أرسل الله عز وجل الحبيب النبىّ صلى الله عليه وسلم بالحق بشيرا ونذيرا ليبيّن للناس حقيقة هذا الدين فى وقت وفى بيئة عمّ فيها الفساد وساد فيها الظلم وساءت الأخلاق، فكانت الدعوة لهذا الدين الذى يحمل كل معانى الخير والقيم النبيلة التى تنفع المجتمعات على اختلاف أشكالها وألوانها ومعتقداتها، هذه القيم والمبادئ الراقية تتمثل فى حسن الخلق الذى يجمّل الإنسان ويطوّر من علاقته مع الآخرين،وذلك من خلال الأسلوب والحديث والتعامل المتبادل بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية الناجحة. فالفرد يرتقى فيرتقى المجتمع الذى يعيش فيه ونجاح المجتمعات أخلاقيا يتوقف على نجاح الفرد من خلال حياته التى يعيشها، بل كل الأفراد ليصبح المجتمع مجتمعا راقيا، يُضرب به المثل فى الأخلاق والمعاملات الطيبة التى أمر بها الإسلام، فكانت بعثة النبىّ صلى الله عليه وسلم بهذا الدين لنشر الخير وإتمام مكارم الأخلاق"إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق" صحيح عن أبى هريرة. وفى رواية"لأتمّم صالح الأخلاق".. من خلال ذلك نقول: إنّ الأخلاق الحسنة منهج نبوىّ دعا إليه الحبيب النبىّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "اتّق الله حيثما كنت وأتْبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"أخرجه الترمذى وغيره عن أبى ذر.. وقال صلّى الله عليه وسلم:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" أخرجه الترمذى عن أبى هريرة.. هكذا علّم النبىّ صلى الله عليه وسلم أصحابه والأمّة كلها كيف يتخلّقون بأخلاق الإسلام فى علاقتهم مع بعضهم، بل فى علاقتهم وتعاملهم مع غير المسلمين، والدليل على ذلك أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: " وخالق الناس "ولم يحدد أىّ صنف من الناس؟ وأىّ أصحاب عقيدة؟، فهذا هو ديننا الذى يتطاول عليه أهل الإلحاد والشرك، وأهل الأهواء والباطل، ويتهمونه بدين التطرّف والإرهاب، وهو الدين الذى دعا إلى حسن الخلق والتسامح والعفو والرحمة والتلطّف واللّين، وفى حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم أيضا إشارة طيّبة وهى أنّ التقوى يصحبها حسن الخلق، فالأمر بالتقوى أولا ثم بحسن الخلق، وكأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم صاحب البلاغة والبيان يعلّمنا أنّ التقوى يلزمها حسن الخلق، وأنّ من حسُن خلقه كان من المتقين، والدليل على ذلك أيضا ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال:" تقوى الله وحسن الخلق". ومن هنا ندرك أيضا أنّ الخلق الحسن عبادة نافعة لصاحبها فى الدنيا والآخرة، أمّا فى الدنيا فإنّ خلقه الطيب يعود عليه بالنفع والخير، وذلك من خلال علاقته مع أهله، مع أسرته، مع الزوجة والأولاد، علاقته مع أصحابه وزملائه فى العمل،ومع الناس فى البيع والشراء،فى تقديم يد العون للناس وعدم التخلّى عنهم وقت الحاجة، علاقته الطيبة مع كل فئات المجتمع والتى تظهر من خلال مواقفه النبيلة التى تشهد له، وفوق كل ذلك علاقته مع ربه الذى يراقبه ويخشاه، لأنه يتعامل مع الناس من خلال علاقته بربه وهيبته له، وذلك هى المراقبة فى أبهى صورها، أمّا فى الآخرة من أنّ حسن الخلق عبادة نافعة لصاحبها، ففى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:" إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"صحيح أخرجه أبو داود وأحمد.. إنّه والله نعم الجزاء،يبلغ الإنسان هذه المكانة بدون تعب أو مشقة ليس إلا أنّه قد حسّن أخلاقه والتزم منهج النبىّ صلى الله عليه وسلم.. وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق" أخرجه الترمذى وغيره.. فإذا أدرك العبد درجة الصائم القائم بحسن خلقه، وإذا كان أثقل شئ فى ميزان العبد المؤمن يوم القيامة هو حسن الخلق فإنّ الجنة بعد ذلك هى جزاؤه وثوابه الذى هو نعم الثواب الذى وضّحه النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حديثه السابق حينما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، ولن يكتمل النعيم فى الجنة لصاحب الخلق الحسن إلا بصحبة النبىّ صلى الله عليه وسلم، فما أجملها من صحبة وما أشرفها من مكانة.. فعن جابر رضى الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أحبّكم إلىّ وأقربكم منّى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا".. فيكفى صاحب الخلق الحسن أنّه ينعم بصحبة سيد الخلق فى أعلى الجنان، فهذا قمة الشرف والمكانة والجزاء العظيم، بل تأمّل جيدا فى النصّ النبوىّ فقد أخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّ أحسن الناس أخلاقا هو مِن أحب الخَلْق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فالنجاة النجاة فى حُسن الخلق، النجاة النجاة فى اتّباع منهج النبىّ المصطفى صلّى الله عليه وسلم:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الأَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرًا"الأحزاب.. فهو القدوة لنا وهو المُعلّم،على هديه نسير ومن خلال منهجه نعيش، فهو صاحب الخُلق الحسن والأدب الجمّ والقلب التقىّ النقىّ،علّم الدنيا كلها الأخلاق،وعلّم الدنيا كلها السماحة وحُسن التعامل لأنّ الذى أدّبه وربّاه وعلّمه هو ربّه"وَإِنَّكَ لَعَلٕىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ".. ونختم بقول الله عز وجل:" وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ" فصّلت.. نسأل الله عز وجل أن يجمّلنا بالأخلاق، وأن ينعم علينا بصحبة النبى المصطفى صلّى الله عليه وسلم فى الجنة، إنه ولىّ ذلك والقادر عليه..