في الوقت الذي تتصاعد فيه الآمال بقرب إتمام المصالحة ودخولها حيز التنفيذ، وتجنيب الفصائل الفلسطينية للخلافات السياسية في مقابل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يستغل تشرذم المجتمع ليكرس جرائمه، عادت سياسة الاغتيالات لتطل برأسها من جديد على المجتمع الفلسطيني، وذلك بعد غياب استمر 7 أشهر منذ اغتيال القائد في كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس مازن فقهاء، على يد عملاء المخابرات الإسرائيلية. محاولة اغتيال أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة، إياد البزم، عن نجاة مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء توفيق أبو نعيم، من محاولة اغتيال فاشلة، وقعت ظهر أمس الجمعة، إثر تعرض سيارته لتفجير بمخيم النصيرات وسط مدينة غزة، عقب خروجه من صلاة الجمعة في مسجد "أبو الحصين" وسط القطاع، حيث أصيب بجراح متوسطة، إلا أنه يتلقى العلاج في مستشفى الشفاء غربي مدينة غزة، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية باشرت على الفور تحقيقاتها لمعرفة ملابسات الحادث والوصول للجناة. الجدير بالذكر أن "أبو نعيم" قائد قوى الأمن الداخلي في غزة حاليًا، كان قد قضى حكمًا بالسجن مدى الحياة في إسرائيل منذ عام 1989، وكان الاحتلال قد وجه له عده تهم من بينها مسؤوليته عن تأسيس كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، وقد كان أحد القيادات الفلسطينية النشطة بالسجون الإسرائيلية، وأُطلق سراحه في إطار صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها حماس مع إسرائيل عام 2011. يُنسب إلى اللواء "أبو نعيم" إشرافه على إتمام بناء منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة بشكل كامل، وذلك ضمن اتفاق بين حركة حماس والسلطات المصرية على إنشاء المنطقة العازلة، حيث أنشأ 30 نقطة من قوات الأمن الوطني ملاصقة للحدود مع مصر، و25 نقطة في الجانب الخلفي من الحدود لمتابعة الأمن على الحدود الفلسطينية المصرية والحفاظ عليه. أصابع الاتهام تتجه للاحتلال لم يكن نهج الاغتيالات السياسية غريبًا عن الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي دفع العديد من الفصائل الفلسطينية إلى توجيه أصابع الاتهام سريعًا إلى إسرائيل، واستنكرت الفصائل محاولة اغتيال اللواء توفيق أبو نعيم، مؤكده في بيانات منفصلة أن المحاولة الفاشلة تعد استهدافًا مباشرًا لأمن واستقرار قطاع غزة ومحاولة لتعطيل جهود المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، وطالبت الأجهزة الأمنية بضرورة تكثيف الجهود بحثًا عن الجناة وتقديمهم للعدالة. نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة خليل الحية، حمّل إسرائيل المسؤولية عن محاولة اغتيال قائد قوى الأمن الداخلي في القطاع، وقال: لا مصلحة لأحد بمحاولة الاغتيال إلا الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه الذين يعكرون أجواء المصالحة الفلسطينية، وأضاف أن الاحتلال لا يريد لغزة وقيادتها ومجتمعها الاستقرار، فيسعى دائمًا لخلق الفوضى وتعكير أجواء المصالحة، ولفت إلى أن محاولة اغتيال "أبو نعيم" ستمر وستبقى الحالة الأمنية مستقرة، مشددًا على أن حركة حماس مستمرة في خط المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية. ووصف الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم، محاولة استهداف مدير عام قوى الأمن الداخلي ب"العمل الجبان الذي لا يرتكبه إلا أعداء الشعب الفلسطيني وأعداء الوطن"، ورأى فيه استهدافًا لأمن غزة واستقرارها ووحدة الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، وأضاف برهوم أن المطلوب من قوى الأمن ووزارة الداخلية ملاحقة المجرمين وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة والضرب بيد من حديد على يد كلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن الشعب الفلسطيني. حركة فتح أيضًا دخلت على خط الاستنكار، واعتبرت محاولة الاغتيال "محاولة لإفشال تحقيق المصالحة"، وأكد عضو اللجنة المركزية للحركة أحمد حلس، أن فتح ترفض هذا الأسلوب الجبان الذي يستهدف توتير الواقع الفلسطيني لتعطيل خطوات المصالحة، مطالبًا بضرورة نبذ أعمال العنف بكل أشكاله، ودعم جهود المصالحة وصولًا للوحدة الوطنية، كما طالب بملاحقة الفاعلين وتقديمهم للمحاكمة، بأسرع وقت ممكن لإنقاذ حالة الاستقرار في القطاع من الموتّرين. فيما عدّت الجبهة الديمقراطية محاولة الاغتيال في إطار خلط الأوراق الداخلية وتعكير الأجواء خاصة في ظل ما تشهده المصالحة الفلسطينية من حالة من التقدم المعقول، وفي ظل الأجواء التي تحاول إسرائيل من خلالها الدخول على خط المصالحة والضغط لإفشالها، وأشارت الجبهة إلى أن هذه الجريمة في هذا التوقيت بالذات المستفيد منها الاحتلال وأعداء فلسطين. كما أدانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بشدة محاولة اغتيال "أبو نعيم"، مشيرة إلى أن "أيدي المخابرات الصهيونية تقف خلف هذا العمل الإرهابي بشكل مباشر، وأجهزة أمن العدو هي من تحاول العبث بالجبهة الداخلية وتعمل على خلخلة استقرارها وتنفيذ ما تصفه أجهزة العدو بتصفية الحساب مع المقاومين والمجاهدين الأبطال". توقيت العملية ودلالاتها تأتي محاولة الاغتيال في وقت حساس للغاية بالنسبة للمجتمع الفلسطيني، فقد بدأت حركتا فتح وحماس التنسيق فيما بينهما لإعادة قطاع غزة إلى قبضة الحكومة المركزية في رام الله، الأمر الذي يعني بداية تلاحم قطبي المجتمع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وعلى جانب آخر رأى العديد من المراقبين في عملية الاغتيال الأخيرة، محاولة من الاحتلال الصهيوني لمعاقبة حركة حماس على تقاربها مع مصر وإيران، حيث يثير هذا التقارب قلق الكيان بشكل كبير، خاصة بعد تبادل المسؤولين الحمساويين الزيارات مع الجانب المصري وكذلك الإيراني، وهو ما اتضح في الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد حمساوي بقيادة يحيي السنوار، إلى القاهرة في 9 أكتوبر الماضي، فضلا عن الزيارة المثيرة للجدل التي قام بها وفد قيادي رفيع المستوي من حركة حماس لإيران، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، قبل أقل من أسبوع، وهي الزيارة التي انطوت على رسالة من المقاومة الفلسطينية إلى إسرائيل حول توحد محور المقاومة في مواجهة الاحتلال.