التحرش الجنسى ظاهرة عالمية موجودة فى جميع أنحاء العالم بوجه عام ولكنها تتفاوت من حيث المعدلات التى يتم رصدها على أرض الواقع، والتحرش الجنسى كما عرفه المركز المصري لحقوق المرأة هو "كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان"، ويعد أبرز من اُتهموا ووصموا بهذا الفعل المشين الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون كذلك أيضا موشيه كاتساف، رئيس إسرائيل السابق، وقد يبدأ التحرش الجنسى فى الغالب من مجرد محاولات كالتلميح فى صورة تعليقات جنسية غير مرغوبة مثل النكات أو الأقوال الشائعة الاستخدام ولها مضامين استحسان أو إيحاء جنسي، وقد يتدرج التحرش الجنسى ليصل إلى أقصى درجات التصريح والممارسة. وللقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها بصورة كبيرة فلابد أن نبحث أولا عن أسبابها ودوافعها لنضع أيدينا على طرق العلاج الصحيحة، لاسيما وأن هذه الظاهرة الخطيرة باتت تهدد بناتنا ونساءنا فى كل وقت وفى كل مكان. ولكى نتتبع أصل بداية الظاهرة فلنبدأ من داخل منزل "مشروع المتحرش الصغير"، وشرارتها تنطلق من أخطاء الوالدين فى اعتقادهم الخاطئ بأن ابنهم مازال صغيرا لايدرك مايدور حوله من أمور المداعبة التى قد تحدث بينهما أو ممارسة حق الزوجية أمامه، فى حين أن هذا الأمر يترك أثرا بالغ السوء فى نفس الصغير بل ويخلق لديه الرغبة فى التقليد لما يراه عند أول فرصة تسنح لهذا المتفرج غير المقصود. فضلا عن ذلك مشاهدة المناظر الساخنة بالتلفاز وما أكثرها، لاسيما مع وجود الأقمار الصناعية العربية والأوروبية والتحرر فى عرض الأفلام شبه الجنسية وغيرها التى تؤثر فى نفوس الصغار والكبار معا، أضف إلى ذلك ضيق المساكن لاسيما فى المناطق الشعبية الفقيرة والتى لا تستطيع فيها الأسرة التفرقة بين الأطفال فى المضاجع مما يخلق نوعا من الرغبة المكبوتة لدى الصغار لاسيما ولو استشعروا أو شاهدوا أو سمعوا همس ما يحدث بين الوالدين من ممارسات شرعية. وعلى الفتيات أيضا دور كبير فى الحد من هذه الظاهرة بالاحتشام فى ارتداء ملابسهن، فالذى يدفع الشباب إلى الإقدام على هذا السلوك - وهذا ليس دفاعا ولا تبريرا لهم - هو الملابس العارية والقصيرة والملتصقة والشفافة التى تبرز جميع مفاتنهن، أضف إلى ذلك المكياج الصارخ الذى يثير الانتباه لهن مما يدفع هؤلاء الشباب إلى الإتيان بمثل هذه التصرفات غير المقبولة والمرفوضة تماما، أيضا عدم غرس القيم الدينية لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم وحثهم على الصلاة وتعريفهم معنى الحلال والحرام فى كل تصرفاتهم، بالإضافة إلى أن الظروف الاقتصادية وارتفاع سن الزواج يجعلان الشاب والفتاة يشعران بكبت عاطفى يخرج بشكل غير لائق لا يرضى الله ولا يرتضيه المجتمع. والتحرش الجنسى أنواع، فهناك حالات من التحرش الجنسى كثيرة تتم برضاء طرفى العلاقة الجنسية نتيجه لما أوضحناه سلفا، فمنها ما قد يأخذ صورة من صور التحايل على تقنين الحرام بوضعه فى صورة تبدو حلالا لتبرير الخطأ الجسيم وهو مايعرف ب"الزواج العرفى"، والذى أعتبره من وجهة نظرى المتواضعة نوعا من أنواع التحرش الجنسى الرضائى، والذى انتشر بصورة كبيرة فى الجامعات المصرية، ولذلك فعندما حث النبى (صلى الله عليه وسلم) الشباب على الزواج عند الاستطاعة فقد كان يعلم جيدا خطورة هذا السن ومتطلباته، كما نصح بالصيام عند عدم القدرة ليكون حماية له من الوقوع فى الرذيلة وفعل سلوكيات غير مقبولة، ولكن كلمة للشباب الذين يقدمون على هذه الأفعال التى تبدأ بالتحرش بالكلمات واللمس والجذب إلى الوقوع فى جريمة الزنى والعياذ بالله، أقول ماقاله الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) للشاب الذى أراد أن يزنى فسأله: "أترضاه لأمك؟"، قال: "لا"، قال: "أترضاه لأختك؟"، قال: "لا"، فكان درسا مفيدا له أن مالا نرضاه لأمهاتنا وأخواتنا لا نرتضيه للأخريات. وعلى الدولة دور كبير فى منع هذه الظاهرة من خلال عدة محاور تأتى فى مقدمتها التوعية والردع مثل: توعية النساء بحقوقهن وتشجيعهن على الإبلاغ عن أي مضايقة أو تحرش يتعرضن له، فإن الحملة تدعو أعضاءها لمواجهة المتحرشين في الشوارع وأمام الملأ بغية تسليط الضوء على ما فعلوه، وإصدار قوانين صارمة تنص على معاقبة المتحرشين بشتى صنوف العقاب بدءاً من الغرامة المالية وحلق الشعر وتسجيل ما وقع منه بصحيفة حالته الجنائية "متحرش" لتكون وصمة عار فى جبينه تجعل من يقدم على هذ العمل يفكر آلاف المرات قبل الإقدام عليها وحتى السجن المشدد، بالإضافة إلى إنشاء جمعيات لمساعدة الشباب والفتيات فى سن الزواج لتيسير وإتمام زواجهم حفاظا عليهم. فضلا عن مشكلة البطالة التي يجب القضاء عليها بتشغيل هؤلاء الشباب والاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم الهائلة، لعن الله البطالة فهى التي تجعل الشاب يرى الحياة من منظور أسود، فهو - وليس دفاعا عنه - يقوم بهذا العمل لأنه لا يجد ما يشغله، فمنذ الصباح الباكر وهو يجلس على القهوة أو يتسكع في الشوارع مع أصدقاء السوء أو يقف أمام مدارس البنات وقت خروجهن. وعلى رجال الدين أيضا دور كبير فى الحد من هذه الظاهرة، وذلك من خلال عقد ندوات أو برامج إعلامية أو بزيارة المدارس أو الجامعات لكي يقوموا بتوعية الشباب لكي يتجنبوا هذا الفعل القبيح وبيان الحكم الشرعي فيمن يرتكب مثل هذا العمل اللا أخلاقى. وعلى الأسرة أيضا دور كبير فى الحد من هذه الظااهرة من خلال توعية أبنائها وفرض رقابة مهارية حرفية على أبنائها وبناتها، فمثلا البنت لا تترك لترتدى ما تشاء لاسيما ما يظهر مفاتنها، فيجب توعيتها دوما بأننا نعيش فى مجتمع شرقى له عاداته وتقاليده وغير مقبول منها ذلك، وكذلك الشاب يجب أن يجد من يقومه وينصحه ويؤكد له أن هذه البنت التى تضايقها مثل أختك يجب أن تحافظ عليها، وأن هذا العمل لا يرضى الله ولا رسوله (صلى الله عليه وسلم) . وعلى المدرسة أيضا دور لا يقل أهمية عن دور الأسرة، من خلال الرقابة على التلاميذ من الجنسين واحتوائهم وتعويضهم عن دور الأسرة لو كان غائبا مع بعض الأطفال وتفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين بالمدارس والاستعانة بالأطباء النفسيين إن لزم الأمر لتقديم المشوررة والعلاج. أما رجال الشرطة، فمسئولون مسئولية كاملة أمام الله عن حماية بناتنا ونسائنا من هؤلاء المرضى النفسيين وهم من نسميهم "المتحرشون"، فليس من اللائق برجل شرطة أن يقف مكتوف اليدين وهو يرى فتاة تمتهن كرامتها أمامه أو تختطف تحت تهديد السلاح، فلو تخيل للحظة واحدة أن هذه الفتاة هى ابنته وأن هذه المرأة هى أخته أو زوجته لتغير موقفه تماما، عار على جهاز الشرطة الذى يعد من أقوى أجهزة الشرطة فى العالم أن يعتدى على المرأة أمامهم وهم عاجزون. نساؤنا هم عفتنا وكرامتنا فإذا امتهنت أو أهينت هذه الكرامة فالموت أكرم لنا، فلنتوحد لنحفظ كرامة لمرأة التى هى أمى وأختى وزوجتى وابنتى حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.