على الجانب الآخر من شارع رمسيس، ناحية مترو غمرة، تستطيع أن تجد حياة مختلفة تمامًا عن تلك العمارات السكنية الأنيقة التى تتصدر الشارع الرئيسي؛ لتجد بيوتًا لا تزيد على دور واحد تعتمد على الخشب فى بنائها، تتخللها حارات ضيقة تملؤها الحفر.. إنها "عزبة أبو حشيش" التى تقع فى شارع بورسعيد بين حى الشرابية وحدائق القبة.. تجول "البديل" (صوت المستضعفين) فى العزبة ليرصد أوجاع أهلها وآلامهم التي لا يهتم أحد من المسئولين بأن يحس بها، أو يدرك أن هناك بشرًا يعانون بهذا الشكل.. حالة من الخوف والتربص وجدناها عند دخولنا إلى "عزبة أبو حشيش" على عكس غيرها من العشوائيات، فعندما قابلنا"عم أحمد"، عامل الخردة التى يشتهر بها سكان العزبة، قال لنا متأملاً وجوهنا وبذكاء كشف عن هويتنا "أنتم صحفيين"، وبغضب صاح فينا "إحنا ما عندناش مشاكل هنا.. امشوا". لكننا أصررنا على الدخول لإحدى الحارات، حتى تمكنَّا من الحديث مع سيدة يتجمع حولها أطفال الحى فى مرح "سعدية محمد" بائعة المكرونة التى أكدت هي الأخرى أنه لا توجد مشكلات بالعزبة سوى أن المنازل تحتاج إلى إعادة بناء وتجديد؛ لأن أغلبها مبنى عن طريق الخشب، وتتعرض للسقوط فى لحظة، وأضافت "ذهبنا إلى الحى أكثر من مرة ليتم معاملتنا كأهالى مساكن زينهم، حيث تم هدم منازلهم القديمة ونقلتهم الدولة إليها". ومن محل البقالة المجاور لها صاح "عم فتحى": "بتكتبوا إيه؟! مفيش فايدة.. أنا عايش فى العزبة من ثلاثين عامًا، ولم نجد أى تحرك من الدولة فى الاهتمام بسكان المناطق العشوائية، فنحن كأهالى أدخلنا المياه والصرف الصحى على نفقاتنا الخاصة رغم أنها مسئولية الحكومة، والآن لا نريد أن يتم تهجيرنا من العزبة، ونقلنا إلى مساكن بدر أو العبور؛ نظرًا لارتباط أهالى العزبة بأعمال الخردة التى توفرها طبيعة المكان". بينما قالت "أم وليد" إنها راضية بالعيش فى هذه البيوت الخشبية حتى ولو سقطت على رأسها، ولكنها تتمنى أن يتم توظيف ابنها الأكبر وليد، مضيفة "العزبة ما فيهاش مشاكل.. كل شىء موجود، سواء صرف صحى أو مياه أو كهرباء، لكن المشكلة كلها فى ارتفاع الأسعار". وختلفت معها "صالحة محمود" قائلة "نعانى من الانقطاع المتكرر للكهرباء، وطفح المجارى، وندفع على إصلاحها 150 جنيه كل شهر، ونحتاج لإدخال الدولة لمواسير صرف جديدة تستوعب الضغط السكانى عليها، فالأهالى بالعزبة تقوم بتزويج أبنائها معهم فى نفس الشقة؛ ليصل عددهم إلى سبعة فى حجرة؛ بسبب ارتفاع قيمة الإيجارات، خاصة مع القانون الجديد الذى يضطر الساكن للانتقال كل خمس سنين فى شقة جديدة". والتقطت منها الحديث "أم عرابى" قائلة إن العزبة تعانى من نقص فى الخدمات الأساسية، ومنها التعليم، مضيفة أنه لا توجد سوى مدرستين فقط، هما "مدرسة طار رمضان" و"مدرسة صنايع غمرة"،مشيرة إلى أن الفتيات تضطر للذهاب إلى حدائق القبة؛ نظرًا لعدم وجود مدارس إعدادية وثانوية لهن؛ لفتيات مما يضاعف من المصاريف، وقالت "نريد بناء مدارس قريبة من عزبة أبو حشيش، والاهتمام بتقديم الخدمة الصحية الجيدة التى تشرف عليها الدولة، حيث تنتشر فى العزبة المستوصفات الطبية التابعة للجمعيات الشرعية، ويضطر الأهالى إلى الذهاب إليها لانخفاض تكلفتها، ولكن لا نعرف إذا كانت تضم أطباء أكفاء أم لا". وبالتجوال أكثر فى حارات العزبة، زادت حالة التربص والخوف وتابعتنا نظرات الترقب من السيدات اللاتى كن يجلسن على الأرض ويبعن الخضار، وبدأت أصواتهن ترتفع شيئًا فشيئًا، ويتساءلن: "أنتم عايزين إيه؟!". وفجأة تجمع العشرات من السيدات حولنا، واعتدوا علينا؛ في محاولة لإجبارنا على حذف الصور الموجودة بالكاميرا، غير الألفاظ غير اللائقة التى وجهوها لنا. ووسط كل هذه المشادات أردنا أن نعرف السبب فى هذا الهجوم والكراهية للصحافة، فتحدثت إحداهن بغضب "أنتم تشوهون سمعة سيدات العشوائيات، وتصورون العزبة على أنها وكر للمخدرات والمسجلين خطر والأعمال المنافية للآداب"، وصاحت "اتركونا فى همومنا ومشاكلنا. كفاية الفقر والمرض والبطالة التى نعانى منها". وتحدثت أخرى بمنتهى الصرامة والحدة قائلة "اخرجوا من هنا بكرامتكم بدل ما نكسر لكم كاميراتكم". وهكذا انتهت جولتنا فى عزبة أبو حشيش؛ لنتأكد أن مشكلات هؤلاء المواطنين ليست مادية فقط من نقص خدمات وفقر، بل هى أزمة معنوية فى المقام الأول.. أوجاع نفسية لمواطنين مصريين يشعرون بأنهم محتقرون ومهملون ومهمشون، وأن الصحافة والإعلام تتاجر بأوجاعهم فى ظل صمت الدولة ونسيانها لهم.