يتمتع الكاتب الصحفي الأستاذ سليمان جودة بثقة في نفسه لا تضاهيها سوي ثقة الأنبياء في عصمتهم .. هو يتحدث كما لو كان يقرأ من سطور الغيب .. تشعر وأنت تتنقل بين مقالاته أنه يري ما لا تراه ويسمع – بسم الله الرحمن الرحيم – أصواتًا قادمة من خلف جدار الكون تسر إليه بما لا تصل إليه أسماع العامة والدهماء من أمثالنا .. تري هل تخص السماء الأستاذ سليمان ببعض من أسرارها ؟ أم تراه يقعد من السماء مقاعد للسمع فإن حاول أحدنا أن يقلده أو يسير علي نهجه يجد له شهابا رصدا ؟ أذكر أنني – لسوء حظي – شاهدت برنامجا تليفزيونيا استضاف الأستاذ سليمان عقب خطاب الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أعلن فيه عن تعيين نائب لرئيس الجمهورية وتعديل الدستور .. سألت المذيعة ضيفها عن رأيه في تلك التطورات .. صمت سليمان لبرهة محدقا في الفراغ وبدا وكأنه يحدث كائنا غير مرئي في الأستوديو ربما ليدقق منه معلومة أو شيئا من هذا القبيل .. ابتسم بعد ذلك رغم أن تجهم المفكرين لا يفارق وجهة في العادة ثم قال : تحضرني الآن قصة للأديب الروسي تشيكوف تدور حول رجل ثري قرر أن يتبرع بكل الأراضي التي يمتلكها فأقام مسابقة بين الراغبين في الحصول علي مساحات من أرضه لكنه اشترط أن يمتطي كل منهم حصانا يجري به في الأرض ويتوقف عند نقطة تنتهي عندها حدود المساحة التي سيحصل عليها ويعود إلي صاحب الأرض في مكانه قبل المغرب .. إلي هنا بدت الدهشة علي وجه المذيعة التي لم تفهم المقصد من وراء الحكاية .. أما أنا فرغما عني وجدتني أربط بين تلك القصة وأراضي الدولة التي استولي عليها المقربون من مبارك ونجله.. تري هل حصل سليمان جودة علي معلومات عن اتجاه مبارك إلي توزيع تلك الأراضي علي المصريين بالطريقة التي تخيلها تشيكوف ؟ سألت نفسي : هل كتب تشيكوف بالفعل قصة بهذا الشكل أم أن الأمر لا يعدو طريقة من سليمان للتمويه والتغطية علي مصادر معلوماته ؟ وماذا لو كان جادا وأنا لا أعرف ركوب الخيل ؟ هل أستعين بصديق ؟ أم أغامر وأركب حصانا لأحصل علي نصيب من الأرض وأترك العاقبة للأقدار ؟ لم يتركني سليمان جودة نهبا لتخيلاتي .. أضاف قائلا : أن كل المتسابقين ظلوا يجرون بخيولهم وبسبب طمعهم لم يتوقفوا في الوقت المناسب وبالتالي لم يعودوا لصاحب الأرض في الموعد المحدد ولم يحصل أي منهم علي الأرض .. لذلك أخشي – ده هو اللي بيقول – أن يكون مصيرنا مثل أبطال قصة تشيكوف ويؤدي بنا الطمع إلي حيث نخسر كل شيء .. يا نهار اسود – ده أنا اللي بقول- معني الكلام أن غاية المراد من رب العباد أن نرضي بعمر سليمان نائبا للرئيس حتى يلتقط نظام مبارك أنفاسه ويعيد ترتيب أوراقه لنفاجأ بعد شهور بمظاهرات مليونية يحشدها الحزب الوطني للمطالبة بترشيح جمال مبارك رئيسا بوصفه مواطن مصري له ما لنا من حقوق وعليه ما علينا من واجبات ؟ بالطبع لا تسريب علي الأستاذ سليمان فهذا رأيه .. لذلك لم أتوقف كثيرا عند كلامه إلا بعد أن لاحظت مؤخرا وتحديدا بعد بدء محاكمة الرئيس المخلوع أنه دائم المطالبة للشعب المصري بأن يطوي صفحة الماضي ويتخلي عن مشاعر التشفي والانتقام التي تسيطر عليه .. وبصراحة لقد تضامنت بداية مع طرحه لدرجة أنني قررت أن أبحث لنفسي السوداء عن علاج .. قرأت في كتب علم النفس وفشلت في التوصل لحل .. دعوت الله أن يشفيني لكن دعوتي للأسف لم يستجب لها .. جربت اليوجا فجلست مسترخيا ومنفصلا عما حولي .. نادتني زوجتي فلم أرد .. وأنتم بالطبع تعرفون عاقبة زوج لا يرد علي زوجته .. لجأت إلي البندول ورحت أهز رأسي معه يمينا وشمالا وأنا أردد : أنا مش أسود أو حقود .. أنا طيب ومتسامح .. أنا مش أسود أو حقود .. أنا طيب ومتسامح .. ولكن بلا جدوى ! وأخيرا قررت أن أعود إلي جريدة المصري اليوم لقراءة مقالات الأستاذ سليمان جودة أيام الثورة ربما أجد فيها دواء لدائي وعلتي .. كانت البداية من يوم السادس والعشرين من يناير .. أي في اليوم التالي لتفجر ثورة الغضب المصرية .. تحدث الأستاذ سليمان عن ظاهرة الانتحار التي انتشرت في ذلك الوقت عقب واقعة انتحار محمد بوعزيزي التي أدت إلي قيام الثورة التونسية .. توقفت أمام فقرة تؤكد وجهة نظري عن قدرة سليمان جودة الثاقبة علي استشراف المستقبل وقراءة الأحداث بشكل دقيق .. يقول : ” وما يفهمه المنتحرون، وغير المنتحرين، خارج تونس، أن انتحار «بوعزيزى» إذا كان قد أشعل ثورة فى بلده، فليس من الضروري أن يؤدى انتحار أي شاب آخر، فى أي بلد، إلى ما أدى إليه فى تونس.. وإلا فقد انتحر كثيرون، خلال أيام مضت، عندنا وعند غيرنا، ولم تشتعل ثورة ولا يحزنون! ” سبحان الله .. كانت الثورة المصرية قد تفجرت بالفعل وقت نشر هذا المقال .. الراجل ده مخاوي عفريت يا جماعة ؟ ( ده أنا اللي بقول ) ! وفي موضع آخر يسجل سليمان موقفا خطيرا برفضه لأنواع أخري من الانتحار .. يقول : ” وما نقصده هنا، أن هناك أشخاصاً بيننا، لا يكتفي الواحد منهم، بمحاولة الانتحار بمفرده، ولكنه ينتحر بغيره!! بمعنى أنه – مثلاً – قد يكتب مقالاً نارياً، فيؤدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالصحيفة التي يكتب فيها، ويكون الشخص، فى مثل هذه الحالة ، قد قفز من فوق عمارة، وأخذ فى يديه آخرين، لا ذنب لهم فى شيء.. وهكذا.. وهكذا.. كأن يأتي شخص آخر، ويجرى حواراً متفجراً، فى برنامج، أو يقول كلاماً متجاوزاً على شاشة، بما يؤدى إلى اختفاء الاثنين: البرنامج والشاشة! ليست شجاعة بأي مقياس أن تنتحر على مستواك أنت وحدك، ولا هي شطارة بأي معيار أن تنتحر فتأخذ معك آخرين!” إذن كتابة مقال ناري في صحيفة هو من وجهة نظر صديقنا يمثل حالة انتحار جماعي.. وربما يفسر ذلك الاعتقاد طبيعة المقالات التي يكتبها وكأنه يمشي علي الحبل .. فلا هو مؤيد للحكومة ولا ضدها .. ولا هو ضد المعارضة ولا معها.. طبعا لأن المواقف الواضحة المحددة من وجهة نظره هي انتحار.. والانتحار حرام شرعا ! أما في اليوم التالي لجمعة الغضب التي راح فيها من راح من الشهداء فكتب الأستاذ سليمان مطالبا باستدعاء مبارك 82 بسرعة.. قال : ” ........ بعبارة أخرى، نحن فى حاجة إلى أن يتصرف الرئيس مبارك، هذه المرة، على النحو الذي تصرف به، فى عام 1982، عندما كان قد جاء إلى الحكم، قبلها بشهور، واكتشف فى حينه، أن اقتصاد بلده، فى حاجة إلى إنقاذ، وفى حاجة إلى مؤتمر قومي اقتصادي عام، تشارك فيه كل الأطياف لتتوافق على الإنقاذ، وهو ما حدث فعلاً، ولا نزال نضرب المثل بذلك المؤتمر، ونقول إنه كان بداية جادة، نحو اقتصاد قوى، بمشاركة كل الأطراف” .. .. وكانت دعوة الأستاذ سليمان ستكون في محلها ونردد خلفه ( آمين) لو أن مؤتمر82 الذي يتحدث عنه قد تبعته خطوات جادة لإصلاح الاقتصاد المصري ولكن ما جري أن 28 عاما مرت علي هذا المؤتمر تحول بعدها الاقتصاد المصري إلي مستودع للفساد والسرقة والنهب .. ولما أرد الأستاذ سليمان أن يعلق علي اختيار أحمد شفيق لرئاسة الحكومة الجديدة التي شكلها مبارك كتب يوم 31 يناير يقول ما معناه أن الرئيس هذه المرة اختار اثنين ممن يتمتعون برضا الناس الأول هو الفريق أحمد شفيق والثاني هو اللواء عمر سليمان وذلك علي عكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان مبارك يفاجئ الناس باختياراته لأنه لم يكن يحب أن يتوقع الناس ما سوف يفعله .. وحقيقة الأمر التي لم يفصح عنها سليمان هي أن مبارك كان طوال عهده حريصا علي أن يسير عكس اتجاه الناس .. فإذا طالبوا بعزل وزير أبقي عليه ( نماذج : يوسف والي وزكي بدر ويوسف بطرس غالي ) أما إذا أحب الناس وزيرا أو مسئولا أقصاه في أقرب فرصة ( نماذج : عمرو موسي في الخارجية وأبو غزالة وأحمد جويلي ) .. ولأن اختيار شفيق وسليمان جاء في لحظة خاصة شعر فيها مبارك – ربما للمرة الأولي – بالضعف أمام شعبه الثائر لذلك فإن اختياراته لا تعبر عن تغير في منهج مبارك ذاته لكنها لا تعدو سوي أن تكون مناورة أو محاولة لتهدئة الرأي العام وامتصاص غضبه .. ناهيك عما اكتشفناه فيما بعد من أن الاثنين – شفيق وعمر – مجرد أدوات يحركها مبارك ولا تختلف عنه كثيرا .. فهل جاءت رؤية الأستاذ سليمان جودة معبرة عن هذه الحقيقة .. للأسف لا فهو يقول في المقال ذاته : ” إلا هذه المرة، التي جاء اختيار الرئيس فيها متوافقاً مع ما كان كثيرون يطالبون به من قبل، لتنصهر رغبته العتيدة مع رغبات الناس، فى وعاء واحد، للمرة الأولى ” .. يا أستاذ سليمان أنت مع أي طرف ؟ هكذا سألت نفسي ورحت أقرأ المزيد .. يوم 3 فبراير وعقب موقعة الجمل قال : ” إذا كانت هناك كلمة يجب أن تقال الآن، بعد خطاب الرئيس مبارك، الذي ألقاه فى الحادية عشرة مساء أمس الأول «الثلاثاء»، فهي أننا جميعًا علينا أن نعطى فرصة للوطن.. لا فرصة لمبارك.. ولا حتى للنظام الحاكم.. فرصة لمصر. إن الرئيس مبارك الذي ألقى هذا الخطاب ليس هو «مبارك 2011» إذا صح التعبير، لكنه «مبارك 73» الذي دافع عن تراب هذا الوطن، وهو أيضًا «مبارك 82»، الذي كان فى ذلك العام، قد دعا بعد وجوده فى السلطة بعام واحد، إلى مؤتمر قومي لإنقاذ اقتصاد البلد وقتها.. وها هو، اليوم، يدعو بنفسه إلى حوار لإنقاذ بلد بكامله، وليس إنقاذ مجرد اقتصاد فى بلد. ( يادي المؤتمر الاقتصادي اللي وجعت قلبنا بيه يا عم سليمان .. ده أنا اللي بقول ) ويختتم سليمان مقاله قائلا : ” حسنى مبارك، فى خطابه، يريد أن يترك مصر، من ورائه، وهو مطمئن عليها.. ويجب أن نمنحها ثم نمنحه الفرصة! ” ويواصل في مقال آخر طرح رؤيته لمحاولات الدولة إجلاء الثوار من ميدان التحرير فيقول : ” وجود خمسة آلاف، أو عشرة آلاف مصري فى الميدان، اعتراضاً أو تأييداً، لن يقرر مصير 85 مليون مصري على امتداد 29 محافظة، ولذلك، فإنهم، أي المتظاهرين سلمياً، أياً كان عددهم، من حقهم تماماً أن يتمتعوا بالأمن، فى مواقعهم، وألا نتعامل معهم أبداً، على أنهم خصوم أو أعداء! ” ( لاحظوا أن تلك الأيام كان الثوار في ميدان التحرير يقدرون بالملايين وفي أسوأ التقديرات بمئات الألوف.. بينما يراهم الأستاذ سليمان بعينه الثاقبة 5 أو 10 آلاف مصري) .. وعندما دخلت الثورة أيامها الأخيرة راح سليمان جودة يغني مع سرب كتاب الحكومة الذين كانوا يؤكدون أن ” حركة الشباب حلوة ومشروعة وزي الفل لكن هناك من يوجهونها لمصالحهم .. فها هو يكتب يوم 6 فبراير : ” محاولات اختطاف حركة الشباب فى 25 يناير لا تتوقف، وقد بدأت هذه الحركة النبيلة «تحلو» فى عين كثيرين، ابتداءً من كل سياسي انتهازي، لا مبدأ له ولا ضمير، مروراً بحزب هنا، أو هناك، لا قاعدة له بين الناس ولا جماهيرية، وانتهاء بحفنة مغامرين فى حياتنا السياسية يفتقدون أي قيمة! ” ويختتم قائلا : ” انتقال حركة الشباب بكل عضويتها، وتلقائيتها، ونضارتها، وقوتها، إلى صناديق الانتخاب، سوف يخلق بلداً جديداً، لا علاقة له بالبلد القائم الآن ” وفي مقال آخر : ” هذا الوعي لدى الشباب لابد أن يكتمل، وأن يدركوا، كشباب، أن بقاءهم هناك طويلاً،( يقصد في ميدان التحرير) سوف يغرى كثيرين بمواصلة الذهاب، والمناورة، والمحاولة، وسوف يغرى آخرين، من خارج البلد هذه المرة، بمحاولة العبث، والاستغلال، والإفساد لكل مطلب شبابي لا يختلف حوله اثنان.. وكما أن مصر أكبر من اختزالها فى «جماعة»، فإن الشباب أكبر من أن يتحولوا إلى أداة فى أي يد معلنة أو خفية ! ” أما يوم 11 فبراير أي في الوقت الذي كان مبارك يحزم حقائبه مع أسرته متوجها إلي شرم الشيخ بعد التنحي فكتب الأستاذ سليمان : ” وقفة جادة من الشباب المتظاهر، مع نفسه، سوف تكشف له عن أن التمادي فى التواجد فى الميدان، بهذه الطريقة الحالية، يمكن أن يقودنا إلى المجهول، وأن نقل التواجد نفسه ليكون أمام صناديق الاقتراع، سوف يقودنا قطعاً، إلى المعلوم! ” يكفي ذلك من المقالات ! نعم يكفي .. ولكن من أين يأتي الأستاذ سليمان بكل هذه الثقة في تحليلاته .. هل لأنه كما تخيلت في بداية مقالي ” واصل لفوق ” وله كراماته أو مخاوي جن مثلا .. إذا كان الأمر كذلك فإنه هو نفسه يحتاج إلي ثورة غضب جديدة ضد هذا الجني الذي يورطه ويعطيه معلومات كاذبة وينصحه بمواقف خائبة .. أما إذا كانت الثقة مردها إلي أن الأيام تثبت صحة ما توقعه أو حذر منه فالأحداث شاهدة علي أن أيا من توقعاته لم تصدق بينما يتمادي هو في وشوشة الودع كأن شيئا لا يعنيه ... ولو كنت أعرف أي معلومات عن ثمة استفادة ما حصل عليها جودة من نظام مبارك أو من أحد رجال الأعمال المحسوبين عليه لما ترددت في نشرها لكنني أشهد الله علي أنني لا أعرف عنه شيئا من هذا القبيل .. ودعك من اتهامات البعض الذين يحسبون مواقف سليمان علي خلفية علاقته برجل الأعمال الشهير صلاح دياب مالك جريدة المصري اليوم لأن سليمان ليس إلا كاتبا من بين عشرات الكتاب الذين يكتبون فيها وأغلبهم شرفاء ووطنيون ! الحقيقة أنني لم أجد مبررا مقنعا سوي أن حبا إلهيا جمع بين القلبين .. قلب سليمان وقلب مبارك .. ولعل ذلك ما يفسر كتابات جودة وأحاديثه في الفترة الحالية التي لا يكف فيها عن انتقاد المصريين أصحاب القلوب السوداء الذين لا يريدون قلب الصفحة ونسيان الماضي .. إن الرجل يعز عليه حتى أن نشفي قلوبنا بالنظر إلي انهيار عرش القتلة واللصوص الذين سلبوا أموالنا وكرامتنا وقتلوا أبناءنا .. فرق كبير بين الإحساس بانتصار العدالة وبين التشفي .. ولهذا يأتي اشتراط العلنية في المحاكمات – أي محاكمات – باعتباره وسيلة ليشعر المظلوم بالراحة وهو يري الظالم لحظة القصاص .. فلماذا يستكثر علينا الأستاذ سليمان جودة هذا الإحساس .. وكيف يطالبنا بطي صفحة الماضي التي لم نقرأ كل سطورها بعد ؟ وكيف يمكن أن نبدأ المستقبل بينما الماضي يطاردنا في كل لحظة بفساده ومؤامراته وبلطجته وفتنه الطائفية ؟ يا أستاذ سليمان إن كنت أنت نبيا – عليك السلام – فنحن بشر ما زلنا مثخنين بالجراح .. ومازالت دماء شهدائنا ساخنة لم تبرد بعد .. وما زالت ثرواتنا المنهوبة مسافرة خارج الحدود .. ومازال مصير العصابة التي تحكمنا غامضا ومعلقا .. مازلنا حزانى ومقهورين .. مازلنا فقراء نكمل قوت أبناءنا بالاستدانة .. مازلنا مرضي .. لكل ذلك سنظل نصرخ مطالبين بالقصاص ولن يهدأ لنا بال حتى يحصل كل مجرم علي ما يستحقه من العقاب .. لسنا أبطال قصة تشيكوف الذين حذرتنا من مصيرهم .. لأننا نطمع في حقنا ليس أكثر .. لسنا مقامرون أو متسابقون مثل أبطال قصتك لذلك رفضنا ما اعتقدت أنت أنه الحكمة لكي نحصل علي وطن جديد وليس مجرد خريطة ملونة تختفي معالمها بمرور الوقت .. بقي أن أشكرك لأنني بالفعل وجدت علاجا لنفسي السوداء – أو هكذا اعتقدت – في مقالاتك .. فقد عرفت أنني علي حق .. وتأكدت من أنني لست بحاجة إلي عفريت من الجن يلهمني أو يهمس في أذني .. وإذا كنت يا رجل تعتقد بأن المطالبة بطي صفحة الماضي يمكن أن تنقذ من أسميته ( مبارك 82 أو مبارك 73) من المحاكمة والقصاص العادل فأنت مخطئ .. مع احترامي وتقديري لكل الكائنات غير المرئية التي تملي عليك مواقفك !