«أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني ومنكم، وإن عز الدواء، أساتي أيطربكم من جانب الغرب ناعب ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟!» بهذه الكلمات تنعي اللغة العربية حظها للشاعر حافظ إبراهيم، بعدما فضل الشباب الابتعاد عنها قليلًا، لصالح لغات أجنبية، مطلع القرن الماضي. يتصل الحاضر بالماضي ويستمر هجران اللغة العربية خاصة من قبل الشباب، مما دفع الكثيرون من المهتمين بضرورة إحيائها، إلى مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها إحدى اللغات الرسمية العالمية المعترف بها في أروقتها، وبالفعل تم اختيار 18 ديسمبر من كل عام، يومًا عالميًا للاحتفاء باللغة العربية. وفي إطار الاحتفاء بهذا اليوم، نظم مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، والملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة، مؤخرًا ندوة «اللغة العربية في مصر»، إذ تم تكريم الدكتورة وفاء كامل، أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وإهدائها درعا تذكارية، بمناسبة انتخابها عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كونها أول سيدة تنتخب عضوا عاملا في المجمع منذ إنشائه عام 1932م، كما تم إهداء درع تذكارية لمعالي سفير خادم الحرمين الشريفين، والدكتور فاروق شوشة- الأمين العام لمجمع اللغة العربية. «إن الاحتفاء باللغة العربية هو احتفاء واحتفال بالهوية العربية التي جسدها الحرف العربي في الكلمة واللغة والثقافة والحضارة»، قالها «شوشة» ليؤكد أصالة هذه اللغة الرفية، واصفًا المراهنين على تراجعها وإندثارها وتخلفها، بالواهمون، قائلًا: نحن تركنا هذه الترهات خلفنا واللغة العربية ماضية إلى الأمام من خلال المجامع العربية والجامعات والمؤسسات الرسمية والأهلية المختلفة المهتمة بها. أضاف الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، إن المنظمة الدولية للأمم المتحدة اعترفت باللغة العربية منذ واحد وأربعين عامًا، لكن الحفاوة الرسمية والشعبية التي تحوط الاحتفال باليوم العالمي لها تفوق في تأثيرها العميق الواسع والشامل اعتراف المنظمة الدولية بها، لافتا إلى أن المتحدثين باللغة العربية بلغوا الملايين ليس في داخل العالم العربي، فحسب وإنما خارجه في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا، ويضيفون إلى الميراث العربي. ودعا «شوشة» المجامع اللغوية العربية كلها والمنافذ البحثية إلى (الجمع اللغوي الجديد) الذي كان يدعو له العالم اللغوي الراحل الدكتور سعيد بدوي، مؤكدا أن اللغة العربية لم تجمع من مصادرها الحقيقية إلا مرة واحدة على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي في مستهل القرن الثاني الهجري، وبقيت اللغة منذ ذلك التاريخ البعيد حتى اليوم غير مجموعة، وبالتالي نحن نفتقد المتن والأساس الجديد لإنجاز معاجم عصرية. كما ألقيت خمسة أبحاث خلال فعاليات الندوة، تناولت عددًا من محاور الاهتمام باللغة العربية والحفاظ عليها، وهي: اللغة العربية وهوية الأمة الإسلامية وألقى هذا البحث الدكتور محمد رضوان أبو ليلة- رئيس الجمعية الثقافية للتواصل الحضاري، وتناول الدكتور عرفة عباس حلمي بالإنابة عن الدكتور عبدالله التطاوي، دور المؤسسات في النهوض باللغة العربية، بينما تحدث الدكتور محمد صالح توفيق- عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن العالم المصري إبراهيم أنيس، وبيان أثره في خدمة اللغة العربية. ولفت الدكتور محمد حسن عبد العزيز- أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم بالقاهرة، إلى مستقبل اللغة العربية، متناولًا جهود بعض المستشرقين والباحثين والمفكرين العرب، وتحدث الدكتور عبد التواب مصطفى نائبًا عن الدكتور سامي الشريف، عن الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على اللغة العربية. التوصيات أوصى المؤتمرون بعدة توصيات منها: الدعوة إلى التعاون والمشاركة الفاعلة بين الهيئات المعنية باللغة العربية لتبادل الخبرات والمشروعات والبحوث، والعمل على التوفيق بين العامية والفصحى، ومقاومة الاعتماد التام على اللغات الأجنبية في حياتنا، وتعميم التعليم باللغة العربية الفصحى في جميع مراحل التعليم الحكومي والخاص، وتنشئة الأطفال على حب اللغة العربية، وعقد دورات للمعلمين لاكتساب مهارة التحدث والكتابة بالفصحى، وتعريب العلوم، وضرورة اهتمام المسؤولين في القنوات التلفزيونية بتنقية المحتوى الذي تتضمنه تلك القنوات بما يحافظ على اللغة العربية، وتكثيف جهود مجامع اللغة في مجال ضبط لغة الإعلام التقليدي، وتضافر جهود المؤسسات المختلفة للنهوض باللغة العربية، والعمل على توحيد مجامع اللغة العربية في مجمع لغوي عربي كبير.