تسارع الأحداث في المنطقة وتشابكها أديا إلى حالة من التيه والخلط الدائم في الأوراق، وتضارب في الرؤى العامة؛ نتيجة اختلاف المصالح. لكن خلال الأيام الماضية بدت القاهرةوموسكو متطابقتين في موقفهما من الملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالتدخل البري في سوريا ومصير الرئيس بشار الأسد. التدخل السعودي المزمع في سوريا تطابق التصريحات المصرية الروسية عبرت عنه الأطراف الدبلوماسية في البلدين. فمن الجانب المصري جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي موقف بلاده الرافض للتدخل العسكري ضد سوريا، داعيًا لتبني الحل السلمي والحفاظ على سلامة أراضيها. تصريح السيسي سبقه تصريح لوزير الخارجية المصري سامح شكري في 14 فبراير الجاري، قال فيه إن الحل العسكري للأزمة السورية أثبت عدم جدواه، مؤكدًا أنه لا بديل عن التسوية السياسية هناك. وعلق شكري على إعلان السعودية جاهزيتها لإرسال قوات برية إلى سوريا بأن العمل من خلال منظمة الأممالمتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا الحل الأمثل لمعالجة الأزمة. تأتي أهمية التصريحات المصرية في الوقت الذي يعول فيه مسؤولون أمريكيون على أن يشكل الجيش المصري الجسم البشري للتحالف الإسلامي العسكري؛ حتى لا تتورط أمريكا في حرب مباشرة بمنطقة الشرق الأوسط، خاصةً بعدما أعلنت السعودية رغبتها في تنفيذ عمل بري بسوريا بقيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. وعلى الجانب الروسي أعلن رئيس الوزراء دميتري ميدفيدف، 11 فبراير 2016، أنه ينبغي على جميع الأطراف الجلوس إلى مائدة التفاوض؛ للتوصل إلى نهاية للحرب السورية بدلًا من إطلاق العنان لحرب عالمية جديدة، حيث حذرت روسيا من مغبة حرب عالمية في حال دخول القوات البرية السعودية والتركية للأراضي السورية دون التنسيق مع الحكومة؛ ما سيكون له عواقب وخيمة للغاية. مصير الرئيس السوري بشار الأسد تلاقت تصريحات القاهرةوموسكو حول مصير الأسد في عدة مناسبات، حيث أعربت مصر، 27 أكتوبر 2015، خلال زيارة السيسي لأبو ظبي، عن تأييدهما لحل سياسي للأزمة السورية، دون التطرق إلى مصير بشار الأسد، الذي تطالب حليفتهما السعودية برحيله كشرط للحل. التطور الأبرز في تصريحات مصر حول الرئيس السوري بشار الأسد للدول المطالبة برحيله جاء على لسان شكري، 9 فبراير، أثناء زيارته لواشنطن، حيث قال "نحاول أن نتجنب مثل هذه المناقشات؛ لأن التركيز على مصير الأسد لم ينتج عنه أي حل خلال السنوات الأربع الماضية". المواقف الروسية أتت ضمن السياق المصري، وإن كانت أكثر حدة ووضوحًا. فرئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف قال في 14 فبراير إن الأسد باقٍ، ولا يهمنا من لا يعجبه. وتابع: لا يوجد في سوريا في الوقت الراهن أي ممثل شرعي لها سوى بشار الأسد، بغض النظر عما إذا كان هذا يعجب البعض أم لا. الملف الليبي تقاطعت وجهات النظر إلى حد كبير في مواقف مصر وروسيا بالشأن الليبي، حيث جاء موقف مصر من تنفيذ أي عمل عسكري في ليبيا، خلال لقاء أجراه الرئيس السيسي مع مجلة "جون أفريك" المختصة بالشؤون الإفريقية، الاثنين الماضي، قائلًا: لا يمكن التدخل في ليبيا طالما لم تُبحَث كل الحلول، ومن دون أن يكون الليبيون قد أبدوا بوضوح الرغبة في ذلك. تصريحات السيسي الراغبة في تقديم الحلول السياسية على العسكرية سبقتها تحذيرات روسية من رئيسها فلاديمير بوتين لأي تدخل عسكري في ليبيا. ففي يناير الماضي أعلن بوتين أن روسيا حذرت الناتو من خطأ سلوكه تجاه ليبيا والعراق، لكنها لم تلقَ آذانًا مصغية، بل اتُّهِمت بمعاداة الغرب، في إشارة لتدخل الناتو لإقصاء معمر القذافيعن حكم ليبيا. الموقف الروسي أيضًا يتقارب مع موقف مصر في دعم ليبيا وجيشها، حيث أعلن السفير الروسي لدى ليبيا "إيفان مولوتكوف" عن رغبة بلاده في إمداد الجيش الليبي بالأسلحة اللازمة لمكافحة الإرهاب. وقال مولوتكوف إن "روسيا تتطلع إلى التصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، واستئناف تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وتقديم مساعدات أخرى تدعم تصدي الجيش لتنظيم داعش". التقارب المصري الروسي والمصالح المشتركة إذا كانت روسيا تحارب في سوريا الجماعات المتطرفة لحماية عمقها القومي، فمن باب أولى أن تحرص مصر على حدودها الإقليمية، فمصر لا يفصل بينها وبين سوريا إلا دولة فلسطين، كما أن ليبيا على تماسٍّ مباشر مع الحدود المصرية، وبالتالي فمصر وروسيا تشتركان في هدف واحد، هو المحافظة على الأمن القومي لكل منهما. وقد تكون هذه من أهم نقاط التقارب المصري الروسي، خاصة مع تباين المواقف بين مصر وتركيا حليفة أمريكا وإسرائيل. التحديات الجديدة التي أوجدتها تركيا في المنطقة، والتي تتمثل في ثلاث نقاط مهمة لها تأثير مباشر على مصر، هي التقارب التركي الإسرائيلي، بالإضافة إلى تواجد أنقرة في سوريا، فضلًا عن التواجد التركي غير المباشر بليبيا، حيث كشفت مصادر ليبية محلية أنه وبعد العمليات التي يشنها الطيران الروسي في سوريا، ودعمه للجيش السوري بقوة وتسليحه، بدأت قيادات وعناصر من داعش تهرب عبر تركيا، وتصل إلى ليبيا. وعلى ضوء ما سبق فإن تقارب موسكووالقاهرة يحقق للأخيرة حليفًا يوازي الحليف الأمريكي، الذي تتمتع به أنقرة، والتي تسعى من خلاله لنفوذ حقيقي في سوريا، قد يؤثر على العمق المصري حال تحقيقه؛ فواشنطن أقرب لأنقرة من القاهرة، خاصةً وأن تركيا تشكل ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. وفي ليبيا أخذ التوافق الروسي المصري طابع الشراكة، حيث أعلنت روسيا سابقًا أنها تدعم تكوين تحالف دولي محدود مع مصر؛ للحرب على التنظيمات الإرهابية في ليبيا؛ لأن المصالح الأمنية والاستراتيجية لروسيا مرتبطة بشكل كبير بتطور الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.