تتبع الحكومات عددا من الطرق والنماذج في حالة مواجهة حركة انفصالية، ويبدو أن إسبانيا اختارت النموذج الصربي، إذ تهدد الآن بإغلاق إقليم كتالونيا إذا صمم على اتباع نتائج التصويت على الانفصال، كما فعلت صربيا مع حكومة كوسوفو في عام 1990. تتواجد الشرطة الإسبانية بأعداد كبيرة في إقليم كتالونيا منذ الأول من أكتوبر، على الرغم من اعتذارها عن أعمال العنف التي وقعت في الإقليم هذا الأسبوع، وأرسلت الحكومة، يوم الخميس الماضي، مئات الجنود إلى المنطقة، في محاكاة لردة فعل الحكومة الصربية عند إعلان كوسوفو الانفصال، ما اعتبره الكتالونيون بمثابة قوة خارجية تحتل إقليمهم وليس وجودا شرعيا لإنفاذ القانون ومحاولة الحفاظ على السلام. وفى يوم الاستفتاء، وصف ماريانو راخوي، رئيس الوزراء الإسباني، الحملة التي خلفت حوالي 900 جريح، بأنها بمثابة عملية تهدف إلى حماية الديمقراطية الإسبانية، بيد أن مدريد، في رأي مراقبين، تتطلع إلى تحقيق السلام عن طريق القوة الجماعية العشوائية، ومع كل خطوة في هذه العملية تتآكل الثقة في الحكومة المركزية في العديد من المقاطعات الكتالونية. رد الفعل بعد الحملة القاسية التي شنتها حكومة مدريد، غير العديد من الكاتوليين آراءهم، وأصبح من رفضوا الانفصال مؤيدين له، رغم أن الحكومة الإسبانية كان لديها طريق مباشر في السابق قبل أن تفعل ما فعلته، إلا أنها تجاهلت رغبة الكثير من الكتالونيين، كما أنها حطمت بشكل سيئ صورتها الليبرالية، نتيجة ردة فعلها العنيفة على الانفصال، إذ إن ما حدث يعد حملة قمعية واحتلالا للشوارع. وبدلا من الاعتراف بالخطأ الكبير للحكومة وتغيير مسارها التكتيكي، استمر راخوي، في اتباع نهج العنف، وأكد في اليوم الأول على استمرار وحشية الشرطية، وظهر ذلك في وسائل الإعلام الكتالونية، وقال إن الناخبين تجاوزوا حدود التقاليد الديمقراطية. يبدو أن الحكومة الإسبانية ستمضى قدما في تعليق الحكم الذاتي في المنطقة بعد أن قررت بالفعل منع الجلسة البرلمان الكتالوني التي كانت مقررة اليوم الإثنين، وستكون هذه الإجراءات ضارة للغاية بالعقد الضمني بين هذين المستويين الحكوميين، وبين إسبانيا والكتالونيين عموما، وبغض النظر عن دستورية التصويت، فإن رد الفعل المفرط هو أمر بالغ القسوة بحيث يهدد تماما شرعية حكم مدريد في المنطقة في أذهان شعبها. الشرعية في خطر الشرعية هي العنصر الرئيسي بعيد المنال لأي حكومة ديمقراطية، وهي الآن معرضة للخطر في هذا الصراع، على نحو ما كان يتوقعه أي مراقب قبل أسبوع. وفي أبسط تعريف لها، فالشرعية هي الحق في الحكم، ويمنحها الشعب، وفي أفضل حالاتها تتخذ شكل التعاون، على هيئة مستويات مختلفة من الحكومة تعمل معا، وتعتبر نفسها جزءا من نفس الهيئة الإدارية، وتتألف أيضا من التعاون بين المواطنين والحكومة، ودفع الضرائب، والهتاف للمنتخب الوطني في المباريات، واستدعاء الشرطة عندما يفعل المرء جريمة. ويبدو أن ما تقوم به إسبانيا حاليا هو قتل للشرعية، حيث الاعتماد المفرط على القوة للحفاظ على الوضع الراهن، وكما قال عالم السياسة، فيكتور لابوينتي جينيه، قبل أيام قليلة: الدولة الحديثة لا تعتمد على احتكار العنف، بل على احتكار الشرعية. وهذا هو السبب في أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الإسبانية الآن تهدد مؤسساتها وشرعيتها، وما يزال من غير الواضح كيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي، حيث ظل أعضاء الاتحاد الأوروبي صامتين، فماذا إذا استمرت حملة القمع لفترة طويلة. التفاوض ينبغي أن تحترم الحكومة الإسبانية دعوة كارلس بويغديمونت، الرئيس الكتالوني، للوساطة والحوار من خلال جلسة برلمانية، وبدلا من تعليق البرلمان الكتالوني، على الحكومة الإسبانية الاعتراف بالحكومة الإقليمية ومنصتها وشرعية شعبها. إذا تفاوضت الحكومتان الإسبانية والكتالونية، فقد تكونان قادرتين على تهدئة الأمور والتوصل إلى اتفاق ملزم يضمن الحكم الفيدرالي، وتوسيع سلطات الحكم الذاتي أو شيء مماثل. المقال من المصدر