منذ الطفولة و أنا أعيش فى أسرة معتدلة الحال ، لكنى هنا لا أقصد الحال المادى ، لكنى أقصد الحياة الدينية ، فأهلى لم يكونوا متتشددين أو متعصبين فى تربيتى أنا و أخوتى الذكور . مررت بالعديد من المراحل العمرية حتي وصولى إلى ما أنا عليه الآن ، لكن أمى كانت رفيقة دربى فى جميع الأوقات ،فى العسر و اليسر ، ربتنى على أننا أصدقاء و أنه لا يوجد أسرار بيننا ..فتعودت أن أقص عليها كل ما حدث بيومى و كنت دائمًا ما أجدها تصغى إلىّ بكل أهتمام . علمتنى أمى بعض القواعد و تعاليم الدين و أعطت لى مفتاح الحياة إلا و هو التمسك بكتاب الله و مبادئ الدين ، فتربيت على مبادئ و قواعد لم يمكننى أن اتخلى عنها قط و لكن عند وصولى إلى مرحلة المراهقة و عندما بدأت أن اندمج فى مسرح الحياة، وجدت نفسى بين المطرقة و السندال . مرحلة المراهقة ، هى المرحلة الوسطى التى يمر بها كل انسان خلال مراحل حياته ، لكنى شديدة الإيمان انها ليست مرحلة تمضى مثل بقية الحياة ، لكنها سلاح ذو حدين ، إما أن نستغله أستغلالًا صحيحًا و ننطلق إلى أداء الرسالة التى قد خقلنا من أجلها ، أو يسرقنا إلى ما يسمى " طريق اللي يروح ميرجعش " . من الطبيعى أن يحدث لنا تغييرات فسيولوجية خلال هذه المرحلة ، بجانب التغير الجسدى ، تتغير أفكارنا و خواطرنا ، يتقلب مزاجنا ، و تنمو عقولنا و تصبح فى طريقها إلى تبنى أفكارًا جديدة ، و تختلط مشاعرنا ما بين حب و كراهية و أستقلال بالذات و الاحتياج إلى أناس حولنا ، و ينمو لدينا شعور " كل حاجة و عكسها" عند بداية مرحلة الثانوية ، وجدت أن كل ما علمته لى أمى لم يكن مناسبًا للتقألم مع المجتمع الخارجى ، فوجدت أن كل من حولى يتعامل بأسلوب يخالف ما تربيت عليه ، من يشرب السجائر و يعصى والديه حتى لا يقال عليه " عيل توتو " أو " داا مش راجل " انطلاقًا من مبدا " إن السجائر و المخدرات تصنع الرجال " و وجدت من يعامل الجنس الآخر بطريقه غير محببة و بطريقة قد تكون تجاوزت كل الديانات و يتخذوا منهم ما يسمى " البوى فريند أو الجيرل فريند " ضاربين بالشرع و الديانات و الأخلاق عرض الحائط واهمين أنهم سوف يكونوا " روشين " و لكن من التزموا بأخلاقهم يُقال عليهم " معقدين جدًا " و ازدادت الصعوبات عند دخولى المرحلة الجامعية ؛ فوجدت نفسي تائهه ، لا أجد الطريق ، و بدأ الصراع النفسى بين العقل و القلب ، بين الخطأ و الصواب ، هل اتمسك بما تربيت عليه و تعملته أَم أغير نمط حياتى لكى أصبح مثل الأغلبية العظمى من الشباب ..كنت حائرة ، لا أدرى ماذا يجب علىّ أن أفعل ، أتمسك بدين الله و قواعد تربيتى السليمة ام اتخلى عنها ..كدت أن أجن جراء هذا الصراع النفسى . رجعت إلى ديني و قرأت أكثر و وجدت أن الله قد شمل بعدله و رحمته كل الأزمنة و الأحوال ، وجدت أن الله علام الغيوب يدرى بما سوف يقابل عباده ، فصليت و دعيت و كررت دعائى لكى يهدينى الله إلى صراطه المستقيم و يرشدني و ينجيني من هذا الصراع النفسى الذى كان على وشك أن يقلب حياتى رأسًا على عقب . لكنى وجدت حديث لعلى أبن ابى طالب و هو يقول "لا تربوا أبناءكم كما رباكم أباؤكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم". فهذا فن من فنون التربية لا يدركه الكثير من الناس فيخطئوا فى تربية أبناءهم ، أما بالتشدد أو بالأهمال . و بمناقشة هذه القضية مع والدى ، وجدت أنه قد واجهها من قبل و عبر عنها كاتبًا لأبيات شعرية تنص على : أود أن اصادق أناس يعرفونى أناس يفهونى ليسوا كهؤلاء صداقتهم جفاء و وجودهم وباء يبحثوا عن خطئية بطريقة بلهاء . أعلم يقينًا أن هذه القضية ليست جديدة ، و تم مناقشتها عدة مرات من قبل ، و تقابل الأجيال واحدًا تلو الأخر إلا إنها لم تجد من يتصدى لها و يضع لها الحلول الواضحة ، لكنها تدل على أن نسبة أولئك الذين يتمسكون بالمبادئ و الأخلاق ما هم إلا قطاع ضيق جدًا ، حيث يجدوا أنفسم يغرقون وسط أمواج متتالية من فاقدى الأخلاق .