الأزهر والكنيسة.. غياب عن القرى عبد الله نصر: المؤسسات الدينية ضعفت في الريف.. بولس حليم: اللقاءات الدورية ضرورة للتواصل «الثأر، ختان الإناث، زواج القاصرات، الجلسات العرفية…» جميعها عادات وتقاليد يتوارثها أهالي القرى والنجوع وفقًا لعقيدة "هذا ما وجدنا آباءنا عليه"، بل تحولت لديهم تلك المسلمات الموروثة إلى يقين ثابت وراسخ، ومن يحاول تغيير ذلك يُعد مجرما فى نظرهم ولا يعترف به، ولعل آخر الأحداث الدامية هي المذبحة البشعة في أسوان بين قبيلتي الهلايل والدابودية، والتى راح ضيحتها عشرات القتلى، نتيجة لغياب دور الأزهر والكنيسة بالمناطق النائية والقرى والنجوع. قال الدكتورعبدالحليم محمد منصور، وكيل كلية الشريعة الإسلامية، بتفهنا الأشراف بالدقهلية، أنه يجب إرسال قوافل ولجان لجميع القرى والنجوع لبث روح المواطنة والتصدى للأفكار المتطرفة التى من شأنها زعزعة أمن واستقرار البلاد، مثل "قوافل الخطاب الدينى ولجان التعليم والأسرة والشباب والإعلام والرصد. وأكد منصور على ضرورة تعميق قيم الانتماء والعيش بسلام فى هذا الوطن الذى لطالما كان شاهدا على صلة المحبة والمودة والعلاقات المتبادلة بين المصريين بجميع أطيافهم. وألمح أن الأزهر الشريف على صلة مستمرة بالكنيسة المصرية ويتم التنسيق فيما بين الطرفين من أجل مناقشة المفاهيم الخاطئة التى تتم إثارتها من قبل المتربصين بمصر والعمل على طرح قضايا معاصرة مثل المواطنة والتعايش المشترك والحوار والتعددية الفكرية واحترام الآخر. وقال الدكتور عبد الغنى هندى، المستشار الدينى لوزراة الأوقاف، إن الأزهر لن يؤثر على القرى والنجوع لا بالسلب ولا الإيجاب إلا بوجود رؤية ومسار واضحين له مع وجود من يعمل به مخلصًا لما آمن به، فمسار ورؤية الأزهر واضحين وضوح الشمس لمن يطلع على المادة التى سنت بقانون 103 لسنة 1961 والتى تعرف ماهية الأزهر الحقيقى، لكن بكل الأسف والحزن وفى مفارقة عجبية ألغاها شيخ الأزهر بالكامل، بدعوى الحصول على استقلالية الأزهر وأنه غير خاضع للأنظمة الحاكمة وذلك فى عهد المجلس العسكرى. وأضاف هندى، أن تلك المادة كانت تدعو إلى حفظ التراث ودراسته وتنقيته وتجليته وإيضاحة، والعمل على راحة الناس فى الدنيا والآخرة والعمل على رقى الحضارة، وإظهار أثر المسلمين فى تطور الإنسانية وتقدمها ورقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والقيم الروحية وتزويد العالم الاسلامى والوطن العربى بالمختصين فيما يتصل بالشريعية والثقافة العربية. وأوضح هندى أنه من المستحيل الوصول إلى هدف ما إلا إذا وضحت الرؤية ووجد من يؤمن بها ويعمل بها، فعندما يتفق العقل النظرى وهو ماعلمه الإنسان والعقل العملى وهو ما وقر فى قلب هذا الإنسان ودفعه للعمل، ولاسبيل إلى أية إصلاحات أو تأثير في الواقع المرير بعدما أصبح العاملون بالأزهر مجرد منتفعين. من جانبه، قال الشيخ محمد عبد الله نصر، إن السبب فى انتشار التطرف الفكري هو عدم قدرة الأزهر على التأثير على أهالى القرى والنجوع وضعف هيكله الذى أكلته دابة الأفكار السلفية المتشددة عندما توغلت وتمكنت من أروقته وعلت المنابر باسم الأزهر، وهم فى الأصل مدعون يرتدون لباس المشايخ ويتكلمون بلسان الوهابية الذى لا يعرف لوسطية الإسلام طريقا، وبهذا انسلخ الأزهر من منهجه وأصبح أداة طيعة لذلك التطرف. ورأى نصر أن السبب الرئيس فى انتشار الأمية خاصة فى القرى والنجوع هو عدم قدرة تلك المؤسسة العريقة فى الوصول للجماهير كما كان فى السابق من خلال الكتاتيب حينما كان الأزهر منارة العلم في تلك القرى والنجوع وللمسلمين أجمعين وكان حين ذاك قلما وجدت قرية أو نجع من دون رجل دين يمثل الأزهر ويرتبط الأهالي به بشكل قوي نظرا لسلوكة وخلقة وعمله بما علمه من الله ونصحة أهل القرية والتدخل فى مشكلاتهم وحلها، بالإضافة إلى دوره الأصيل وهو المعلم القدوة الذى يعلمهم أمور دينهم ويتعاون معهم فى أمور دنياهم. وتابع نصر: وعلى سبيل المثال وليس الحصر أذكر الشيخ "الخراشى" رحمه الله عندما كان شيخًا للأزهر كان بين الناس دائما مشاركا لهم فى أمور حياتهم ناصحًا لهم وعونا، فما كان من الناس إلا أن أحبوه وأجلوه، فكان إذا ما اختصم اثنان صاح أحدهم مناديا مستغيثا باسم الشيخ فكان يقول ويقولون حتى يومنا هذا "ياخراشى" نظرا لما أرساه فى قلوب المصريين فى تلك الآونة من دعائم القسط والعدل والتسامح، فقد أشرقت شمس الأزهر فى عهد ذلك الشيخ الجليل عندما تمكن من التوغل فى قلوب الناس آنذاك بالإسلام واعتداله وسماحته. وطالب نصر بتنقية مناهج الأزهر من الأفكار الشاذة المنحرفة التى لم تكن موجودة من قبل، كما أنه تم إدخال مفاهيم جديدة مثل الجهاد والتكفير والحاكمية والجاهلية وغيرها إذ إنها تحث على الكراهية ونبذ الآخر. وقال القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن رجل الدين له دور مهم فى نشر المحبة والسلوكيات الحميدة ، كما أن له تأثيرا كبيرا فى المجتمع من خلال التوجيه وحث الناس على الخير، وقد آن الأوان ليتعاون الأزهر والكنيسة للتصدى لكل ماهو مخالف لتعاليم الأديان السماوية وذلك بتنظيم قوافل يشارك فيها عدد من الوزارات إلى مراكز الشباب فى القرى والنجوع بالمحافظات، وعقد لقاءات تثقيفية للتوعية وتبيان ما اختلط على ذهن المواطن ما بين الحقيقة والتشدد، كما طالب أن تتضمن مقررات المناهج الدراسية مواد تدعو إلى إرساء روح الوحدة والتعاون والمحبة بين المواطنين وبعضهم البعض. وطالب حليم بسرعة تنفيذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني "الإسلامي – المسيحي" ليتناسب مع مستحدثات العصر ومواجهة الأوضاع المتردية التي تعيشها مصر والشعوب العربية.