى رباً وملكاً والهاً أن يحمينا من شر كل من يوسوس سواء كان هذا الوسواس ممن خفي عنا من الجنة ، أو من الناس ، كل أنواع الموسوسين مشمولين في الآية ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾،ونفسك مشمولة في الاستعاذة لأنها من الناس .
لقدأمرنا الله عز وجل بأن نلجأ اليه ونتوسل اليه من كل الأبواب رباً وملكاً والهاً ليحمينا من شر الوسوسة، وهيأكبر الجرائم وأخطرها، لأن الوسوسة هي الجريمة قبل كل جريمة، وهي الشر قبل كل شر، وهي الدافع لكل مكروه، لأنها التحريض عليه، فلا شر يقع الا من وراء وسوسة انسان او شيطان أو نفس أمارة بالسوء وحديث خفي متكرر، هذه هي الحياة. هل رأيتم حجم القضية المطروحة في سورة الناس، آخر سور المصحف، الله تعالى يقول لنا بوضوح الجأوا الي أنا لكي احميكم من الشر حتى قبل وقوعه، أحميكم من الشر والسوء وهو لا يزال مجرد فكرة وتحريض ووسوسة لم تنفذ . وأحميكم من شر كل وسواس خناس.هل فهمنا الآن سر هذا الترتيب؟﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾، فنحن في أمس الحاجه لأن نطرق الأبواب الثلاثة مجتمعة باب الربوبية وباب الملك وباب الألوهية ، ونحتمي بالله رباً وملكاً والهاً ليحمينا من هذا الشر الأعظم، فإذا كان الموسوس من الجنة وأبشعهم الشيطان ، فأنت تستعيذ بالله رباً ، فهو ربك ورب هذا الشيطان شاء أم أبى، وهو القاهر عليه ، ستستعيذ برب الناس ، وإذا كان الموسوس بشراً يوسوس في نفس غيرك ليؤذيك فأنت تستعيذ بملك الناس ، الآمر الناهي في كونه ، بأن يحميك من هذا الشر ويدفع عنك هذا الشر، وتستعيذ برب الناس بأن يصرفهم بهيمته وقدرته عن ايذائك. وإذا وسوس لك أحدهم أو وسوست لك نفسك لإيذاء أحد أو إيذاء نفسك، فحتما من سيحميك من الوقوع في هذا الشر هو عبادتك لله الهاً، وحبك له وطاعتك له معبوداً مستحقاً للعبادة ، وخوفاً من غضبه وستستعيذ بإله الناس ، يتعدد الوسواس ويتخفى ويتشكل ويتصور بألف صورة وألف شكل، ويبقى الله وحده هو المعاذ والملجأ والملاذ والحامي من شر هذا الوسواس الخناس، وشر وسوسته وتحريضه على كل شر،فالاستعاذة هنا في سورة الناس ليست من الشر نفسه، انما من شر الوسواس الذي يحرض على الشر، أي أنك تطلب الحماية والعوذ من الله في المرحلة التي تسبق وقوعه الشر والإيذاء، مرحلة التحريض والوسوسة الخفية المتكررة ، التي ان نجحت وقع الشر، ما أعظمك الهاً رحيما بنا، تطلب منا اللجوء اليك لتحمينا من حتى التفكير والتحريض الى وقوع شر بنا أو بغيرنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.