كثير منا لا يعرف ما هي فتنة المحيا والممات التي يستعيذ بها الانسان المؤمن دائما عندما يدعو في صلاته بعد الانتهاء من التشهد بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». فسر كثير من العلماء فتنة المحيا: أنها هى الإنغماس في الدنيا وشهواتها وينسى الآخره ولا يعمل لأجلها شيئا وهذا أنكره الله سبحانه وتعالى بقوله: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»، وأكبر فتن الدنيا الشبهات: أي أن يقع في قلب الانسان شك وجهل فيما أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله الحبيب . أمّا فتنة الممات ففسرها العلماء أنها تشمل على شيئين مهمين الأول: ما يحدث عند الموت، والثاني: ما يحدث في القبر، أما الأول وهو ما يحدث عند الموت: فان الشيطان يحرص على إغواء بني آدم وهم على فراش الموت فيحاول أن يحول بين المرء وقلبه والمرء وربه لأنها ساعة حاسمه يريد بها الشيطان الانتصار لكي يخرج الإنسان عن الإسلام ويميته على الكفر، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ». وذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه كان حين احتضاره يغمى عليه فيسمعونه يقول: بعد، بعد فلما أفاق، قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك بعد بعد؟ قال: إن الشيطان يتمثل أمامي يقول: فُتّني يا أحمد فُتّني يا أحمد، فأقول له: بعد ، بعد -يعني- لم أفتك، لأن الإنسان لا ينجو من الشيطان إلا إذا مات، ويقول الإمام أحمد: إني أقول بعد بعد أي لم أفتك لجواز أن يحصل من الشيطان فتنة عند موت الإنسان، وقد سميت هذه الفتنة بفتنة الموت لقربها منه. أمّا الثاني ما يحدث في القبر: فان الإنسان إذا مات ودفن وذهب عن أحبابه وأهله وأصحابه اتاه الملكان كي يسألانه عن ربه ودينه ونبيه وكتابه وهنا المؤمن يجيب بسرعه عن ربه ونبيه ودينه وكتابه فيقول ربي الله وديني الاسلام ونبيي محمد فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة ويوسع له في قبره ، وأما الكافر والعياذ بالله أو المرتاب فيقول ها ها لا أدري يطمس عليه حتى وإن كان في الدنيا يعرف ذلك يقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته وقلبه والعياذ بالله لم يدخله الإيمان فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. وروى وفي "الصحيحين" من حديث قتادة عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه؛ إنه ليسمع خفق نعالهم؛ أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله قال فيقول انظر إلى مقعدك من النار؛ قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال: رسول الله: فيراهما جميعا، قال: فأما الكافر والمنافق؛ فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطارق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة، فيسمعها من عليها غير الثقلين».