ينبغي أن يبقي علماؤنا الأجلاء من رجال الدين في موقعهم ومكانتهم في القلوب.. مازلنا نذكر حفاوة الإنسان المصري برجال الدين مسلمين ومسيحيين. كانت لهم مكانة خاصة جدا في البيت والشارع والمسجد والكنيسة وأماكن العمل.. كانت تحيط برجل الدين دائما هالة من الوقار كلاما وسلوكا وحوارا وموقفا.. في الريف المصري كان رجل الدين هو الذي يتصدى لحل مشاكل الناس، وكانت أقسام الشرطة تستعين برجال الدين في الكثير من الأزمات ابتداء بجرائم القتل وانتهاء بالمشاجرات العادية.. وكان رجل الدين هو إمام المسجد الذي يدعو إلى الله بكل الصدق والترفع والسماحة، وكان يمثل فرحة المواطنين في الأفراح ويشارك الجميع في المحن والأزمات، وارتبطت صورة رجل الدين دائما بالحوار الهادئ والكلام الرصين والإقناع والبساطة. لم يكن رجل الدين إنسانا عاديا في سلوكه، فقد كان دائما حريصا على مظهره أمام الناس وكان علمه يسبقه في كل مكان.. وقد حافظ المصريون طوال تاريخهم على هذه المكانة مظهرا وسلوكا بعيدا عن التشدد والتطرف والغلو.. ولكن يبدو أن بحار السياسة جرفت أسماء كثيرة من رجال الدين في العصر الحديث، خاصة أن الكثيرين منهم لم يكونوا ضيوفا على موائد العلم والعلماء ولم تتوافر لهم إمكانات الدراسات الدينية كما ينبغي.. ودخلت في هذه الساحة أسماء كثيرة بعيدة كل البعد عن سماحة الأديان وقدسيتها ولهذا وجدنا أساليب مختلفة للحوار أبعد ما تكون عن تلك المكانة التي احتلها رجال الدين في قلوب الناس.. طغت السياسة على أساليب الحوار ودخلت بها إلى متاهات من الشتائم والبذاءات والحوارات التي لا تتناسب مع جلال الأديان وسماحة رجال الدين.. على الفضائيات الآن شتائم وألفاظ لا ينبغي أبدا أن تأتي على لسان رجل يقرأ القرأن ويرتل آياته.. وقد ترتب على ذلك ظهور معارك في الإعلام بين رجال الدين والفنانين والإعلاميين والسياسيين وحين يتحول رجل الدين إلى الهتاف لحزب أو فصيل أو جماعة فهو يهبط من قمم الأديان إلى سفوح السياسة، وشتان بين من يتلو كتاب الله ومن يقرأ منشورا سياسيا رديئا. نقلا عن "الأهرام اليومى"