اعتبر المصريون القدماء، أن نهر النيل هو مصدر الحياة، وقد غذى المسار الثابت، المتجه شمالا، للنهر الوديان الخصبة في شمال شرق أفريقيا لملايين السنين، وبذلك شكل مسار الحضارة الإنسانية. ومع ذلك، فإن مسار النيل الذي لم يتغير كان لغزا جيولوجيا لأن الأنهار طويلة العمر عادة ما يتغير مسارها بمرور الوقت. لذا، قام باحثون من جامعة تكساس في أوستن بحل اللغز عن طريق ربط تدفق النهر بحركة الصخور في أعماق الأرض. وخلال الدراسة، وجد الباحثون أن عمر النهر الذي يتدفق عبر مصر أكبر بكثير مما يتخيله أي شخص، حيث قدر العلماء أن عمر النيل هو 30 مليون عام، أي حوالي ستة أضعاف ما كان يعتقد سابقًا. وقامت الدراسة، التي نشرت بتاريخ 11 نوفمبر في مجلة "Nature Geoscience"، بتقييم الصلات بين المعالم الجغرافية والمادية - أو التضاريس - لنهر النيل لتدفق الصخور المنصهرة في عباءة الأرض. ووجدت الدراسة أنه لو لم تبق حركة العباءة النهر في طريقه، لكان النيل قد تحول غربا منذ فترة طويلة، وربما غير مجرى التاريخ معه. وقال المؤلف الرئيسي كلاوديو فاسينا، الأستاذ بكلية علوم الأرض بجامعة يو تي جاكسون: "أحد الأسئلة الكبيرة حول النيل هي متى نشأ ولماذا استمر لفترة طويلة"، مضيفا: "في الواقع إن ما توصلنا إليه هو أمر مثير للغاية". ومن المفترض أن تحل النتائج جدلا طويل الأمد حول عمر النهر وأن تقدم دليلا على أن الحركة البطيئة للعباءة العميقة هي واحدة من القوى الرئيسية التي تشكل المناظر الطبيعية والعمليات الجيولوجية لأرضنا. وتتكون عباءة الأرض من صخور صلبة تتدفق مثل السائل على مدى فترات طويلة مثل التيارات في المحيط، ما يعني أن المناطق المختلفة من الوشاح لها أنماط حركة مختلفة، تتسبب في حدوث التغيرات الجيولوجية أو منعها، مثلما حدث في حالة مجرى نهر النيل. وفي الدراسة، ربط الباحثون بين الطبيعة المائلة لطبوغرافيا نهر النيل الذي ينحدر من الجنوب حيث منابعه، إلى الشمال حيث مصبه في البحر المتوسط، مرورًا بدلتاه في مصر، والحزام المتحرك من صخور الوشاح التي تمثل قوة دفع مواجهة للمرتفعات الإثيوبية في الجنوب، تسحب هذه الصخور حوض النهر إلى أسفل، وهو ما حافظ على التدرج اللطيف لنهر النيل ثابتًا في اتجاه الشمال على مدار كل هذه الملايين من السنين. كما أجرى الفريق البحثي محاكاة حاسوبية لإعادة إنشاء 40 مليون سنة من النشاط التكتوني للأرض، وأظهر النموذج أن ارتفاع درجة حرارة الوشاح ربما أدى إلى تدفق الحمم البركانية وتشكل المرتفعات الإثيوبية قبل 30 مليون سنة، وهي الفترة التي توقع فيها الباحثون في الدراسة ميلاد نهر النيل. وتشير دراسة نُشرت في عام 2015 في مجلة "نيتشر جيوساينس" إلى أن الانفجارات البركانية الكبيرة كان لها تأثير كبير على الأنهار، وتزيد في بعض الأحيان من تدفقها، وفي أحيان أخرى تقلل من هذا التدفق إلى مستويات ضئيلة.