نطالب دائماً بالتغيير، نتطلع لمستقبل أفضل، نتمركز حول "فكرة"، نرى فيها أنفسنا كما نريد، محاولين الاتساق معها كي تتحول لواقع؛ هكذا حال "الثقافة المصرية"، تتشبث بطوق نجاة، تجلى في مشاركة عدد من المثقفين، بلجنة الخمسين، المختصة بتعديل دستور 2012. يتعلق الأمل على أولئك الممثلين، في إنصاف الإبداع والحرية الفكرية، وأن لا تتكرر سيناريوهات مصادرة الكتب والأفكار، ومحاكمة الرموز الفنية والإبداعية، وأن تعود الثقافة الجماهيرية إلى دورها، في إيقاظ الوعي، وتصبح قصور الثقافة بمحافظات مصر مكاناً حقيقاً لإشباع النقص الثقافي والعلمي لدى جماهير هذه المحافظات، فهل ينجحون في ذلك ويثبتون أنهم جديرون بهذا التمثيل؟. تمثيل المثقفين، وتفعيل دورهم في قضايا الوطن المصيرية، حلم رواد الوسط الثقافي في مصر؛ فبعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011، ظن كثيرون بأنها بداية التغيير ولكن غالباً – تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن- فعند كتابة أول دستور بعد الثورة تم إقصاء المثقفين ومن يمثلهم، مما آثار غضبهم ودفهم إلى إقامة العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام مجلس الوزراء للتنديد بهذا الدستور -2012- الذي أغفلت مواده حقوق الفكر والإبداع؛ فيما صرح عدد كبير من المثقفين في مختلف الصحف والقنوات الفضائية رفضهم التام لهذا الدستور. فقالت الكاتبة فتحية العسال: "كنت على يقين من خروج المسودة بهذا الشكل، لأن الجمعية الواضعة للدستور مشكلة من فصيل واحد وهو الفصيل الإسلامي، الذي لا يهتم بالمثقفين ولا المبدعين ولا المرأة ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة ولهذا وضعوا في بند المساواة بين الرجل والمرأة جملة بما لا يخالف شرع الله"؛ كما عبر الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عن غضبه أيضاً قائلاً: "المواد الخاصة بحقوق الإنسان والحريات العامة وحرية الفكر والابداع والاعتقاد غير كافية، وكل هذا لأن الجمعية التأسيسية التي وضعت المشروع في معظمها تنتمي إلي تيار بعينه ولا تمثل فئات وقوي الشعب المصري بطبقاته وفئاته المختلفة، ويكفي أن تسأل عن مكان المثقفين في هذه الجمعية فلا تجد مثقفاً واحداً"، وهيمنت حالة من القلق على المثقفين في ذاك الوقت. واستمرت معركة المثقفين ضد دستور 2012، من تصريحات إعلامية ووقفات احتجاجية ومؤتمرات صحفية حتى قام "اتحاد الكتاب المصريين" بإصدار بيان يندد هو الآخر بإقصاء المثقفين، ولم تتوقف المعركة عند هذا الحد، بل تطورت بتعين الدكتور علاء عبد العزيز وزيراً للثقافة؛ حيث معروف بميوله لجماعة الإخوان المسلمين، ليعلنوا إعتصامهم لمدة تقرب من الشهر وقد تزيد، إلى أن قامت احتجاجات 30 يونيو الماضي، وتمت الإطاحة به وبجميع وزراء الحكومة السابقة – هشام قنديل- ليتنفس المصريين الصعداء من جديد عامة والمثقفين خاصة ويتجدد الأمل مرة أخري، ولكن صاحب ذلك مناورات حول من هو وزير الثقافة القادم هل هي الدكتورة إيناس عبد الدايم أم الدكتور أحمد مجاهد الذان أطاح بهما الوزير السابق من منصابهما بوزارة الثقافة؟، ليتفأجاة الجميع قبل حلف اليمين بدقائق أن وزير الثقافة هو الدكتور محمد صابر عرب! الذي عاد للوزارة للمرة الثالثة، رغم اعتراض الكثير من المثقفين عليه، الإ أن عقب عودته، تغير موقف الرافضين له، وتحولوا من معارضين لأسلوبه في إدراة الوزارة ومؤسستها إلى مؤيدين له!. فهكذا تبدل الحال، ولكن تمر الأيام لتعود معركة الدستور من جديد، هذه المرة هم في الصف الأول، ولهم الحق في المشاركة فيه؛ حيث تم اختيار الشاعر سيد حجاب والفنان التشكيلي محمد عبلة والكاتب محمد سلماوي والمخرج السينمائي خالد يوسف، ليمثلوا الوسط الثقافي والحياة الثقافية في الدستور القادم والمقرر أن تأخذ به مصر لسنوات قادمة. أعقب هذا الاختيار حالة من الرضاء بين المثقفين؛ وظهر ذلك جليا في تعليقاتهم للإعلام وعبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد: "فيه اسماء كتير جداً رائعة في لجنة الخمسين بس أنا عايز احيي اختيار مسعد أبو فجر وحجاج أدول، وكمان أسماء النساء علي قلتها رائعة . واسماء النساء الاحتياط اكثر من رائعة"، فيما قال الشاعر زين العابدين فؤاد "اثق في أنهم سوف يرفعون الصوت عالياً داخل اللجنه دفاعا عن دستور لكل المصريين، واحنا هنراقبهم وندعمهم، وإذا لم يقوموا بواجبهم، نخرج في الشارع ونتظاهر ضدهم". ومن جانبة قال أحد الممثلين وهو الفنان التشكيلي محمد عبلة رداً على ما صرح به بعض المثقفين من تأيد لهم قائلاً: "سوف أضع حرية الفكر والإبداع، على رأس أولويات عملي بلجنة الخمسين"، قد يكون تصريح "عبلة" يخلق بريق من الأمل على مسقبل الثقافة المصرية؛ ولكن يبقى السؤال هل حقاً سيستمر تأيد المثقفين طوال فترة تعديل الدستور- 60 يومياً- أم يتغير موقفهم، هل حقاً سينجحون في وضع خيوط ومعالم واضحه تأمن حرية الإبداع والفكر من قرصنة ديكتاتورية الأنظمة الحاكم؟. أخبار مصر- البديل