دائمًا ما تثبت المقاومات الشعبية التى ينظمها المدنيون أنها تستطيع أن تحقق انتصارات كبيرة، لا يستطيع جيش منظم أن يحققها، والسلاح الأقوى فى حربها وملاحمها التى تختلف من دولة لأخرى هو اليقين بأن الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة؛ لذلك نجحت تلك المقاومات الشعبية فى مختلف الدول العربية، لا سيما في مصر وفلسطينوسورياوالعراق، في أن تقف ضد الاحتلال والظلم، وتثبت أن إرادة الشعب أقوى من الجيوش. وهو ما يؤكده التاريخ، مع احتفال بورسعيد بالذكرى ال61 لانتصارات المقاومة الشعبية على العدوان الثلاثي المُشكل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، عام 1956، التي شارك فيها الكبار والصغار والسيدات وحتى الأطفال، حتى نجحت المقامة فى دحر "العدوان الثلاثي"، ورغم استخدامه الطائرات لضرب الشارع والبيت والمدارس، إلا أن البورسعيدييون سجلوا على طول خط القناة ملاحم حفرت بطولاتها في وجدان مصر وذاكرتها. وخلال انكباب العدوان الثلاثي على بورسعيد لدحرها، كان للتلاحم بين طلاب العسكرية السوريين والقادة المصريين فى ذلك الوقت دور فعال، حيث اشترك أولئك الطلاب فى الملحمة وعلى رأسهم جول جمال، الذى تصدى للبارجة الفرنسية العملاقة التي تدعى "جان بار"، وهي أغلى قطعة بحرية في الأسطول الحربي الفرنسي، فالتقط جول وأقرانه بثًّا باللغة الفرنسة للسفينة الحربية بأن تدمر ما تبقى من بور سعيد بعد القصف الجوى، وعندما علم جول جمال بأن البارجة والمدمرة الفرنسية جان بار تتقدم نحو السواحل المصرية، تطوع في قيادة البحر المتوسط، ووضع خطة مع القائد المصري جمال الدسوقي لتدمير البارجة، ونحج جول في تدميرها وإغراقها، واستشهد بعدها. المقاومة الشعبية متكررة وممتدة، ففي فلسطين كان للمقاومة الشعبية دور كبير في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، وبدأت في تنفيذ عمليات فدائية للدفاع عن الأرض والعرض، وبدأ علماء الدين يقودون ملحمة تلو الأخرى، لضرب المغتصب الإسرائيلي، ومن أبرز الشخصيات الدينية بفلسطين التي جسدت طلائع المقاومة في العالم العربي الشيخ عز الدين القسام. وكان مفهوم المقاومة عند القسام يتجاوز (فلسطين) ليشمل الأمة الإسلامية، ونجح فى حشد الشباب للتطوع للجهاد في ليبيا، عندما وطئتها أقدام الغزاة الإيطاليين سنة 1911. وفي عام 1987 أسست حركة المقاومة حماس على يد الشيخ أحمد ياسين، وبدأ نشاطها تزامنًا مع انتفاضة الحجارة، الأمر الذي أدى إلى اعتقال ياسين عام 1989 والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، بتهم التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني، قبل أن يفرج عنه من جديد عام 1997. وفى العراق، بعد التدخل العسكري الأمريكي عام 2003، اندلعت المقاومة الشعبية في كل المدن، وبدأت بالتصدي بالسلاح والحجارة للعدوان الأمريكي على أرضها، وبدأ الرجال والسيدات في تنفيذ هجمات مسلحات وعمليات فدائية، كبدت جيش العدو خسائر كبيرة، كما نجحت المقاومة الشعبية في تحقيق التلاحم بين القيادة السياسية وأبناء الشعب، الذين دعموا قيادتهم في التصدي للمخططات التدميرية بالعراق. وبفضل هذا التلاحم استطاعت العراق أن تنتصر على التنظيمات الإرهابية أولاً، وأن تفسد مخططات أمريكا ثانيًا لضرب وحدة الصف العراقي، والنيل من قوة الدولة العراقية وصلابتها، حتى انهزم المشروع التخريبي بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة الماضية. كما ضرب الشعب السوري أروع الأمثلة في المقاومة الشعبية منذ عدة سنوات، حيث يصمد منذ أكثر من 7 سنوات ضد المؤامرة الصهيو أمريكية التي تستهدف النيل من سوريا وتدميرها، خاصة وأنها تمثل ضلعًا رئيسيًّا في محور المقاومة في الشرق الأوسط. ومن بورسعيد إلى سوريا، مرورًا بالعراقوفلسطين، لا تزال المقاومة الشعبية تثبت أنها الركيزة الأساسية التي يتم الاعتماد عليها في التصدي للمؤامرات، التي تستهدف تدمير الوطن العربي، والنيل من وحدته واستقلاله، لا سيما وأن السيناريو الاستعماري يتكرر في كل هذه الدول بأجندات ومخططات مختلفة.