بعد أحد عشر أسبوعًا من التظاهرات وإغلاق الطرق في المستعمرة البريطانية السابقة "هونج كونج"، أزالت السلطات الصينية أمس آخر الحواجز والخيم واعتقلت أكثر من مائتي متظاهر لازموا المخيم المركزي للحركة الذي فصل شرق الجزيرة عن غربها، واستعادت هونج كونج حركتها الطبيعية مع ازدحام طرقها السريعة الرئيسية بالسيارات إثر إجلاء المتظاهرين، وبذلك تكون الشرطة قد أنهت أزمة سياسية غير مسبوقة منذ عودة هونج كونج عام 1997 إلى فلك الصين، وذلك دون تقديم الحكومة الصينية أي تنازل أو وعد بتحقيق مطالب المتظاهرين. كانت "هونج كونج" مستعمرة بريطانية منذ عام 1842 إلى 1997، أي لفترة 155 عاما، قبل عودة المقاطعة إلى حكم التنين الأحمر في 1 يوليو 1997، وسمحت الصين بحرية معقولة لهونج كونج بعد الانسحاب البريطاني منها والذي قام على أساس اتفاقية صينية- بريطانية تنص على مبدأ "دولة واحدة ونظامان" بحيث تظل هونج كونج رأسمالية داخل دولة شيوعية، ومواطنوها يحكمون إقليمهم بأنفسهم، وكان من المفترض أن تستمر تلك الحرية والاستقلالية، لمدة 50 عاماً، على أن تتمّ إعادة النظر في النظام الرأسمالي في الإقليم عام 2047، وفق الاتفاقية، ولذلك سعى بعض السياسيين في هونج كونج إلى العمل بقوة لتحقيق الاستقلال الناجز قبل انقضاء هذه المدة، وبعد سلسلة من الاجراءات التشريعية والقانونية التي تصبّ في اتجاه الاستقلال التامّ، تم تحديد عام 2017، موعداً للانتخابات الرئاسية. هنا رأت بكين أن انتخابات هونج كونج قد تجعلها تستقل عنها وتبتعد مرة أخرى بعد استعادتها من الاحتلال البريطاني، فعمدت إلى الاعلان في 31 أغسطس الماضي، عن السماح لثلاثة مرشحين فقط بخوض الانتخابات الرئاسية في هونج كونج، على أن تُسمّي السلطات الصينية المرشحين الثلاثة، الذين بطبيعة الحال، سيرفضون الاستقلال وسيتمسكون بالارتباط المباشر مع الصين. انتفضت المعارضة في هونج كونج إثر الاعلان الصيني، وبدأت تظاهراتها الصغيرة، التي لم يسمع بها العالم في البداية، كما شهدت بداية سبتمبر الماضي، تمركز أربع دبابات صينية في وسط هونج كونج، كتحذير من مغبة التمرّد على قرار بكين. لم تأبه المعارضة بذلك، وأشعلتها ثورة، عُرفت باسم "ثورة المظلات"، كون سكان البلاد يستخدمون المظلات بكثافة، بسبب الشمس الحارقة وبسبب الأمطار الموسمية الغزيرة، وبرزت حركة "أوكوباي سنترال" أي "احتلوا الوسط" والمقصود بالوسط هو "وسط هونج كونج"، وبدأت تُصعّد في وجه القرار الصيني، الذي أيّده بعض الداخل في هونج كونج، ومن بينهم رئيس الحكومة "لونج شون ينج"، الذي دعا المتظاهرين إلى فضّ الاعتصامات ومغادرة وسط المدينة. لم يكن رئيس الحكومة موفقاً في دعوته وتأييده القرار الصيني، فقد ردت عليه المعارضة بسرعة وقوة وطالبته بالرحيل، وخرج المتظاهرون إلى الشوارع في مشهد يعكس الشعور بالإحباط والغضب واليأس بين المواطنين، وسارعت الشرطة بقمع المحتجين السلميين وألقت القبض على بعض الناشطين، مما أدى إلى تأجيج الوضع، فاحتل المتظاهرون مركز مدينة هونج كونج التي تعد من أهم المراكز المالية عالميًا، وأقام بعض المتظاهرين الحواجز وأغلقوا الطرق الرئيسية بالمدينة مما حال دون وصول المواطنين إلى أعمالهم، وذلك في أكبر تحد تواجهه الصين. نتيجة تعرض المظاهرات للضغط من قبل الرأي العام، واستياء العامة من الاعتصامات التى أحدثت شللا في المدينة ومطالبة الشرطة بتفريقهم، أعلن قادة ثورة "المظلات" موافقتهم على الحوار مع الحكومة، وبدأ عدد كبير من أفراد الشرطة، إزالة الحواجز والخيام التي وضعها المتظاهرون على بعض الطرق قرب أبنية حكومية في منطقة أدميرالتي، وقد استأنفت المستعمرة البريطانية السابقة نشاطها، وعاد عدد كبير من سكانها إلى أعمالهم، وأعادت المدارس فتح أبوابها وانتهى الحصار الذي كان مفروضًا على مقر الحكومة حيث تمكن ثلاثة آلاف موظف من الوصول إلى مكاتبهم.