بالمطارق والمثاقيب الكهربائية والمناشير، ووسط تهليل وتكبير وعلى وقع أناشيد دينية، ارتكب تنظيم "داعش" الإرهابي حماقة جديدة في حق التراث العربي، وطمس معالم الحضارة الأشورية التي سادت خلال القرن السابع قبل الميلاد، ودمر معالم متحف الموصل الذي يعتبر ثاني أقدم وأكبر متحف في العراق بعد متحف بغداد. بث تنظيم "داعش" المتطرف شريطا مصورا لعناصره، وهم يدمرون الكنوز التاريخية والآثار في متحف الموصل، ويظهر الشريط عناصر التنظيم الذين عاثوا طرقا وضربا ونخرا وتهشيما بالتماثيل في المتحف، وظهر في التسجيل المصور الصادر عن "المكتب الإعلامي لولاية نينوى" في تنظيم "داعش"، رجال يحطمون التماثيل باستخدام المطارق والمثقاب الكهربائية، معتبرين أنها رموز للوثنية. وزعم أحد المخربين "أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإزالة التماثيل وطمسها، وفعل ذلك الصحابة من بعده لما فتحوا البلدان، وإن هذه التماثيل وهذه الأصنام عندما أمر الله بطمسها وإزالتها هانت علينا، ولا نبالي إن كانت بمليارات الدولارات"، وظهر في التسجيل رجال يطيحون بالتماثيل عن قواعدها لتتحطم على الأرض، وأخرى يحطمها المقاتلون بالمطارق لتفتيتها، كما يظهر أحدهم وهو يستخدم مثقاباً كهربائياً لتفتيت ثور مجنح، كما يظهر الفيديو غرفة كبيرة تتكدس فيها التماثيل المقطعة على وقع أناشيد دينية. وقال الرجل الذي ظهر في الفيديو في معرض تبرير تدمير التماثيل وفي محاولة للتأثير عاطفياً، "أيها المسلمون، إن هذه الآثار التي تظهر ورائي إنما هي أصنام وأوثان لأقوام من قرون سابقة كانت تُعبد من دون الله عز وجل"، وأضاف أن "ما يسمى الآشوريين والأكاديين وغيرهم كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع وآلهة للحرب ويشركون بالله عز وجل ويتقربون إليها بشتى أنواع القرابين"، على حد قوله. متحف الموصل هو أحد أهم المتاحف في العراق، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد، وتأسس في العام 1952، وكان مقتصراً على قاعة صغيرة إلا أنه تم إنشاء المبنى الجديد لمتحف الموصل في العام 1972، وضمت بنايته الجديدة 4 قاعات أحدها للآثار القديمة وأخرى للآثار الآشورية وثالثة للآثار الحضرية والأخيرة للآثار الإسلامية، وتعود الآثار في متحف الموصل إلى حضارات بلاد ما بين النهرين، وبينها تمثال للثور الآشوري المجنح الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع ما قبل الميلاد. الجدير بالذكر أن يوم اعتداء تنظيم "داعش" على متحف الموصل والذي يوافق 26 من الشهر الجاري، هو نفس ذكرى تفجير حركة طالبان تمثال "بوذا" الشهير في منطقة باميان بأفغانستان عام 2001، والذي كان يعتبر من آثار التراث العالمي، وتم تفجيره على مراحل عبر تلغيمه بكميات كبيرة من المتفجرات، لتسير بذلك "داعش" على نهج "طالبان". الآثار الآشورية التي حطمها "داعش" في متحف نينوى في الموصل لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة، فتاريخ "داعش" حافل بطمس معالم مختلف الحضارات في العراقوسوريا بحجة أنها أصنام، إضافة إلى الكنائس التي تطالها همجية الفكر المتطرف، فقد سبق ودمر "داعش" العديد من الأضرحة والكنائس الأثرية والمتاحف والمكتبات وحتى المساجد لم تسلم من همجية وتطرف هذا التنظيم. في 19 يونيو الماضي دمّر مسلحو داعش ثلاثة تماثيل لرموز دينية وثقافية، إضافة إلى عدد من المزارات والأضرحة الدينية مثل مسجد النبي يونس، ومسجد النبي شيت، في شهر يوليو الماضي، بحجة أنها مظاهر الشرك ويتوجب إزالتها بحسب مفهوم التنظيم المتطرف، كما فجّر مسلحو "داعش" كنيسة مريم العذراء بالموصل، وذلك إثر دفعهم مسيحيو المدينة للرحيل، بعد تخييرهم بين دفع الجزية أو الإسلام أو السيف، لم تسلم باقي كنائس الموصل من إجرامهم فقد طال الدمار والخراب 11 كنيسة من أصل 35 موجودة في عموم المدينة التاريخية. أما في سوريا فتؤكد تقديرات المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، تعرض 420 موقعاً أثرياً للضرر بين تدمير كامل وجزئي، وتصدرت مدينتا حلب وحمص القائمة حيث تقاسمتا نصف المواقع المتضررة من أصل 14 محافظة، وفي الحسكة دمرت داعش تماثيل أثرية تعود للفترة الآشورية، كما لم تسلم كنائس سوريا من التدمير والتخريب، رغم أنها كنائس أثرية تعود إلى القرون المسيحية الأولى، مثل كاتدرائية "مار سمعان العامودي"، والتي يعود تاريخها إلى القرن الرابع ميلادي. ومؤخرًا فجر تنظيم "داعش" مسجد "الخضر" وسط مدينة الموصل شمالي العراق، وهو جامع تاريخي يعود للقرن التاسع الهجري يقع وسط مدينة الموصل على شاطئ نهر دجلة، ويعد من أبرز الصروح الأثرية في المدينة. من جانبها طالبت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" مجلس الأمن، بعقد اجتماع طارئ عقب نشر تنظيم "داعش" فيديو يظهر تحطيمه آثارًا بمتحف الموصل، وقالت مديرة اليونيسكو، "إيرينا بوكوفا"، إن "هذا الاعتداء هو أكبر بكثير من يكون مجرد مأساة ثقافية، إنه أيضا شأن أمني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع في العراق"، وأضافت "لهذا تواصلت مع رئيس مجلس الأمن الدولي لأطلب منه عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن حول حماية الإرث الثقافي العراقي، كمكون أساسي من أمن البلاد"، وأعربت "بوكوفا" عن "صدمتها العميقة" تجاه الشريط المصور، مؤكدة "إدانتها لهذا الاعتداء المتعمد على تاريخ العراق وتراثه الذي يعود إلى آلاف السنين".