باغتني بالحديث دون مقدمات عن فيديو الداخلية الشهير، أثناء جلوسي بجواره ، عندما لمح صورة شادي علي هاتفي المحمول مدون عليها #متضامن_مع_شادي_ومالك، دون أن يُلاحظ سائق التاكسي صاحب الستين ربيعًا عبارات التضامن.. ياحسرة علي الأخلاق، الشباب أصبح عديم التربية وفقد حُسن ومكارم الأخلاق، يسيئون إلى رجال الشرطة الساهرين والمضحين من أجل أمنهم وسلامتهم، وهم جلوس علي مؤخراتهم، تحت دفء التكييف في حجرات نومهم، وإذا طلبت من أحدهم التضحية من أجل الوطن مثلما يفعل رجال الشرطة، تجدهم يهربون من تحمل تلك المسؤولية. وعندما يتم محاسبتهم وسجنهم ووضع العصا في مؤخراتهم، عقابًا لهم على جُرمهم، يخرج علينا المأجورون المدفوعون من أمريكا وإسرائيل ليتحدثوا عن الحرية لتشويه صورة مصر بالخارج.. "العيال دي ياباشا مش ممكن يكونوا مصريين دول أكيد مدفوع لهم علشان يشوهوا صورة مصر".. هكذا تحدث سائق التاكسي بعد حذف عبارات السب والقذف في حق شباب الثورة المطالبين بالحرية والمدفوعين من الخارج لتنفيذ المخطط الصهيو أمريكي، لزعزعة الإستقرار الذي تنعم به مصر الحبيبة وتشويه سُمعتها بين أشقائها "الغربيين"، ولكن هيهات نجوم السماء أقرب لهم مما يخططون، فالعالم كله يتحدث عن القائد الذي "نيم" أمريكا من المغرب، للدرجة التي جعلت جزء من الشعب الأمريكي يقوم بحملة لمطالبة الرئيس السيسى بحكم بلادهم.. لا أعلم ماذا دفع سائق التاكسي لأن يُحسن الظن بي، ويتحدث معي بهذه الأريحية، ويعتبرني مواطن من المواطنين الشُرفاء، ففي الغالب الأعم عندما أتحدث مع أحدهم في الشأن العام، يتعامل معي بحذر تام، ولا يُدلي بدلوه السياسي إلا بعدما يستبطن توجهاتي، إن أخبرته أنني من المؤيدين حدثني عن المشروعات العملاقة التي فعلها السيسي، وإن كنت لا قدر الله من المعارضين، حدثني عن غلاء الأسعار وعودة نظام مبارك بأجهزته القمعية أكثر من السابق، ويخص بالذكر الحديث عن الشرطة وجبروتها وظلمها لهذا الشعب المغلوب على أمره. تلقفت كلماته في بداية الأمر بإيماءات إيجابية، أُصدق علي كل ما يقوله، وأشاركه الهجاء على أعداء الوطن المُخربين. -عندك حق يا أُسطى إن هؤلاء عملاء للغرب المتآمر على مصر، يُدفع لهم الدولارات ليشاركوا في التظاهرات المطالبة بالحرية والديموقراطية، لتُفقأ عين أحدهم ، أو يعيش بعاهة مستديمة نتيجة رصاصة غادرة، أو يموت برصاصة طائشة تستقر بين أعينه، أو يكون مصيره الاعتقال والحبس، ويفني سني شبابه الجميلة خلف القضبان؛ وكل هذا من أجل الدولارات!! منطق جميل أليس كذلك؟ ولكن دعني استوضح منك الأمر.. ماذا لو تم مصادرة الرخصة الخاصة بك من ضابط شرطة دون سبب، هل ستترك هذا الضابط يأخذها دون أن تعترض أو تخبره بأن هذا ظلم واقع عليك وتطالبه بأن يحترم القانون؟ أجابنى على الفور وبدون تردد.. العام الماضي حدث موقف مشابه للمثال الذي ذكرته، كنت واقفًا على جانب الرصيف أُقل زبونًا، ليستوقفني ضابط المرور ويطلب مني الرخص، وعندما أعطيتها له قال لي أنه سيحرر ضدي محضر مخالفة بقيمة ثلاثمائة جنيه. ظللت بصنعة لطافة أتوسل إليه وأحثه على عدم تحرير مخالفة، وأخبره عن معاناتي لو تم تحريرها، وعن كوم اللحم الذي أجري ورائه من طلوع الشمس حتى مغيبها من أجل أن يقتات أولادي لقيمات قليلة وأعينهم علي مشقة العيش، وفي الحقيقة كنت ثرثارًا أكثر من اللازم مما دفع الضابط لسبابي وضربي على وجهي من أجل أن أكف عن الثرثرة.. إستوقفته وقلت له هل تركته بهذه السهولة وأنت في هذا السن وقد تجاوزت الستين على ما أعتقد ينهال عليك بالسباب والضرب؟!! أجاب وكأنه إسطوانة تردد نغمة نشاذ دون أن تتوقف، "أتحمل شتيمتين تلاتة وضربتين تلاتة أفضل من أن يتم سحب رخصي ودفع هذا المبلغ الكبير، هذا بخلاف قطع رزقي حتى أستعيد الرخصة" !! أصابنى الوجوم والذهول من حديث الرجل، ولم أعد قادرًا علي تحمل ما ينطق به، تحولت سخريتي منه في بداية الأمر إلى شفقة، وتألمت لحاله وطريقة تفكيره التي يتحدث بها بكل ثقة وطمأنينة وفرحة وكأنه انتصر واسترجع حق من حقوقه عندما منع الضابط من تحرير مخالفة له وتحمل لكماته وسُبابه..! ولم يعد لحديث العقل والمنطق والتشبث بالحقوق أدنى جدوى معه – هكذا ظننت- تركته يسترسل في حديثه وأنا في عالم آخر شاردًا في دنيا الحقوق والحريات، وشهداء تراق دمائهم من أجل أن ينعم مثل هذا الرجل بحياة حرة وكريمة، وسجناء قابعون خلف زنازين موحشة لمطالبتهم بالعدل والعدالة الإجتماعية.. ليلفت انتباهي مرة أخري وينتقل بالحديث عن الإعلامي القدير أحمد موسى، وكيف لهذا الرجل الذي لا يخشي في الحق لومة لائم، يكشف المؤامرات، ويُعري أعداء الوطن الذين كنا نحسبهم فيما مضي أنهم من الشرفاء المخلصين، وفي سبيل ذلك يعرض حياته للخطر، كل هذا من أجل مصر لا من أجل مصالح شخصية. على جنب يا أُسطى.. بمنتهى الهدوء والأريحية طلبت من أن يوقف السيارة وتركته ومضيت إلى حال سبيلي، لأسمع من الخلف صوته وهو ينادي الأجرة يا أستاذ، الأجرة يامحترم الأجرة يا…