انهيار سياسة تركيا الخارجية، وفشلها في سوريا ومن ثم في مصر والعراق وفي كل المنطقة، جعلها تلجأ الى شعار مكيافيلي الشهير "الغاية تبرر الوسيلة"، وأن تكون مستعدة للتعاون مع الشيطان من أجل التعويض عن الفشل، بدلاً من أن تعترف بالهزيمة وتعيد النظر في سياساتها بما يحفظ ما تبقى من ماء الوجه. فبدت كأنها حمالة حطب الحريق المشتعل في وطننا العربي خاصة في سورياوالعراق. فداوود أوغلو (كيسنجر تركيا) الذي ورط الشعب التركي بنظرياته عن "العمق الاستراتيجي" و"العثمانية الجديدة" و"الصفر مشاكل"، لم يلفظ قط في خطاباته وتصريحاته أن تنظيم داعش قاطعي الرؤوس وآكلي الأكباد هو تنظيم إرهابي. ومنذ انطلاق العدوان على سوريا تدير السلطات التركية حملة واسعة لنهب النفط السوري بعد سرقة معامل حلب بواسطة عصابات الإرهاب في سوريا، وتحدثت أغلب التقارير الصحفية عن ما تجنيه "داعش" من الأموال نتيجة عمليات استخراج النفط التي تديرها في مناطق الرقة ودير الزور، حيث تنقل كميات ضخمة من الخام السوري المسروق عبر قوافل الشاحنات إلى الأراضي التركية أما في العراق فإن النفط المستخرج من كردستان ينقل براً منذ سنوات إلى تركيا، وقد تبدل هذا الوضع جذريا بعد افتتاح الأنبوب النفطي المتصل بميناء جيهان التركي مطلع العام الحالي. وتشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن النفط السوري والعراقي الذي تحصل عليه شركة تركية تخص أردوغان والمحسوبين عليه، ويباع بأسعار أقل بكثير من السعر العالمي المتداول وهو يوفر أرباحاً فاحشة للجانب التركي على حساب الشعبين السوري والعراقي. الأدهى مما تقدم هو أن تركيا تقيم شراكة نفطية مع "إسرائيل" وتشحن ما يصلها من الخام المهرب والمنهوب لصالح الكيان الصهيوني بالبواخر وبفوارق أكيدة وكبيرة عن الأسعار العالمية الرائجة أيضاً، وهذا ما فضحته شحنة النفط الأخيرة التي ضخت من كركوك إلى ميناء جيهان وصدرت بحرا إلى "إسرائيل" وأثارت ردود فعل غاضبة في العراق وسط صمت عربي مطبق. وقد ذكر تقرير إخباري نشرته "رويترز": "أن مصافي نفط إسرائيلية وأمريكية انضمت إلى قائمة مشتري النفط الخام من إقليم كردستان العراق الذي تخوض حكومته خلافا مع السلطات الاتحادية في بغداد التي تقول إن المبيعات غير مشروعة".. وأكد التقرير: "اتجهت أربع شحنات على الأقل إلى "إسرائيل" منذ يناير الماضي بعد توجه شحنتين إلى هناك في الصيف الماضي". ويرى بعض المراقبين أن انفلات الوضع في العراقوسوريا سيتيح لأنقرة، في حال توفرت الظروف الدقيقة أن تعود إلى الموصل بعدما خرجت منها في اتفاق عام 1926 مع بريطانياوالعراق.. فالموصل، أو محافظة الموصل، كانت تضم معظم إقليم كردستان الحالي، إضافة إلى أجزاء من محافظة نينوى الحالية، وهو ما يحقق حلما تاريخياً لم يمت لدى العقل السياسي التركي، فأتاتورك قال للأتراك بعد التخلي عن الموصل انه عندما تمتلك تركيا القدرة على استعادتها فستفعل. كما أن تقسيم العراق، بنظر أنقرة، سيخلق دولة سنية محاذية لها تقتات بنسبة كبيرة على مساعداتها. فتكسب تركيا نفوذاً في العراق لم تستطع أن تكسبه سابقا. مثل هذه الدويلة السنية ستصل جغرافيا، على اعتبار أنها ستسيطر على محافظتي الأنبار ونينوى، بين تركيا والسعودية، فينشطر «الهلال الشيعي» وينقطع التواصل بين طهرانبغداد من جهة وبين دمشق والمقاومة في لبنان من جهة ثانية، وتوجه ضربة قوية منشودة تركياً وخليجياً إلى النفوذ الإيراني. وفي هذه النقطة تلتقي تركيا والسعودية، برغم خلافاتهما المصرية والإيديولوجية، ما دام «العدو الشيعي» واحداً. والحقيقة أن التاريخ لعب لصالح الأكراد في ربع القرن الأخير.. فحرب صدام حسين على الكويت، والجبهة العالمية التي تشكلت في مواجهته، مكّنت الأكراد من الحصول على حماية دولية وملاذ آمن.. وانقسامات المعارضة العراقية، ولاحقاً الصراع السني – الشيعي، وفر لهم فرصة اللعب على التناقضات، وقد أعطاهم وضعاً كهذا، مكانة القوة المقررة، التي استطاعت أن تنتزع شيئاً فشيئاً مختلف عناصر السيادة والاستقلال للإقليم الكردي، الذي يحظى اليوم بمكانة الدولة التي لا ينقصها إلا الإعلان.