تتسع دائرة الدول العربية والغربية التي تقترب من التخلي عن دعم وتسليح المعارضة السورية، منذ أن نفض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يده عن دعمها سياسيًّا وتسليحيًّا، حيث أكدت مصادر إعلامية، أنه وخلال فترة قريبة جدًّا، سيتم إغلاق مكتب سفارة الائتلاف السوري المعارض في العاصمة الفرنسية باريس، وقالت المصادر، إن الإغلاق يأتي لعدة أسباب منها ترهل أداء السفير منذر ماخوس ومدير مكتبه محمد صديق، وتوقف التمويل السعودي والتركي، مما دفع ما تسمى «الحكومة السورية المؤقتة» أيضًا إلى إعلان توقفها عن دفع الرواتب والمستحقات، وأكدت المصادر ذاتها أن إغلاق مكتب سفارة الائتلاف أتى بطلب من إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يستعد لافتتاح السفارة الفرنسية في سوريا من جديد خلال وقت قصير. تخبط سياسي المتابع لسياسة الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون يعرف جيدًا أنه اتبع سياسة متخبطة فيما يخص الأزمة السورية، ففي بداية حملته الانتخابية، عبّر ماكرون عن رغبته في حل الأزمة السورية في أقرب وقت ممكن، وإنهاء حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، حيث وصفه آنذاك ب«ديكتاتور ارتكب جرائم ولا يمكن المساواة بينه وبين الثوار»، معتبرًا أن «السلام لن يتحقق بلا عدل»، ليعود بعد انتخابه رئيسًا ويجمع بين النقيضين، حيث شدد على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة وليس عسكريًّا، مع التشديد على أن هذا الحل يجب ألَّا يكون للرئيس الأسد أي دور فيه أو في مستقبل البلاد، الأمر الذي وصفه العديد من المراقبين بالتناقض السياسي أو عدم القدرة على دراسة المواقف واختيار موقف واضح بعينه. خلال الأشهر القليلة الماضية، أدلى الرئيس الفرنسي بتصريحات قلبت موازين السياسة الفرنسية فيما يخص الأزمة السورية، ففرنسا التي كانت في الصفوف الأولى لرافضي بقاء الأسد في السلطة، وداعمة المعارضة بالسلاح والأموال طوال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية، تغيرت على يد ماكرون، حيث أكد الأخير في يونيو الماضي أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن سدة الحكم ليس أولوية، مضيفًا أن الأخير ليس عدوًّا لفرنسا، الأمر الذي شكل منعطفًا حادًّا واستدارة في الدبلوماسية الفرنسية وتغيرًا كبيرًا في اللهجة تجاه الرئيس السوري، وهو ما أثار غضب المعارضة السورية، ودفع نحو التساؤل حول ما إذا كانت هذه التصريحات تمهيدًا فرنسيًّا لتغيير النهج تجاه الأزمة السورية وسحب الدعم عن المعارضة والتحاق بالموقف الروسي. حينها ردت المعارضة السورية على تصريحات ماكرون بقولها، إنه «عار على فرنسا ألَّا يرى رئيسها إيمانويل ماكرون، بشار عدوًّا لها وللبشرية، وقد قتل 600 ألف وشرد 14 مليون سوري، إنه سقوط مفجع للأخلاق والإنسانية»، وذلك من خلال تغريدات عضو الائتلاف السوري المعارض، أحمد رمضان، فيما كتب المعارض السوري ورئيس الائتلاف الأسبق، خالد خوجة، قائلًا: تصريحات ماكرون مفاجئة، ففرنسا كانت ضمن أربع دول فقط من كل مجموعة نواة الأصدقاء إلى جانب بريطانيا وتركيا وقطر داعمة لرحيل بشار». بالنظر إلى تصريحات ماكرون التي أطلقها في يونيو الماضي حول مستقبل الأسد، وتحركاته الحالية بإغلاق مكتب سفارة الائتلاف السوري المعارض في العاصمة الفرنسية باريس، والحديث عن الاستعداد لافتتاح السفارة الفرنسية في سوريا من جديد خلال وقت قصير، نجد أنها مؤشرات فعليه تشير إلى تغير الاستراتيجية الفرنسية في التعامل مع الأزمة السورية، لكن السؤال الأهم: هل هذه التغيرات نابعة من إدراك الإدارة الفرنسية بواقع ما يحدث على الأرض، وما حققه الجيش السوري من إنجازات جعلت موقف ما تسميه بعض الدول «المعارضة المعتدلة» ضعيفًا وفاقدًا لأي نفوذ على الأرض، أم أنه نابع من أوامر أمريكية، خاصة بعد أن كشف الرئيسان الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والأمريكي، دونالد ترامب، في منتصف يوليو الماضي، من باريس عن تقارب في وجهات النظر بشأن الأزمة السورية، وأعلنا عن سعيهما لتشكيل مجموعة اتصال دولية من أجل التحضير لمرحلة ما بعد الصراع في سوريا، مؤكدين نيتهما عدم تغيير النظام في دمشق. قبل أسابيع قليلة اتخذت إدارة الرئيس ترامب قرارًا بإنهاء برنامج تدريب فصائل ما تسميه أمريكا «المعارضة المعتدلة» وتسليحها، بتوصية من مدير عام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جورج بومبيو، ومستشار الأمن القومي الجنرال، هربرت ريموند ماكماستر؛ لأن هذه البرامج «مُكلفة وغير فعالة وقوة قتالية جوفاء»، حسب توصيف مومبيو. السعودية على خطى أمريكا الموقف الأمريكي تبعته استدارة سعودية مماثلة، حيث قال مصدر في المعارضة السورية، إن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، فجّر مفاجأة من العيار الثقيل، عندما أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات «منصة الرياض» أن الرئيس السوري باقٍ في منصبه، وعلى الهيئة الخروج برؤية جديدة، وإلَّا ستبحث الدول عن حل لسوريا من دون المعارضة، منوهًا إلى أن الوقائع تؤكد أنه لم يعد ممكنًا خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، مضيفًا: يجب أن نبحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة. وفي الإطار ذاته، كشف مصدر في المعارضة السورية، أن السعودية تبحث عن دور لها في الأزمة السورية من خلال اللعب في تركيبة الهيئة العليا للتفاوض للسيطرة عليها وإعادة صياغة خطابها السياسي، حيث أكد المصدر أن وزير الخارجية السعودي، أبلغ الهيئة بالتحضير لعقد مؤتمر الرياض الثاني، لإعادة هيكلة الهيئة قبل جولة مفاوضات جنيف المقبلة، وهو الاجتماع الذي سيعلن خلاله الجبير نهاية دور رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، ولفتت المصادر في ذات الشأن إلى أن مساعي السعودية لتغيير هيكلة الهئية تتضمن ضم ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو إليها.