لا يستطيع الأديب أن ينفصل عن عالمه المحيط به، أيا كان النوع أو المدرسة الأدبية التي ينتمي لها، ويجسدها، لأنه لا شك كتلة من المشاعر التي تتأثر بأحداث الواقع المعيش، وهذه المشاعر تنعكس بوعي أو بدون وعي على ما يكتبه، وإذا تأملنا الوضع الراهن في العالم العربي، سنجد دولا تعاني الحروب والدمار، وبلاد يأكلها التمزق والعنف، وشعوب تواجه الشتات والخوف، وآخرون يحاربون من أجل بعض من الحياة. كل هذا لا شك أنه سيترجم في لغة أدبية تحمل نفس المرارة، وهو ما لمسناه بالفعل في عدد من الروايات الأدبية التي صدرت مؤخرًا، ويعاني أبطالها من الشتات والاغتراب، والغربة، وهو ما يجعلنا نتساءل..هل المرحلة السياسية التي يعيشها العالم العربي الآن ستكون سببًا في تأسيس مرحلة جديدة لما يعرف بأدب الاغتراب؟.. شاكر عبد الحميد :نواجه مؤامرة كونية وحالة اغتراب انعكست على الأدب في البداية قدم الدكتور شاكر عبد الحميد، أستاذ علم نفس الإبداع، ووزير الثقافة الأسبق، شرحًا مبسطًا لمفهوم الاغتراب، قائلا: الاغتراب هو أن تتحكم الأشياء في الإنسان وتسيطر عليه، وليس العكس، أي يحوّل الإنسان من فاعل إلى مفعول به، بمعنى أن البلاد العربية كان لديها مشروعات قومية، لكنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها، بل تحولوا لخدم أو عبيد لهذه المشروعات. كما يوضح"عبد الحميد"، نوع آخر من الاغتراب وهو الاغتراب الديني فيقول: إن الدين قوة إيجابية موجهة لصالح الإنسان، لكن إذا تم توجيهه بشكل سلبي، يصبح نوع من الاغتراب، كذلك عندما يفقد الإنسان السيطرة على تاريخه، وجغرافيته، وعلى مصيره، وعلى مقدرات ثروته، كلها أشكال من الاغتراب، وتعكس هذه الحالة من الشعور إحساس لدى الإنسان بأنه لا حول له ولا قوة. ويتابع الدكتور شاكر عبد الحميد، بالتأكيد فإن الإنسان العربي الآن أصبح مغتربا في بلاده، وخارج بلاده، وفى نفس الوقت لديه شعور بالاغتراب بعدم التحكم في شيء، ولا حتى في مصيره، وكل ذلك انعكس بالطبع على الرواية، وأصبحت تجسيدًا لهذه الحالة من الغربة والاغتراب، والشعور باللا جدوى، وفقدان اليقين. ويضيف عبد الحميد، شهدت مرحلة الستينيات حالة من الاغتراب انعكست على الأدب، بعد هزيمة 1967م، كان ذلك في كتابات إدوار الخراط، وضياء الشرقاوي، وأحمد عبد المعطى حجازي، وعلاء الديب، أما الآن فنحن نواجه أزمة وجود، الدول العربية تعاني التقسيم، والتطرف، وتواجه ما يشبه المؤامرة الكونية، ولا يمكننا التوقع هل ستؤسس هذه الحالة السياسية الحرجة، لمرحلة جديدة من أدب الاغتراب أم لا؟..ما يمكننا قوله، أن في السنوات الأخيرة طغى على المشهد الأدبي ظهور عدد كبير من الروايات يعاني أبطالها من الاغتراب. حسين حمودة: لا يمكن التنبؤ بطبيعة الأدب الفترة المقبلة ومن ناحية النقد الأدبي قال الناقد الدكتور حسين حمودة: ما يمكن أن تحدثه الأحداث السياسية الحالية في النتاج الروائي العربي، خلال الفترات المقبلة، لا يمكن تخيله على نحو تفصيلي ودقيق. المؤكد أن هذه الثورات والأحداث، أحدثت نقلات واضحة على مستوى الوعي، وعلى مستوى علاقة الشعوب بالسلطات، وعلى مستوى الإحساس الفردي بإمكانية المشاركة في صنع السياسات، وهذا كله لابد أن يكون له تأثير كبير في الرواية، فضلا عن أن الثورات اقترنت بأحداث كثيرة، وبضحايا كثيرين وكثيرات، وببطولات وإخفاقات.. ويتابع الدكتور حسين حمودة: الاغتراب، الذي يمكن ملاحظاته الآن في المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة، ليس نتيجة ما نشهده من أحداث سياسية فحسب، هو اغتراب جديد يمثل امتداد لاغتراب قديم، ولكنه الآن أصبح أكثر تعقيدًا. وعلى أي حال، فبجانب الاغتراب الذي نلاحظه الآن، هناك أيضًا مظاهر للمقاومة، والرغبة في تخطي الإرهاب الذي أصبح جزءًا من حياة العالم كله، في كل بلد تقريبًا. و من ناحية أخرى يرى حموده أ الروايات العربية القادمة، لا يمكن التنبؤ بما قد تسلكه من مغامرات فنية، والرواية بطبيعتها شكل أدبي مفتوح على ما لا حصر له، من المغامرات الإبداعية. أماني فؤاد:أبطال الروايات يجسدون الواقع ويفقدون السيطرة على مصيرهم وقالت الناقدة الدكتورة أماني فؤاد: إن للاغتراب تجليات مختلفة، منها اغتراب داخل الوطن، واغتراب داخل النفس، واغتراب في دول أخرى غير الوطن، ولذلك لا نستطيع القول بأن هناك أعمالا أدبية روائية يمكنها أن ترصد حالة الاغتراب الذي يعيشه الوطن العربي الآن بشكل مكتمل، إلا بعد فترة طويلة من الوقت، لأنه طالما إن المشهد السياسي في طور التشكل، لن نجد عمل يرصد هذه المتغيرات. وأوضحت فؤاد، أن الروايات العربية قد ترصد فقط "تجليات" حالة الاغتراب، على المستوى الشخصي، أو المجتمعي، أو حتى داخل الأسرة، لأن الأسر العربية والمصرية أصبحت مقسمة أيدلوجيًا، وتعيش نوع من التشتت، وهو ما قد يولد روايات تحمل نوع من التشرذم، أو عدم الإحساس بالتحقق، وهو ما ينعكس على الكتابة الروائية، مثلما وجدنا في الروايات التي أرهصت للثورة، وكيف كان البطل فيها ضائعًا، وأنه غير فاعل في حياته، كتجسيد للواقع. وأضافت فؤاد، أن العالم العربي الآن يعيش حالة مخاض سياسي، والرواية نوع فني يحتاج إلى وعي عميق بالظواهر السياسية التي حدثت قبل وأثناء وبعد ثورات الربيع العربي، وهي الأحداث السياسية التي لم تثبت معالمها حتى الآن، ولكننا نجد نوع من الرفض لمجريات الأمور، التي لن تدع الوضع يستقر على ما هو عليه، من فوضي، وعنف.