على مدى السنوات الأربع الماضية وحتى الآن، عانت إفريقيا الوسطى، ولا تزال، من العنف المتبادل بين الميليشيات المتناحرة، ورغم أن قوات الأممالمتحدة تتمركز هناك منذ نشوب الصراع فإنها لم تزد الأمر إلا سوءا، وقدم ستيفن أوبراين، الرئيس السابق للمكتب الإنسانى للأمم المتحدة، إحاطة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى، نهاية الأسبوع الماضي، وحث أوبراين الدول الأعضاء على دعم الحكومة الهشة فى البلاد وزيادة المساعدات للمدنيين الذين تشرد مئات الآلاف منهم بسبب القتال. تعود المشكلة في إفريقيا الوسطى، التي تجاهلها الإعلام الدولي، إلى وقت قيام الدولة على يد الاستعمار الفرنسي الذي عمل على تعميق الفجوة بين مواطني الدولة الواحدة، فعملت فرنسا على إغلاق بعض المناطق وجعلت الأخرى تتمتع بكل ما هو محرم على المناطق المغلقة، حيث تم السماح لغير المسلمين بالتعليم ونيل المعرفة الكافية وكذلك التوظيف في حين تم منع المسلمين من امتياز التعليم كباقي الشعب، وبعد خروج الاستعمار الفرنسي ظلت فرنسا تفرض حمايتها الثقافية على البلاد وشوهت صورة المسلمين ووصفتهم بالدمويين مما جعل القبائل الأخرى تتحد لمعاداتهم، وهو ما أدى مع مرور الوقت لحرب دينية وسياسية تدخلت فيها القوات الفرنسية وقوات الأممالمتحدة والقوات الأمريكية بزعم إقرار السلام وحل المشكلة، ولكن ما حدث فعلياً كان تأجيج الحرب ومساعدة قوات "أنتي بالاكا" المسيحية، على حساب قوات "سيليكا" المسلمة، بل تورطت قوات حفظ السلام في قضايا اغتصاب وخطف، حتى وصل الأمر مؤخرا إلى دخول إفريقيا الوسطى على شفا إبادة جماعية خطيرة. قال موقع نيوزويك، إن عام 2013 شهد تراجع جمهورية إفريقيا الوسطى إلى حالة فقر مدقع أدى إلى العديد من الاضطرابات عندما أطاح تحالف متمرد مسلح يعرف باسم سيليكا، بالرئيس فرانسوا بوزيزي، رئيس البلاد المسيحي آنذاك، وبعد الانقلاب شكلت الميليشيات المسيحية المعروفة باسم أنتي بالاكا قواتها لمحاربة سيليكا. وبعد قتال طويل بين الفريقين أدى لتشريد وقتل المئات، أيضاً كما فتح باباً للتدخلات الخارجية، تراجع القتال في أواخر عام 2016، عندما أجريت انتخابات سلمية إلى حد كبير، أصبح فيها رئيس الوزراء السابق ومعلم الرياضيات فوستين أرتشانج تاوديرا، رئيسا جديدا لجمهورية إفريقيا الوسطى، إلا أن العنف الطائفى نما فى الشهور الأخيرة وانتقل إلى المناطق الوسطى والجنوبيةالشرقية من البلاد، حيث لقى أكثر من 300 شخص مصرعهم، ونزح أكثر من 100 ألف شخص منذ مايو، وقد وقع الكثير من القتال في بانغاسو، وهي مدينة حدودية جنوب شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ وقال الصليب الأحمر فى مايو الماضي، إنه عثر على 115 جثة عقب سلسلة من هجمات الميليشيات. الزعماء الدينيون تحدثوا عن نبذ العنف، وحثوا الناس على الاجتماع معا، وزار البابا فرانسيس، جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2015، وحث على المصالحة بين مختلف الجماعات الدينية إلا أن ذلك لم يحدث أثراً ملحوظا. الجدير بالذكر أن إفريقيا شهدت واحدة من اسوأ الإبادات الجماعية فى التاريخ الحديث في رواندا في عام 1994، حيث قتل المتطرفون من الأغلبية العرقية "الهوتو" ما لا يقل عن 800 ألف من أفراد الأقلية "التوتسي" ومعتدلين من الهوتو فى 100 يوم فقط، بعد اغتيال الرئيس الرواندى السابق جوفينال هابياريمانا التوتسي، وانتهت عملية الإبادة الجماعية بعد أن أطاحت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة الرئيس الرواندي الحالي بول كاجامي بقوات الهوتو من العاصمة كيغالي، ووجه كاجامي اللوم إلى القوى الاستعمارية القديمة، بما فى ذلك فرنسا، لمساعدة الجناة والفشل فى وقف الإبادة الجماعية.