في ظل هذه الحالة غير المسبوقة من الصراع والاستقطاب السياسي حول مفاهيم الحكم وشرعيته التي نعيشها, تتعرض قضايا ومصالح وطنية جوهرية وحيوية للخطر ، وأخشي أن نعجز في يوم قد يتوقف فيه كل هذا الصراع والاستقطاب السياسي عن لملمة ما قد يكون قد بقي متماسكا من أشلاء هذا الوطن. كما أخشي أن يكون ما نندفع نحوه من صراعات الآن تحقيقا لما يمكن وصفه ب كتالوج الشرق الأوسط الجديد من تفكيك وتقسيم وتفتيت وخلط للمفاهيم والأولويات, والانقلاب رأسا علي عقب علي كل ما كنا نتعلمه ونناضل من أجله علي مدي عقود طويلة مضت من بناء مصر قوية وقائدة وقادرة علي قيادة مشروع أمة تواقة لأن تكون كريمة وعزيزة بين الأمم. وللتذكير أنوه هنا إلي أن مشروع الشرق الأوسط الجديد جاء الحديث عنه للمرة الأولي علي لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس في أثناء الحرب الإسرائيلية المدفوعة والمدعومة أمريكيا علي لبنان صيف.2006 فقد أفصحت الوزيرة الأمريكية أن من رحم هذه الحرب سيولد شرق أوسط جديد, وكانت تعني صيغة بديلة ومعدلة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي دعا له رئيسها جورج بوش كغطاء لغزو العراق واحتلاله عام2003 وهي الحرب التي رفعت شعار إعادة ترسيم الخرئط السياسية في الشرق الأوسط, وفق الهوي والمصالح الأمريكية وفي مقدمة هذه المصالح الكيان الصهيوني. دعوة إعادة ترسيم الخرائط هذه كانت تعني إعادة تقسيم الدول العربية بشكل أساسي وبعض الدول المجاورة, وكانت خلفية هذا التقسيم ما كتبه توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز( كاتب أمريكي يهودي من أصل روسي) من أن الإرهاب العربي الذي وصل إلي الولاياتالمتحدة في11 سبتمبر2001 لم يكن سببه الانحياز الأمريكي لإسرائيل ولكن سببه ما أسماه ب الدولة العربية الفاشلة التي أرجع فشلها إلي مشروع اتفاقية سايكس بيكو لعام1916 الذي قسم الوطن العربي إلي دول غير متجانسة عرقيا أو دينيا أو طائفيا, وأن الحل هو إعادة رسم الخرائط وإنتاج دول أو دويلات أكثر تجانسا وأكثر استقرارا, ما يعني أن التقسيم هو الحل. جاء مشروع الشرق الأوسط الجديد علي لسان كوندوليزا رايس كبديل لمشروع الشرق الأوسط الكبير لكن برؤي أخري كانت لها علاقة مباشرة بالحرب علي لبنان. أهم هذه الرؤي أن تتراجع أولوية الصراع العربي الإسرائيلي في إدارة العلاقات الإقليمية وأن تكون الحرب علي الإرهاب هي الصراع الإقليمي البديل للصراع العربي- الإسرائيلي. وأن يتغير العدو التقليدي لدول المنطقة وهو إسرائيل لتحل إيران محله, أي أن تكون إيران هي العدو للعرب وليس إسرائيل, باعتبار أن إيران هي الداعم الأهم للإرهاب, وكان الإرهاب هنا يشمل كل منظمات وأحزاب المقاومة العربية أو كل من يعادي إسرائيل. ولكي تتحول إيران إلي عدو فلابد من تفجير الصراع المذهبي السني الشيعي بين المسلمين سواء بين الدول أو داخل الدول, بحيث يختفي تماما كل حديث عن إسرائيل كعدو وينسي العرب تماما القضية الفلسطينية. هذه الدعوة كانت المدخل إلي فرض استقطاب جديد في المنطقة بين محور اعتدال ضم الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي إضافة إلي مصر والأردن, ومحور للشر ضم إيران وسوريا وحزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين, كما شجعت هذه الدعوة وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينذاك تسيبي ليفني علي التجرؤ والمطالبة بأن تنضم إسرائيل إلي ما أسمته ب الحلف السني ضد ما سبق أن اسماه ملك الأردن ب الهلال الشيعي الذي يضم من وجهة نظر تلك الوزيرة: إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان. بعض مخرجات هذا المشروع أراها تفرض نفسها علي الصراع السياسي الدائر الآن في مصر, ففي غمرة الاستقطاب بين قوي معارضة تضم معظم فصائل التيارات المدنية والديمقراطية( الليبراليون والقوميون والناصريون واليساريون) وقوي حاكمة تضم فصائل التيار الإسلام السياسي امتد الصراع بين الطرفين إلي موقف عدائي غير مبرر من إيران شاركت فيه بعض أطراف المعارضة بالإفصاح وبالصمت وموقف عدائي من القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وهو موقف أخذ شكل العداء والاتهامات غير المدققة لحركة المقاومة الإسلامية حماس. العداء لحركة حماس سببه العداء للإخوان المسلمين باعتبار أن حماس جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, وامتد العداء لحركة حماس إلي كل ما هو فلسطيني وهذا هو الخطر الداهم, لأن العداء للشعب الفلسطيني بدافع العداء للإخوان يمكن أن يقود إلي الاقتراب من الكيان الصهيوني من منطلق مقولة عدو عدوي صديقي. كما أن اتخاذ المعارضة المصرية موقفا سلبيا من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لمصر التي جاءت ضمن مشاركته في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت بالقاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين, تقودنا- تلقائيا- إلي الالتقاء مع مشروع الشرق الأوسط الجديد بأهدافه الخطيرة, وهذا الموقف السلبي من زيارة الرئيس الإيراني يرجع إلي أن الزيارة جاءت والإخوان يسيطرون علي الحكم أخذا بمقولة صديق عدوي عدوي. هذا المنظور الخطير أخذ يفرض نفسه علي مواقف قوي سياسية مصرية تجاه قضايا شديدة الأهمية بعضها يعتبر قضيتنا المركزية أي فلسطين التي عشنا ومازلنا نعيش نعتبرها أنها قضية الأمة العربية كلها ونعتبر أن الكيان الصهيوني هو عدونا الاستراتيجي وبعضها يخص نمط إدارة علاقاتنا الإقليمية وفق خريطة توازن القوي في الإقليم. فالصراع السياسي الداخلي علي الحكم وشرعيته مع الإخوان المسلمين صراع يجب ألا يمس قضايا استراتيجية عليا, ففلسطين ليست قضية الإخوان بقدر ما هي قضية كل القوي السياسية المكونة لجبهة الإنقاذ ولكل الشعب المصري. والعلاقة مع إيران هي قرار وطني استراتيجي في حاجة إلي تدبر إذا كنا مازلنا نعتبر أن الكيان الصهيوني عدونا الاستراتيجي, فليس أمامنا غير تركيا وإيران كقوتين إقليميتين إضافة إلي إثيوبيا يجب أن نتعامل معهم كشركاء وأصدقاء إن لم نستطع أن نتعامل معهم كحلفاء. من حقنا أن نتجادل وأن نختلف لكن مثل هذه القضايا الاستراتيجية وكل ما يمس الأمن القومي ومؤسساته الدفاعية والأمنية يجب أن تبقي بمنأي ومعزل عن دائرة صراع التدمير المتبادل بين الحكم والمعارضة قدر الإمكان كي يبقي لنا شيء له اعتباره يمكن أن نبني عليه بعد أن يتوقف هذا الصراع, وحتي لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا سورة النحل: الآية92, وكي لا نكون أدوات لتحقيق ما كانت تأمله كوندوليزا رايس من شرقها الأوسط الجديد. نقلا عن " الأهرام"