مازالت أزمة نقص الأمصال عامة، والأمصال الخاصة بلدغات العقارب والثعابين على وجه خاص، تضرب مناطق كثيرة في محافظات مصر، لا سيما محافظات الصعيد، الأكثر تضررًا، في ظل وجود أنواع كثيرة من الثعابين بها، بعضها سام، وكانت الأمصال التي يطلق عليها "ضد الثعبان"، متوافرة في العقود السابقة بمبالغ زهيدة في الصيدليات والوحدات الصحية، إلا أن الأمر تراجع مؤخرًا في ظل تخبط السوق الدوائي بمصر. ورغم امتلاك مصر للشركة المصرية لإنتاج الأمصال واللقاحات "فاكسيرا" وهى ثاني شركة تأسست على مستوى العالم، وكانت بدأت في إنتاج الأمصال تحت اسم "معمل فاروق الأول"، وتحديدًا لإنتاج أمصال الجدري وسعار الكلب في القرن الماضي، فإن الاهتمام تراجع حتى وصل الأمر إلى إنتاج "فاكسيرا" لحوالي 10% فقط من احتياجات السوق المحلي من الأمصال واللقاحات خلال السنوات العشر الأخيرة، وساءت أحوال الشركة وتراكمت ديونها حتى وصلت إلى 320 مليون جنيه تقريبًا، ووفقا لتقارير الشركة يبلغ استخدام مصر لمصل الثعبان نحو 30 ألف جرعة سنويا، ويصل استهلاك مصل العقرب إلى 250 ألف جرعة. أحد أسباب تراجع الإنتاج، قلة المادة الخام المستخدمة في تصنيع أمصال الثعابين والعقارب، إذ تعتمد غالبية مراكز البحوث على الثعابين التي تورد إليها من "الرفاعيين" خاصة الذين ينتشرون بالمنيا وأسيوط، إذ يقومون بصيد الثعابين بكافة أنواعها وبيعها لتلك المراكز، الأمر الذي يدفع الكثيرين للتساؤل عن وجود بدائل لهم لتوريد تلك الزواحف لاستخراج السموم وتصنيعها من عدمه. الدكتورة ميرفت موسى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، قالت إنه رغم امتلاكنا هيئات كبرى لتصنيع الأدوية والأمصال المختلفة كان من المفترض أن تسبب عوائد مادية كبيرة للدولة، فإن هناك نقصًا حادًا وملحوظًا في الأمصال الخاصة بلدغات الحيات والعقارب لا يمكن لأحد إنكاره، خاصة في قرى الصعيد، وهي الأكثر تضررًا، في ظل وجود أنواع كثيرة للثعابين بمصر، منها السام ومنها غير ذلك، مشيرًة إلى أن هناك أنواعًا من الثعابين تحتاج لأمصال خاصة غير متوفرة بالشكل المطلوب، رغم أن التصنيع في هذا المجال يحقق مكاسب طائلة للعديد من الدول. وأكدت موسى ل"البديل"، أنها ستتطرق إلى هذا الملف وتبحثه جيدًا بمجلس النواب، للتأكد من توريد الاحتياجات اللازمة لمراكز البحوث من مصادر منتظمة، وتقنين أوضاع الموردين لمنع تخبط الصناعة. وأضافت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن هناك أزمة أخرى تتمثل في النقص الشديد للسرنجات الخاصة بمصل العقرب، وافتقاد غالبية المستشفيات والوحدات الصحية لهذا النوع، إذ يحتاج مصل العقرب لسرنجة خاصة لحقن المصاب بها بسبب درجة لزوجة السائل بالمصل، وحتى يعثر أهل المصاب على السرنجة بالصيدليات أو المستشفيات ربما يكون المريض قد فارق الحياة، وطالبت بتكثيف الأبحاث العلمية في هذا المجال، مع الاهتمام بالقرى ووحداتها الصحية التي تفتقد للكثير من الخدمات، وتفعيل مجالس الوحدات الصحية، وتصعيد متطلباتها في العديد من الملفات التي لا تتحمل التأخير. وفي السياق، قال الدكتور محمد سرحان، نقيب صيادلة المنيا، إن الأزمة لا تتمثل فقط في صيد العقارب والثعابين، ولكن نقص الأمصال مرتبط عمومًا بنقص الدواء المصري الذي يعاني منه السوق منذ نوفمبر 2016 بالتزامن مع تعويم الجنيه، وما سببه من تخبط بقطاعات كثيرة ونقص الكثير من المواد التي تدخل في الصناعة، مشيرا إلى أن مصل "ضد الثعبان" أصبح متواجدا بالكاد في بعض المستشفيات العامة بالمحافظات. وأضاف سرحان ل"البديل" أن قيام بعض صائدي الزواحف بتوريد الحيات والعقارب إلى مراكز البحوث لاستخراج السموم وتصنيعها، لا يمكن أن يكون الطريقة الوحيدة المعتمدة في هذا المجال الحيوي للغاية، ولابد من سبل أخرى للحصول على المواد الخام لتصنيع الأمصال، خاصة أنها من المنتجات الكفيلة بإنعاش الخزانة المصرية إذا ما أحسن التعامل مع الأسواق الخارجية. وكانت وزارة الصحة افتتحت في أغسطس الماضي أكبر مصنع في الشرق الأوسط لإنتاج الأمصال والتطعيمات الطبية بتكلفة 700 مليون جنيه، ويستهدف تغطية احتياجات السوق المصري بالكامل من هذه المستلزمات الطبية، وقالت حينها الدكتورة هبة والي، رئيس الشركة القابضة للأمصال، إن المصنع يستهدف إنتاج 13 نوعًا من الأمصال السائلة والجافة المنقذة للحياة كالأمصال المضادة للدغات الحيّات والثعابين والعقارب، كما يستهدف التصدير خاصة للدول الإفريقية.