يبدو أن المراهنة على تولي امرأة لرئاسة المنصب الأممي الرفيع قد تبخرت، بما في ذلك تطلعات روسيا بأن تتولى هذا المنصب امرأة من أوروبا الشرقية، حيث أعلن السفير الروسي لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين أن رئيس الوزراء البرتغالي الأسبق أنطونيو جوتيريس هو الأوفر حظًّا لخلافة بان كي مون في منصب الأمين العام للمنظمة الدولية، وذلك بعد تصويت غير رسمي بالإجماع جرى الخميس في مجلس الأمن. وصرح تشوركين الذي يتولى رئاسة مجلس الأمن اعتبارًا من مطلع أكتوبر الجاري حتى نهاية الشهر، تبعًا للترتيب الهجائي لأسماء الدول الأعضاء باللغة الإنجليزية، إن جوتيريس هو خليفة بان كي مون بوضوح، مضيفًا أن المجلس صوت رسميًّا الخميس، لتأكيد اختيار المرشح، وقال "نتمنى كل التوفيق لجوتيريس حين يتولى مهام منصبه الجديد في الأعوام الخمسة المقبلة". وأجرى مجلس الأمن الدولي جولة الاقتراع بصيغة جديدة، حيث اختلفت بطاقات الاقتراع للأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس بلونها، وهو أمر من شأنه أن يشير إلى ما إذا كان هناك توافق بين الأعضاء الدائمين حول المرشح الذي يجب أن يقترحه مجلس الأمن على الجمعية العامة. وحصل أنطونيو جوتيريس على المركز الأول في جلسة مجلس الأمن، لاختيار الأمين العام للأمم المتحدة الجديد، حيث أجرى مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوًا اقتراعات سرية على كل المرشحين العشرة، وحظي أنطونيو جوتيريس بموافقة 11 من الدول ال 15 الأعضاء، في حين عارض ثلاثة أعضاء ترشيحه، وأحجم عضو عن الإدلاء برأيه. أنطونيو جوتيريس ولد البرتغالي أنطونيو مانويل دي أوليفيرا جوتيريس في 30 إبريل 1949، ونشأ في العاصمة البرتغاليةلشبونة، درس الفيزياء والهندسة الكهربائية، وتخرج عام 1971، وبدأ ممارسة العمل الأكاديمي كأستاذ مساعد بالجامعة. بدأت حياته السياسية عام 1974 بعد التحاقه بالحزب الاشتراكي، وبعدها بوقت قصير ترك الحياة الأكاديمية، وتفرغ للسياسة، حيث تولى قيادة الحزب بعد انتهاء ثورة القرنفل عام 1974. تولى جوتيريس، والذي يبلغ من العمر 67 عامًا، منصب رئيس وزراء البرتغال السابق، من عام 1995 إلى 2002، واعتمد نهجًا ديموقراطيًّا عماده الحوار والمناقشة مع جميع قطاعات المجتمع، وهو أمر لم يكن معتادًا مع رئيس الوزراء السابق؛ مما تسبب في اكتسابه شعبية كبيرة جدًّا في السنوات الأولى من توليه منصبه، كما ساهم جوتيريس والحزب الاشتراكي في تحقيق توسع اقتصادي كبير للبرتغال عبر خفض العجز بالموازنة العامة وإنفاق المزيد على الرعاية الاجتماعية، وهو أمر ساهم في إعادة انتخاب جوتيريس من جديد عام 1999 إلى 2000، حيث رأس حينها رئاسة المجلس الأوروبي، وبعد ذلك تسببت الصراعات الحزبية الداخلية وبطء النمو الاقتصادي في تراجع شعبيته. استقال السياسي البرتغالي من الحزب الاشتراكي عام 2001؛ في محاولة لحماية البلاد من السقوط في مستنقع سياسي؛ مما دفع رئيس البلاد لحل البرلمان، ودعا لإجراء انتخابات جديدة، وتقاعد جوتيريس عن السياسة البرتغالية. عوامل أدت لفوز جوتيريس بالمنصب يبدو أن أحد أبرز العوامل التي لعبت دورًا كبيرًا في اختيار جوتيرس لمنصب الأمين العام للمنظمة الدولية هو معرفته السابقة بأعمال تابعة لأحد أكبر أذرع هذه المنظمة، الأمر الذي يجعله من أكثر المرشحين التسعة حظوظًا بهذا المنصب؛ نظرًا لخبرته الطويلة في هذا المجال، ففي مايو 2005 انتخب جوتيريس المفوض السامي لشؤون اللاجئين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستمر في هذا المنصب لمدة عشر سنوات، وبذلك يكون جوتيريس قد رأس واحدة من أكبر المنظمات الإنسانية في العالم مع أكثر من 9000 موظف، يعملون في 123 دولة، لتوفير الحماية والمساعدة لأكثر من 46 مليون لاجئ والعائدين والنازحين داخليًّا وعديمي الجنسية، كما أنه كان يدير ميزانية المنظمة المالية، والتي بلغت 6.8 مليار دولار أمريكي في عام 2015. السبب الثاني هو أن توقيت انتخاب جوتيرس يتزامن مع استفحال أزمة اللاجئين على مستوى العالم وما تشكله من عقبات في وجه المنظمة الأممية، حيث قالت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "إن عدد اللاجئين بلغ نحو 65.3 مليون شخص مع نهاية عام 2015، أي بزيادة 5 ملايين شخص خلال عام واحد"، وبذلك يكون جوتيرس هو الشخص المناسب لهذا المنصب؛ نظرًا لما يشكله ملف اللاجئين من عقبات حقيقية أمام المنظمة الأممية. ويرى مراقبون أن جنسيته البرتغالية جعلته قريبًا من هذا المنصب، فالبرتغال عضوة في الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أن من أكثر الملفات التي تؤرق هذا الاتحاد ملف اللاجئين والهجرة، الأمر الذي أدى إلى توافق حول شخصية جوتيريس، الذي سيباشر مهامه في شهر يناير المقبل 2017.