"لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". أغلب من يقرأ هذه الآية يفهم على الفور وبحماسة شديدة أننا يجب أن نتبرأ من (الكفار) حتى لو كانوا أقرب الناس لنا، بالرغم من الآية لم تتحدث عن الكفار مطلقًا، وإنما تحدثت عن من حاد الله ورسوله، وهو لفظ أعم وأشمل وأعمق بكثير من مجرد ذكر هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله، فمن يعادي الله ورسوله هو ذلك الشخص الذي يبذل جهده لإبعاد الناس عن الأهداف التي يريدها الله ورسوله، لا يهم هنا ملته أو عرقه حتى لو كان من أهلنا (يعني مسلم) أو من عشيرتنا (من بني جلدتنا وقومنا). قيم الإسلام الحقيقية الأصيلة لا تجامل أحدًا بناءً على انتمائه، وإنما سلوكه وقيمه هي التي تحدد إن كان ممن يحاد الله ورسوله أو العكس، فحين يقوم من يمثل الإسلام بعمل قبيح أو إجرامي فلا تجد قومًا يؤمنون بالله يوادونه أبدًا، لكن القيم الفشنك تخبرنا بالعكس تمامًا. فعلينا أن نبرر بكل الطرق أن المذابح التي قام بها جيش الأتراك ضد الأرمن كان لها أسبابها ومبرراتها، بل وبكل تبجح نتحدث عن جرائم قامت بها عصابات أرمنية في حق الأتراك فكان ذلك ثأرًا للمسلمين! وكأننا نعلن بشكل غير مباشر أن ديننا لا يرى غضاضة في معاقبة الشعوب والأفراد، وأنه لا يرى إشكالًا في أن السيئة تعم. والعجيب أن نرى البعض يحاول الدفاع بزعم أن العصابات الأرمنية لم تقم بذلك، كأنها لو قامت بعمليات قتل يكون لنا عندها الحق في قتل مليون ونصف أرمني (عاطل على باطل) وكأن الدم في ديننا ليس له حرمة أو أصول. ثم ترى الشخص الذي يحاول التبرير بعد أن يفشل في إيجاد المبرر الأخلاقي لهكذا جريمة يحدثك بنوع من المزايدة: وماذا عن مذابح الإسبان للمسلمين في الأندلس؟ وماذا عن جرائم الروس في القرم والقوقاز؟ وبخلل رهيب يعتقد أنه قد أفحمك، وهو لا يعلم أنه بهذا الرد قد اقر شريعة الغاب، لا شريعة الله ورسوله، بل لا يدري أنه ربما الآن أصبح من الذين يحادون الله ورسوله؛ لأن من المستحيل عقلًا أن تكون إرادة الله أن تزر وازرة وزر أخرى فإذا قام ولاة أمر الإسبان بقتل المسلمين في الأندلس يذهب المسلمون في الشرق لقتل الأرمن!! أو لأن الروس قتلوا أهل القوقاز فتتحرك جيوش المسلمين لذبح المسيحيين في إفريقيا!! بل إننا كمؤمنين حين نرى تصرف الإسبان في الأندلس أو تصرف الروس في القوقاز تصرفًا مشينًا أو همجيًّا فهذا ليس من منطلق أممي كحال الصهاينة، وإنما من منطلق أن شريعة الله ورسوله ترفض هذا، بل حين تتحرك جيوش المسلمين تتحرك للرد على المعتدي نفسه لا على الملل والشعوب والقرى والأهالي. نعم قام جيش الأتراك بمذابح تعادي شريعة الله ورسوله في أرمينيا، وفي شرق أوروبا هذه حقائق تاريخية لا ينكرها إلَّا جاحد، وهنا قلت (جيش الأتراك) ولم أقل المسلمين أو الأتراك على العموم، ولا يجوز في شريعة الله ورسوله الثأر من المسلمين ومن الأتراك كشعب وبلد، وأيضًا قام جيش الإسبان بمذابح يشيب له الوالدان في الأندلس، ومن ينكر ذلك جاحد كذلك، وأيضًا أقول (جيش الإسبان) وليس المسيحيين أو الإسبان فلا يجوز الثأر من المسيحيين؛ لأن ذلك ليس مراد الله ورسوله ولا عدله. حزب الله الذي تتحدث عنه الآية هو المؤمنون الذين يهدفون لإقرار العدل في الأرض، ولا يوادون من يحارب مراد الله حتى لو كانوا إخوانهم أو عشيرتهم، ويعرضون أفعال الناس على ميزان واحد، ميزان ما يريده الله ورسوله.