يبدو أن المجتمع المصري أصبح منقسماً على نفسه حتى في "الحنين إلى الماضي" ، ففي حين رفُعت صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في المليونيات التي شهدها ميدان التحرير رفُعت على الشاطيء الآخر للمليونيات في ميدان النهضة شعارات الخلافة الإسلامية بل إن بعض من اعتلى منصة التيار الإسلامي أكد أن "الرئيس مرسى خليفة الله على مصر وقد اختاره الله ليحكمنا؟!" . "البديل" تطرح سؤالاً من وحي المليونيات ... هل الحنين إلى الماضى ومحاولة استحضاره هي حالة مرضيّة أم صحيّة؟ وهل تمثل إفلاساً فكرياً وثقافياً وعدم وجود خطة مستقلبية واضحة المعالم ؟ . الدكتور صلاح الفوال أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة قال إن الطبيعة الاجتماعية للشخصية المصرية تميل دائماً في أوقات الأزمات إلى استدعاء الماضي والحنين إليه بينما تتعمد استبعاد الجوانب السلبية كآلية نفسية في إطار عملية التحسّر على الحاضر وما آلت إليه الأوضاع . وأضاف الفوال "لدينا قاعدة في علم الاجتماع تقول كلما اشتد رفض الحاضر كان استدعاء الماضي مع تجاهل مثالبه وهذا مايجلب حالة من استعداء الحاضر وهي آلية نفسية تستخدمها الحكومات في حروبها الإعلامية لكنها في حقيقة الأمر ليست سوى مؤشر صارخ على رفض الحاضر ..ولو تتبعنا تاريخ أزمات الشعب المصري سنجده مرتبطاً في كل مراحله ب"النوستالجيا" المرضيّة أو ما يعرف اصطلاحا بالحنين إلى الماضي" . وشدد الفوال على حقيقة أن مصر لايمكن أن تفلس حضارياً لأن حضارتها ضاربة في التاريخ الإنساني برمته ، معرباً عن عدم اتفاقه مع المنادين بأن الحالة المصرية الحالية هي حنين إلى أمجاد الخلافة الاسلامية أو حنين الحقبة الناصرية .. موضحاً أن ثورة 25 يناير حملت أهدافا واضحة تمثل صياغة لمشروع مصري نهضوي خالص لايحتاج إلى استدعاء الماضي لذلك أستطيع أن أفهم مايحدث في المليونيات على أنه حالة من الشد والجذب السياسي ولاينم أبداً عن إفلاس أطروحات البناء والتطوير. من جانبه ، أشار المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم إلى أن التاريخ هو علم يجعلنا نفهم تركيبة الحاضر ونسعى للمستقبل ولا يدعونا أبداً إلى استدعاء تجاربه .. مضيفاً أن الحنين إلى الماضى هو حنين عاطفي وغير عقلاني لأن لكل حقبة مساوئها . ونبه قاسم أنه على القوى التي وصلت إلى الحكم الآن أن تتعلم من التاريخ أنه ما عادت فكرة إقصاء الآخر مطروحة بحال من الأحوال ولابد من المشاركة والتوافق وعليهم أن يتوافقوا مع القوى السياسية على الساحة لخلق مستقبل جديد فمن يسعى للعودة لأمجاد الماضي هو شخص مفلس ولا يملك مشروعا حقيقياً للمستقبل ، مضيفاً أن عليهم أن يعوا أن العودة إلى الماضي تستدعي بالضرورة فتح جبهات للمواجهة والصراع لا داعي لها ، لافتاً إلى أن الحس الشعبي المصري أدرك ذلك وهو ما يتضح في المثل القائل "التاجر المفلس يعود لدفاتره القديمة" . وشدد قاسم على أن استخدام فزاعة استدعاء الحقبة الناصرية مقابل أحلام الخلافة الإسلامية والعكس لايزيد الواقع السياسي سوى انقسام ويجعل كلا الطرفين خاسراً لأن كلاهما يدرك "سواء القوى المدنية أو القوى الدينية" لأن الماضي لايليق بالحاضر فلكل منهما أدواته وظروفه التي وجد عليها ، وأن استخدام الحنين إلى الماضي كأداة صراع سياسي ستزيد من تأزم المشهد كما لايليق بدولة قامت لتوها من ثورة . من ناحيته ، يرى الدكتورمحمد الجوادي الكاتب وعضو مجمع البحوث أن التأزم الواقع في الحالة المصرية السياسية أفرز حالة حنين الإسلاميين إلى عصور الخلافة الإسلامية وفي المقابل حنين الناصريين إلى العهد الناصري بكامل مثالبة كأداة صراع ثقافي وفكري وإعلامي مناهض للقوى الاستعمارية ، وكلاهما يعي جيداً استحالة أن تتمثل كلتا الحقبتيين على أرض الواقع الآن .. وحقيقة الأمر يستحيل فعلياً وواقعياً تطبيق هذا الاستدعاء من التاريخ ولذلك نبقى أمام إشكالية عجز الواقع عن خلق نموذج فكري ثقافي تنويري يلبي تطلعات الحالة الثورية المصرية. وأضاف أنه عموماً ترتبط حالة الحنين إلى الماضي بفترة زمنية وحالة نفسية جماعية وقلة من البشر لكن على المثقفين وكل من يملك طرحاً فكرياً أن تقف علاقته بالماضي على التعلم من سلبياته بعد أن يخلع عنه حالة الحنين إليه وأن يتعلم كيف يستدعي من التاريخ ما يجمعه على موقف حق ويزيد من تآلفه . Comment *