محمد أبو الخير بهر العالم العربى بمؤلفاته الدرامية.. ولا يعرفه الكثير من أبناء محافظته صاحب أروع المؤلفات الدرامية تجاهله المسئولون فى بنى سويف حيًّا.. ويتجاهلونه ميتًا المطالبة بتخصيص جائزة سنوية باسمه بوصفه من رموز الأدب والفن ككل العظماء الذين لا يجدون اليوم في وطننا المنكوب تقديرًا لا أحياء ولا أمواتًا.. رحل عن عالمنا الجمعة الماضية الكاتب والمفكر الإسلامي والروائى محمد أبو الخير، ابن قرية "الشناوية" بمركز "ناصر" ببنى سويف، عن عمر يناهز 78 عامًا. يذكر أن "أبو الخير" له العديد من الإبداعات الأدبية التي تحولت إلى أعمال تليفزيونية شهيرة، ومنها مسلسل "القضاء في الإسلام "، و"المرأة في الإسلام"، وغيرهما من الأعمال التي لاقت نجاحًا كبيرًا في مجال الدراما التليفزيونية على مستوى العالم العربي. تعلم الراحل فى كتاب القرية، وحفظ القرآن وهو يبلغ من العمر 11 عامًا، وكان حفظ القرآن هو السر فى أن يكون له أسلوبه الخاص، وبعد ذلك قدم له والده فى الأزهر، وكانت هناك لجنة لاختبار المتقدمين فى حفظ القرآن، ورغم أنه سمَّع كل ما طلب منه من قرآن دون أن يخطئ في شيء، إلا أنه فوجئ برسوبه رغم حفظه للقرآن كاملاً، وكانت ذلك سببًا في تغيير مسار حياته، حيث التحق بمدرسة عثمان باشا ماهر فى القلعة بجوار جامع السلطان حسن، وكان يدرس له اللغة العربية الشيخ إبراهيم الدسوقى، وذات يوم دخل ومعه كراس الإنشاء، وطلب منه أن يقرأ الموضوع الذى كان يكتبه على التلاميذ، ويومها قال له: أنت سوف تكون كاتبًا. وبعد ذلك التحق بالمعلمين فى بنى سويف، وتبناه إمامه الأستاذ عمر عبد الخالق، وكان دائمًا ما يقول له: أنت سوف تكون كاتبًا فى يوم من الأيام. وكان أول برنامج كتبه عن خير الدين التونسى، وكان من زعماء الإصلاح فى الدولة العثمانية. مؤلفاته الأدبية والفنية ألف الراحل محمد أبو الخير روايتين، قررتهما وزارة التربية والتعليم على الشهادة الإعدادية، الأولى بعنوان "بستان على الفرات" عام 1968، والثانية "فدائى فى القناة"، وقررتها عام 1975. كما ألف رواية "وضحكت صنعاء" عام 1964، ورواية "بين الأزهر" عام 1985، وكانت عن منحة التفرغ التى حصلت عليها عام 1971، ومسرحية "الفارس المقنع " عن خولة بنت الأزور، وقررت فى كأس الجمهورية للثانوى بنات والمعلمات. وظهر أول عمل له فى التليفزيون عام 1968 وهو خماسية تليفزيونية بعنوان "بستان على الفرات". وأول تجربة للراحل مع السيناريو كانت مع الفنانة أسيا داغر عن قصة كتبتها بعنوان "عندما تجوع القطة"، وتم تغيير اسمها في فيلم بعنوان "سماح". وكتب الراحل "القضاء فى الإسلام" فى تسعة أجزاء، وهو أطول مسلسل عرض فى التليفزيون حتى الآن، وأخرج الأربعة أجزاء الأولى منه المخرج فايق إسماعيل وثلاثة أجزاء المخرج أحمد طنطاوى، ثم الجزأين الأخيرين أخرجهما توفيق حمزة. وايضًا كتب بعنوان "المرأة فى الإسلام" فى جزأين، الأول لدبى، والثانى لمصر. وبعد إذاعته تم منع عرضه، ولم يعرف الراحل طوال حياته سبب المنع، وكان بطولة عفاف شعيب ومنى عبد الغنى والعديد من النجوم. وأيضًا "طريق الرماد الساخن "، وهو مسلسل اجتماعى، بطولة سامح الصريطى، ومسلسل "رفاعة الطهطاوى"، ومسلسل "أصيلة"، بطولة كريمة مختار وحمدى غيث، ثم مسلسل "سمرقند"، وهو إنتاج لبنانى، ومسلسل "الأيام الحرجة". أهم الجوائز التى حصل عليها حصل الراحل محمد أبو الخير على جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب فى الرواية التاريخية عام 1961، عن رواية "بين القاهرة وكفر المصطفاوى"، وكانت تؤرخ للثورة العرابية، وجائزة وزارة التربية والتعليم فى الروايتين المقررتين عامى 1968 و1975، وجائزة الثقافة الجماهيرية فى المسرح، وحصل على الجائزة الثانية والثالثة والرابعة بعد أن تم حجب الجائزة الأولى عن ثلاث مسرحيات، هي "أيوه كده يا بلد"، وملاعيب شعلان"، و"عقول قديمة للبيع". وفي عام 1975 حصل على الجائزة الثانية والثالثة من المجلس الأعلى للآداب والفنون عن روايتى "زغاريد فى غرفة الأحزان"، و"زيارة لكوخ الجدة ناعسة". ذكريات الراحل بالنسبة لمسلسل "القضاء فى الإسلام" يحكي أحد المقربين للراحل، وهو السيناريست مصطفى بدوى، في تصريح حصري ل "البديل" عن ذكريات أبو الخير لمسلسل "القضاء فى الإسلام" على لسان الراحل، قائلاً "إن المسلسل كان خطيرًا جدًّا من حيث الموضوع الذى يتناوله، ألا وهو القضاء والعالم العربى مملوء بالقضاة والفقهاء والعلماء والنقاد، ولو حدث فيه خطأ، كان لن يرحمنى أحد. وأول مرة قدمت فيها المسلسل تم رفضه من الأزهر، وغضبت جدًّا، فقال لى المخرج فايق إسماعيل: لو كنت واثق من نفسك تعالَ نقابل شيخ الأزهر. وذهبنا إلى شيخ الأزهر فى ذلك الحين، وكان فضيلة العالم الجليل جاد الحق على جاد الحق، وأشهد الله أنه كان أهلاً لها، وجلسنا معه، وحينما عرف أن المسلسل اسمه "القضاء فى الإسلام"، قال لى إن المسلسل خطير وحساس وجايز يجيب لك مشاكل وأنت عارف إن العالم العربى والإسلامى لن يقبل أى خطأ مرتبط بالإسلام، وأى خطأ فى أى عمل اجتماعى لن يكون له الأثر مثل مسلسل يتحدث عن القضاء؛ ولذلك وضعت كلامه هذا أمامى، وكنت أركز فى كل مشهد، وكنت غارقًا فى المراجع والتأريخ. وحينما كان يطلب منى التواجد أثناء التصوير، كنت أرفض لأنى كنت مشغولاً بالقراءة". وتابع "وهنا شيء مهم لا بد من ذكره، وهو أننى أشهد الله أن كل ما كتبته فى هذا المسلسل لم يكن من عندى، بل كان فيضًا من عند الله، فقد كنت أرى المسلسل، وكنت أتعجب وأتساءل: هل أنا الذى كتبت هذا؟! وظننت أننى سوف أكتب ثلاثين حلقة فقط من المسلسل، فإذا بى أكتب مائتين وسبعين حلقة. وأذكر أنه سئل صفوت الشريف فى مجلس الشعب فى إحدى الجلسات عن ضيق المساحة الدينية فى التليفزيون، فقال: كفى أننا نقدم القضاء فى الإسلام". رأيه فى الدراما: كان كاتبنا الراحل يرى أن الدراما سلعة تجارية، ولا يوجد بها ضمير ولاحب ولا انتماء. تصوراته عن أسباب انصراف جهات الإنتاج عن الدراما الدينية يرى الكاتب الراحل محمد أبو الخير أن انصراف جهات الإنتاج عن تقديم الدراما الدينية يرجع لعدة أسباب، منها المؤلفون الذين لم يستطيعوا جذب الجمهور في صورة لائقة، نظراً إلى تقديم نماذج في شكل جاف وغير موثق، كما كانت اللغة العربية فيها غير موحية، وأصحاب هذه الأعمال لا يدركون ما يلزم الدراما وعرض الأحداث والمواقف من تشويق وإثارة للفكر والوجدان، وأصبحت النماذج التي ترتفع إلى مستوى رغبات المشاهدين وأفكارهم وأحاسيسهم قليلة، بل ونادرة. ثاني الأسباب المنتج الذي يبحث عن الربح، وإن رأى أن كثيراً من المنتجين أضروا بجميع النماذج الدرامية، لأنهم غالباً ما يكونون على قدر كبير من الثقافة التجارية، ومنهم من ليس له نصيب من الاهتمام بالوطنية أو القيم والأخلاق والتاريخ والتراث. ثورة 25 يناير كما تصورها لم يكن الراحل يتوقع أن تقوم الثورة العظيمة ويشاهدها، ولكن كانت هناك إرهاصات ذكرها فى رواية "بين القاهرة كفر المصطفاوى" التى كتبها عام 1961، وتحدث فيها عن طبيعة الشعب المصرى الذى يبدو كالنائم، وحينما يستيقظ فأفسِحْ له الطريق، وكان يؤمن بأن الثورة هذه من عند الله قبل أن تكون من الناس. التيار الإسلامى وصعوده أيام حكم الإخوان وتأثيره على الإبداع كان يرى الراحل أنه ليس هناك خوف حقيقى وليس له مبرر من صعود الإسلاميين للحكم، وأن معظم الأقلام التى كانت تكتب على مدى 30 عامًا لم تتقِّ الله فى مصر، وقلما تجد من كان يحب مصر على أساس أن حب الوطن من الإيمان، وكان يؤمن بأن حرية الإبداع لا بد أن تكون قائمة على القيم والمبادئ، وأن كل من هو صادق وصاحب رسالة سوف يؤثر فى مجتمعه، مؤكدًا أن الخائفين من صعود التيارات الإسلامية هم فقط تجار الإبداع، وليسوا المبدعين الحقيقيين. أعماله التى لم تعرض حتى الآن هناك خمس مسلسلات تليفزيونية كان مقررًا تصويرها لولا أن وافت المنية كاتبنا، وهي: "ابن طوبار"، و"سعيد بن المسيب"، و"عبد الرحمن الكواكبى"، و"عبد الرحمن الجبرتى"، والجزء الثالث من "المرأة فى الإسلام". وجميعها حاصلة على الموافقات النهائية من التليفزيون والأزهر والجمعية المصرية للدراسات التاريخية. أما آخر مؤلفاته المطبوعة فهو كتاب "الإنسان فى القرآن والسنة والحياة"، والذي طبعه على نفقته الخاصة، ووزعه قبل وفاته بأشهر، وقال إنه زكاة عن علمه. تجاهل المسئولين فى الدولة عامة وبني سويف خاصة له رغم تجاهل المسئولين في الدولة للراحل محمد أبو الخير، إلا أنه كان مؤمنًا بأنه لم يخسر شيئًا مطلقًا من هذا التجاهل؛ فقد كسب احترامه لنفسه ومحبة الناس له، ويكفي أنه كان راضيًا تمامًا عما كتبه طوال مشواره. جائزة سنوية باسمه ومن جهتنا نطالب محافظ بنى سويف وأدباء ومثقفى وفنانى المحافظة بتكريم الراحل؛ بوصفه رمزًا من رموز الأدب والفن بمصر، وتخصيص جائزة سنوية للإبداع باسمه.