لا تزال أبواق الإعلام المصري تسير على نهج النظام حسب الأهواء والمصلحة الخاصة وفي نطاق التوجيه والتسيير وليس لمصلحة الوطن والمواطن، ففي الماضي القريب كانت دولة قطر العدو الأول لمصر والسبب الرئيسي لكافة أحداث العنف والممول الأساسي للجماعات التكفيرية والعمليات الإرهابية التي تقع في مصر، وكان الإعلاميون ليل نهار يهاجمون قطر ومسئوليها، ويطالبون بإقصائها من الجامعة العربية وقطع العلاقات المصرية معها، بل ووصل الأمر إلى حد استخدام الألفاظ المشينة في وصف الدولة القطرية من جانب شخصيات إعلامية يفترض بها أن تكون صوت المواطنين، ولكنها على العكس تمامًا لا تعبر إلا عن سياسات وخطط النظام الحاكم، فعقب كل تلك الخلافات مع قطر وبمجرد استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للأمير تميم بمطار شرم الشيخ في إطار القمة العربية، تحولت نبرة الهجوم الحاد في برامج هؤلاء الأشخاص إلى ود وحنين، وربما حب مع الجانب القطري، متناسيين ما رددوه خلال الفترة الماضية من أحاديث عن ضرورة الوقوف ضد قطر وشحن المواطن المصري البسيط للوقوف بجانب النظام ضدها، وكأنها المسئولة عن كل ما يلاقيه المواطن المصري البسيط من مصاعب وأزمات في حياته اليومية؛ لتثبت الأيام أن البوق الإعلامي الموجود حاليًّا ما هو إلا أدوات في يد السلطة الحاكمة؛ لترديد الكلمات المرسلة من النظام إلى الشعب. من سد النهضة مروراً بالشرعية وأخيراً قطر.. الإعلام المصري لا كلمة له لم تكن الأزمة المصرية القطرية هي النقطة الوحيدة التي تظهر تباين الإعلام المصري في تناوله للقضايا بحسب أهواء النظام الحاكم، ولكنها حاليًّا الأخيرة، فقد سبقتها مشكلة سد النهضة الإثيوبي، فحينما بدأت الأزمة تلوح في الأفق في عهد محمد مرسي وحكم الإخوان هاجم الجميع النظام وصمته عن بناء السد ومدى الضرر الواقع على الدولة المصرية حال الانتهاء منه، ووصل الأمر إلى وصف بعض الإعلاميين للرئيس وقتها بأنه لا يفقه شيئًا في معالجة الأزمات الخارجية. الغريب في الأمر أن اللهجة تغيرت تماماً في عهد السيسي وعقب قيامه بتوقيع اتفاقية مبادئ سد النهضة؛ ليتحول المشروع من كارثة إلى مصلحة قومية. وتتمثل النفطة الثانية في الحديث عن الشرعية والدفاع عنها في إطار المشاركة المصرية في "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد اليمن؛ بحجة الانقلاب على الرئيس الشرعي للبلاد، فبينما تصدى هؤلاء الإعلاميون لمن تحدث عن أن ما وقع بمصر في يونيو 2013 تعبير عن إرادة الشعب المصري في تغيير النظام الحاكم هم أنفسهم من يتحدثون عن قيام النظام الحالي بالدفاع عن شرعية النظام الحاكم في اليمن؛ مما يفيد أنهم إما لديهم ذاكرة ضعيفة، أو لا يدركون مدى فداحة ما يتركون من انطباع لدى المواطنين من كونهم مجرد أبواق تنقل الأحاديث من النظام الحاكم إلى المواطنين دونما تفكير أو تعقل. أما النقطة الأخيرة فتتمثل في الأزمة المصرية القطرية، والتي تشبت في أعقاب إسقاط نظام الإخوان، واستمرت على مدى الفترة الماضية، إلى أن وصلت ربما إلى نهايتها مع استقبال السيسي للأمير تميم بمطار شرم الشيخ، وقام العديد من الإعلاميين بتغيير مواقفهم بحسب موقف السلطة الحاكمة، فحينما يكون هناك توافق مع دولة، يمجد الإعلام فيها، وحين يقول النظام هاجموا يهاجمون، وكأنهم لاعبون في فريق كرة يلتزمون بأوامر المدير الفني للفريق. ولكن يبدو أن البعض شعر بالفخ الذي وقع فيه، وأن المواطن المصري أدرك كونهم أداة في أيدي النظام، فحاول إخراج نفسه من المعادلة، إما عن طريق الحديث عن رفضه لعودة العلاقات المصرية القطرية لحين إثبات الجانب القطري حسن نيته كما هو الحال بالنسبة ليوسف الحسيني، أو الانسلاخ من حديثه السابق والكلام عن أن الاتفاق بينه وبين المسئولين لم يكن يندرج به مقابلة السيسي لتميم كما حدث مع أحمد موسى، فيما استقر الكثيرون على آراءهم، كما ظل خيري رمضان على موقفه الرافض للعلاقات القطرية المصرية ولم يتغير.