صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، الترجمة العربية لكتاب «تاريخ مصر في العصور الوسطى» للمستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول، ترجمة أحمد سالم سالم ومراجعة الدكتور أيمن فؤاد السيد. يعد كتاب «لين بول» من المؤلفات القليلة التي تُعالج تاريخ مصر الإسلامية، منذ الفتح العربي الإسلامي وحتى دخول العثمانيين، وقد صدرت الطبعة الأولى منه في لندن سنة 1901م؛ ليحظى بعد ذلك باهتمام كثيرٍ من الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية، والذين استفادوا منه في دراساتهم عن هذه العصور؛ إذ إنه أول كتاب شامل يتناول تاريخ مصر في هذه الحقبة الطويلة، ألَّفه «لين بول» في فترة لم يكن قد نُشر فيها من مصادر مصر الإسلامية إلا النذر القليل، ولم تكن الدراسات الجزئية التي بدأت في الظهور منذ العقد الثالث للقرن العشرين قد وُجدت بعد، فاستعاض عن ذلك بالاطِّلاع على النسخ الخطِّية لعددٍ مهم من مصادر مصر الإسلامية، إضافة إلى تجارب الطبع الخاصة بكتاب «مدونة الكتابات العربية» (CIA) للمستشرق وعالم الكتابات التاريخية السويسري ماكس فان بِرشِم. وضع «لين بول» كتابه في أحد عشر فصلًا، وقام في بداية كل فصل بذكر أهم المصادر الخاصة به، والتي كانت معروفة وقت تأليفه للكتاب، وأهم الآثار الباقية التي ترجع إلى هذا العصر، ولم يكتفِ بالسرد التاريخي، وإنما كانت له الكثير من التحليلات ووجهات النظر التي جعلت الكثير ممن تناولوا هذه الفترة بالدراسة بعد ذلك يحيلون في هوامشهم إلى كتابه. بدأ الفصل الأول المعنون ب «الفتح العربي» بالإشارة إلى الفتح العربي الإسلامي لمصر، حيث يقول المؤلف: «تُوفي النبي محمد صلى الله عليه وسلمعام 11ه / 632 م، وخلال عدة أعوام من وفاته اجتاح أتباعه شبه الجزيرة العربية وسوريا وأرض الكلدانيين، هازمين قوات إمبراطور القسطنطينية وكِسرى أو ملك فارس الساساني، وفي عام 18 ه/ 639م افتتح العرب مصر، بعد أن أذعن الخليفة عمر على مضضٍ لمزاعم القائد عمرو بن العاص، لكنه اشترط عليه إن وصله خطاب استدعاء قبل دخوله أرض مصر، فعلى الجيش العودة فورًا إلى المدينة، وبالفعل تم إرسال هذا الخطاب، إلا أن عَمرًا احتال لعبور الحدود قبل فتحه، وهكذا أبطل غاية الخطاب. زار عمرو الإسكندرية في شبابه ولم ينسَ أبدًا ثراءها، ولقد تم تنظيم تلك الحملة بينما كان الخليفة وعمرو معًا قرب دمشق أثناء عودتهما من فتح بيت المقدس، وقد أدَّى عمرو صلاة عيد الأضحى في العريش، المدينة الحدودية المصرية». ويستمر «لين بول» بأسلوبه الرشيق، في سرد تفاصيل الفتح العربي الإسلامي لمصر، متناولًا الزحف نحو ممفيس، ومعركة عين شمس، ومعاهدة مصر، كما يتحدَّث عن المقوقس، وحصار بابليون، والتقدم نحو الإسكندرية، والمعاهدة مع الروم. ويتناول في الفصل الثاني «ولاية الخلافة الإسلامية»، بينما يتحدَّث في الفصل الثالث عن الطولونيين والإخشيديين، وفي الفصل الرابع عن الثورة الشيعية، ثم الخلفاء الفاطميين في الفصل الخامس، والهجوم من الشرق في الفصل السادس، بينما يفرد الفصل السابع للحديث عن صلاح الدين، ويتناول خلفاء صلاح الدين (الأيوبيون) في الفصل الثامن، بينما يروي في الفصل التاسع قصة «المماليك الأوائل»، ثم في الفصل العاشر يتناول الحديث عن «أسرة قلاوون»؛ ليختتم كتابه بالفصل الحادي عشر الذي يتحدث فيه عن «المماليك الجراكسة». تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب المهم، لم يخلُ من المعلومات التي لم تتَّسم بالدقة، وأحيانًا جاءت غير موضوعية، وقد تصدَّى مترجم الكتاب ومحققه أحمد سالم سالم لهذا الأمر من خلال وضع هوامش تُدقِّق غير الدقيق، وتُصحِّح غير الصحيح، وتوضِّح بعض الأحداث التاريخية بشكلٍ أكثر تفصيلًا؛ لخدمة القارئ في فهمٍ عميقٍ للوقائع والأحداث وربطها بعضها ببعض، وكذلك للتغلُّب على عائق التركيز والاختصار الذي اتَّسم به الكتاب في مجمله. " لين بول" مستشرق انجليزي ولد في مدينة لندن يوم 18 ديسمبر سنة 1845م، وهو ابن شقيقة المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين، صاحب كتاب: «المصريون المُحدَثون: عاداتهم وشمائلهم» تلقَّى تعليمه في جامعة أُكسفُورد، ثم في جامعة دِبلِن، وعمل باحثًا في التاريخ والآثار الإسلامية، وقد أرسلته الحكومة البريطانية في بعثات علمية لدراسة الآثار وكتابة تقارير تفصيلية عنها، فقام برحلة علمية إلى مصر سنة 1883م، وعمل بين عامي 1895 و1897م في دراسة آثار القاهرة الإسلامية تحت إشراف الحكومة المصرية، وبعد أن عاد إلى إنجلترا عُيِّنَ أستاذًا للغة العربية في جامعة دبلن، وفي عام 1914م عُيِّن أمينًا لقسم النقود في المتحف البريطاني؛ إذ كان مغرمًا بالنقود، ووضع الكثير من المؤلفات عنها، ويتضح ذلك في هذا الكتاب الذي استعان فيه بعشرات الصور التوضيحية للنقود الإسلامية، وتُوفي في 29 ديسمبر سنة 1931م. وكانت مؤلفات «لين بول» غزيرة، من أهمها: «فن العرب في مصر»، و«معجم الأسرات الحاكمة الإسلامية»، و«صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» و«تاريخ مصر في العصور الوسطى»، و«سيرة القاهرة».