نجح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان في نسج علاقة أخوية عميقة بينهما، قائمة على التلاقى الفكرى، والإيمان العميق بالقيم الإنسانية المستمدة من تعاليم الأديان، فالعلاقة بين الأزهر الشريف والفاتيكان شهدت فى السنوات الأخيرة نقلة غير مسبوقة، فبالداية كانت فى مارس 2013 عندما بادر الإمام الطيب بتهنئة البابا فرنسيس بتقلد رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، مؤكداً أن عَودة العَلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهون بما تُقدِّمه مؤسسة الفاتيكان من خطوات إيجابية جادّة، تُظهِر بجلاء احترامَ الإسلام والمسلمين. وعُقد اللقاء الأول بين الرمزين الدينيين الكبيرين فى الفاتيكان، فى 23 مايو 2016، حيث قال البابا فرنسيس للصحفيين عقب اللقاء أن «الرسالة من الاجتماع هى لقاؤنا بحد ذاته»، فيما أشار البيان الصادر عقب اللقاء إلى أنه ركز على تنسيق الجهود من أجل ترسيخ قيم السلام ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض.
ويلعب الدين دورًا كبيرًا في الأحداث اليومية والمعاصرة، فضلًا عن كونه طريقًا للصفاء النفسي ورحلة للتعرف على الخالق، ويُعد أحد أهم المكونات التي تشكل هوية الفرد في المجتمع، والتي من خلالها يتشكل سلوك الفرد تجاه الآخرين. وفي ظل التحديات المعاصرة تضاعفت الجهود على المؤسسات الدينية العريقة التي تأخذ على عاتقها أداء هذه الأمانة على أتم وجه، كي ينعم الناس كل الناس بالسلام وليستقيم ما أعوج من أمور الحياة، يأتي على رأس هذه المؤسسات الأزهر الذي كان ولم يزل كيانًا صلبًا راسخًا ينير الطريق أمام الجميع، يخوض التحديات ويواكب ما استجد من مستحدثات العصر، يحارب كل منشق عن تعاليم الدين السمحة، ويجابه كل مخالف بغير حجة أو بينة، يمد يد السلام والمودة للجميع على اختلاف الأجناس والأعراق والديانات. وتعانقت كل من يد السلام ويد المحبة منذ أن استأنف الحوار بين الأزهر والكنيسة، ليتخذ نمطًا أكثر قوة وصلابة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها قامتان كبيرتان تحملان على عاتقهما هموم شعوب وأجيال مستقبلية، شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان. صرحان كبيران، جمعتهما دراسة العقيدة والفلسفة قبل أن تجمعهما الأعباء الدينية، ومساعيهما المشتركة في نشر السلم والسلام العالمي، فالمقدمة المختصرة السابقة تشير إلى المسار التعليمي والمهني لقداسة البابا والإمام الأكبر، وتبرز من خلالها القواسم المشتركة بينهما، بداية من دراسة الفلسفة التي كان لها بالغ الأثر في تكوين شخصية كل منهما، وأثمرت أيضًا فيما بعد بتطبيق بعض نظرياتها على القضايا الشائكة التي اختلف فيها الأقدمون ثم الجانب الأكاديمي في حياتهما، فمن معلم يخاطب طلابه، إلى إمام وحبر يخاطب قلوب الناس وعقولهم يتجسد فيهما صوت السماء ليخاطب النور الإلهي الذي استودعه الله في البشر، فتَرِقُ به الأنفس، وتهتدي به العقول، ويسترشد به كل باحث عن الطريق. الإمام الأكبر وقداسة البابا، شخصية تصنع الفارق بقراراتها الحكيمة، ومواقفها النبيلة التي تنُم عن بصيرة ودراية ثاقبة بمجريات الأمور، الشخصية التي لا تتردد في المضي قدما فيما هو صالح للعباد والبلاد، رغم الانتقادات التي لا تتوقف، فالشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الشخصية المسلمة التي جعلت من الأزهر مكانًا وملتقى للحوار فأسس بيت العائلة المصرية، المكان الذي يشعر فيه الزعماء الدينيون المسيحيون كما لو كانوا في بيتهم.
الإمام الأكبر يوقع على نداء قادة الأديان بشأن التغير المناخي شيخ الأزهر ينهى رحلة علاجه بألمانيا ويتوجه إلى روما لحضور مؤتمر قادة الأديان كما يترأس الإمام الأكبر مجلس حكماء المسلمين، وهو هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السِلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلة من علماء الأمة الإسلامية وخبرائها ووجهائها ممن يتسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطية، بهدف المساهمة في تعزيز السِلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتشرذم. سافر الإمام الأكبر في رحلات عديدة داعيًا إلى السلام وناشرًا روح التسامح والتعايش ونبذ العنف والكراهية، فتجده في فرنسا مؤازرًا ومساندًا لضحايا الإرهاب الغاشم في مسرح الباتاكلان مستنكرًا أي عمل إرهابي، ومن قلب البرلمان الألماني يصرح بأن "قادة الرأي الدينيين تقع عليهم مسئولية كبيرة في نشر ثقافة التعايش والتسامح، وأن جميع الأديان تتبرأ من الإرهاب والقتل وترويع الآمنين". البابا فرنسيس يثبت وبقوة أنه بابا يحمل رسالة السلام للجميع "بالرحمة والغفران والسلام"، انطلقت مسيرة البابا فرنسيس معلنًا عن يوبيل استثنائي "يوبيل الرحمة" في عام 2015، جاء في نص مرسوم الدعوة: "نحن بحاجة على الدوام للتأمل بسرّ الرحمة، إنه مصدر فرح وسكينة وسلام، إنه شرط لخلاصنا، الرحمة: هي الشريعة الأساسية التي تسكن في قلب كلّ شخص عندما ينظر بعينين صادقتين إلى الأخ الذي يلتقيه في مسيرة الحياة، الرحمة: هي الدرب الذي يوحد الله بالإنسان، لأنها تفتح القلب على الرجاء بأننا محبوبون إلى الأبد بالرغم من محدوديّة خطيئتنا". عُرف البابا فرنسيس بقربه من العامة وبنشاطه ومساعيه الرامية لدفع الظلم عن الضعفاء ومناصرة كل ذي حاجة بحق، في صورة حية لنشر تعاليم الكتاب المقدس من تسامح ومحبة وسلام بين سائر البشر. ساهم البابا فرنسيس كذلك بدور كبير كقائد ديني سياسي في إعادة العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وكوبا، وقد أقر له بذلك، كل من الرئيس باراك أوباما والكوباني راؤول كاسترو، وقام قداسة البابا فرنسيس مؤخرًا بزيارة رسولية إلى ميانمار وبنجلادش، بدأت في السادس والعشرين من نوفمبر واستمرت حتى الثاني من ديسمبر من العام 2017، التقي قداسة البابا خلالها عددًا من القادة السياسيين ورجال الدين.
لقاءات شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان لقاء شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان اليوم ليس الأول من نوعه، حيث شهد الاثنان لقاءات وزيارات متبادلة عديدة، بعضها جاء على هامش القمم والمؤتمرات الدينية الكبرى، ويرصد «صدى البلد» منها:
-مؤتمر الأديان العالمي كان أول لقاء جمع شيخ الأزهر ببابا الفاتيكان، على هامش مشاركتهما في «مؤتمر الأديان العالمي»، الذي انعقد في مايو 2016 بألمانيا، تحت عنوان «السلام عليكم»، حيث التقى الطيب لأول مرة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، في اجتماع عقد بالمقر البابوي بالفاتيكان، للإعلان رسميا عن عودة الحوار مرة أخرى بعد قطيعة استمرت ل5 سنوات، بعد تصريحات البابا السابق بنديكت السادس عشر، التي ربطت بين العنف والإسلام.
المؤتمر العالمي للسلام وجاء اللقاء الثاني بين الطيب وبابا الفاتيكان في أبريل 2017، بمناسبة زيارة قداسة البابا فرنسيس لمصر، للمشاركة في المؤتمر العالمي للسلام، الذي أقيم بقاعة مؤتمرات الأزهر، وخلال اللقاء الذي جمعهما أكد كلاهما أن «لا للعنف باسم الدين».
ملتقى الشرق والغرب نحو حوار حضاري وفي نوفمبر 2017، جمع الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرنسيس لقاء بالمقر البابوي، بمدينة روما الإيطالية، على هامش الملتقى العالمي الثالث «الشرق والغرب نحو حوار حضاري» الذي انعقد بمقر المستشارية الرسولية بمدينة روما الإيطالية. وشهد اللقاء مباحثات حول قضايا النزاعات الطائفية والاضطهاد الديني والعنصرية إلى جانب قضايا نشر السلام والتسامح وقيم العدل والمساوة.
شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان يؤكدان مواصلة جهودهما لترسيخ قيم الحوار والتآخي الإمام الأكبر يوقع على نداء قادة الأديان بشأن التغير المناخي لقاء ودي في إيطاليا في أكتوبر 2018، التقى الدكتور أحمد الطيب، البابا فرنسيس، خلال زيارته إلى إيطاليا، في لقاء ودي أبدى له البابا فرنسيس تقديره، إذ أوضح أن الفاتيكان "يتطلع لمزيد من التعاون والعمل المشترك مع الأزهر، فالعالم بحاجة لجهود من يشيدون جسور التواصل والحوار، وليس لمن يبنون جدران العزلة والإقصاء". المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية كان اللقاء الأخير الذي جمع شيخ الأزهر والبابا فرانسيس في زيارتهم الرسمية إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، التي استغرقت 3 أيام خلال الفترة من 3 إلى 5 فبراير 2019، للمشاركة في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، والذي شهد توقيع الاثنان على وثيقة "الأخوة الإنسانية" في ختامه.