توقفنت كثيراً أمام "الفيديو" المنشور على "الفيس بوك"، وشعرت بقدر كبير من الغضب والاشمئزاز، عندما رأيت المواطن "عبد الناصر على" صاحب العربة "الكارو" وبائع المانجو يهبط ليقبل أقدام ضابط شرطة المرافق، متوسلاً له بعدم أخذ العربة والحمار لانه ليس لديه إمكانية مالية لتعويضهما، لكونه "على باب الله"، وهما وسيلة رزقه الوحيدة، وفى كل مرة يصفعه الضابط على وجهه. ويعيد هذا المشهد المؤلم من جديد قضية الباعة الجائلين التى لابد من البحث عن حلول فورية لها وفق رؤية شاملة متكاملة. ومما لا شك فيه، أن شرطة المرافق تؤدى دورها فى القضاء على الفوضى التى أصابت الشارع المصرى، خاصة فى الفترة الأخيرة، حيث افترش الباعة الجائلين، ليس فقط "نهر" الشارع، ولكن أيضاً الأرصفة، مما يعوق حركة وإنسياب المرور وعبور المشاه. كما يضر بمصالح أصحاب المحلات وأرزاقهم. وتكفى الإشارة إلى تذمر سائق تاكسى، رغم انه بالعداد، قبل سفرى لقضاء أجازة عيد الفطر المبارك، عندما طلبت منه النزول من منزل كوبرى 15 مايو لشارع 26 يوليو خاصة المنطقة من أمام مبنى وزارة الخارجية والتى احتلها الباعة لرخص الملابس بالمقارنة بغيرهم ورغبة فى إضفاء البهجة على أولاد الفقراء ومحدودى الدخل. وتوصلاً مع ما سبق وأشرت إليه من قبل وعلى صفحات موقع "البديل" فإننى لست ضد القرار بعودة الإنضباط للشارع، فى حد ذاته، ولكنى ضد هذه النوعية من القرارات التى تكون بغير دراسة وافية ورؤية شاملة وتعتمد الحل الأمنى فقط ، لإنها قد تنجح لبعض الوقت، لكن الأوضاع سرعان ما تعاود سيرتها الآولى، ونكرر ذات المحاولة بنفس الأخطاء دون أدنى استفادة من تجارب الماضى!! ومن المعروف، أنه من تراجع دور الدولة فى خلق فرص عمل حقيقية، وتزايد معدلات البطالة، بصورة مخيفة، نحول عدد من الراغبين فى البحث عن مورد رزق، إلى باعة جائلين، وتفاقمت المشكلة. وعوضاً عن الاكتفاء بالحل الأمنى وحده، كان يتوجب على الحكومات المتعاقبة توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب والمهمشين. ومما له صلة، يتوجب على الحكومة توفير أماكن بديلة لتكون أسواقاً بديلة لتواجد هؤلاء الباعة الجائلين، وبشروط ميسرة تتناسب مع ظروفهم وقدراتهم المالية. ويتوجب أن لا تكون هذه الأماكن البديلة فى مناطق نائية، بعيدة عن التجمعات السكانية مغبة ألا يهجرها هؤلاء الباعة ويعاودوا التمركز فى ذات الأماكن السابقة، وكأن لسان حال الوضع يردد كما نقول بالعامية "ياريتك يا بو زيد ما غزيت"!!. ويمكن أن يكون الحل تدريجياً، وأن يكون بصورة حضارية، لا تضر البيئة والصحة العامة. كما يتوجب عمل وتفعيل نقابة مستقلة لهم تكون لسان حالهم فى التعامل ومخاطبة الجهات والسلطات المعنية، وللدفاع عن مصالحهم. وتتوافر لدينا إمكانية القول بأنه على الحكومة الحالية، ورغم تقديرنا لصعوبة الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد، عدم التعلل بعدم توافر التمويل المطلوب، فهى تستطيع تدبيره من موارد كثيرة تتقاعس عن تحصيلها لإتها تمس مصالح الأغنياء، وهم للأسف الطبقة المحظوظة للحكومات المتعاقبة! أما الفقراء والمهمشين فلهم الله!!. والتساؤل الذى يطرح نفسه بقوة: أين أموال مصر المنهوبة؟ سواء لدى مبارك وأسرته، أو حاشيته ورموز فترة حكمه، وهى تقدر بمليارات الجنيهات. لماذا لم تتخذ الحكومة تدابير رادعة وقرارات حازمة لتحصيل الضرائب التى تهرب منها كبار رجال الأعمال، وهى تقدر أيضاً بمليارات الجنيهات!! وغيرها كثير لا يتسع المجال لحصره. هذه الفئة من الشعب المصرى تحلم بتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، وبحكومة، ومن قبلها قيادة سياسية مناصرة لهذه الفئة، وتضع عذاباتها فى صدراة آولويات أهتمامها، وتسعى لوضع حد لما تعانيه من قسوة ظروف معيشية، فالبائع الجائل ليست مهنة، وإن أصبحت " مهنة " من لا مهنة له. وفى التحليل الأخير، فإن قضية الباعة الجائلين المتفاقمة عبر فترات طويلة من تراجع دور الدولة، وواجبها فى توفير فرص عمل شريفة، أصبحت حالياً أزمة مزمنة تتطلب حلول فورية وعاجلة، وفق رؤية كاملة وشاملة، ترى الصورة الكاملة من كافة أبعادها، ومختلف زواياها، دون الركون ببساطة إلى حل أمنى متمثل فى قيام شرطة المرافق بمطاردة هؤلاء ومصادرة بضائعهم وقطع أرزاقهم، فمثل هذا الحل ليس بكاف وحده ، فهل يتفهم العقلاء فى مواقع السلطة وإتخاذ القرار هذه الحقيقة؟ أتمنى ذلك!!