في نوفمبر الماضي قال مسؤول حكومي تونسي إن "الحكومة التونسية تخطط لإصدار سندات دولية بقيمة مليار يورو في شهر يناير الجاري". ويبدو أن هذه التصريحات ستتحول قريبًا إلى حقيقية في شهر فبراير المقبل، مع تأكيدات جاءت على لسان وزيرة المالية التونسية. إصدار السندات قالت وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي، أمس الاثنين، إن بلادها تحتاج إلى نحو 2.85 مليار دولار أمريكي تمويلًا خارجيًّا هذا العام، وأضافت أن بلادها ستبدأ جولة ترويج لإصدار سندات دولية في السوق الأوروبية بمليار يورو في الخامس من فبراير، وتابعت أن "تونس قد تتجه إلى أسواق المال مجددًا بناء على احتياجات التمويل الخارجي هذا العام". وقالت الوزيرة على هامش عرض توضيحي حكومي حول التنمية إن خطة بلادها هذا العام تهدف إلى إصدار سندات بقيمة 500 مليون دولار؛ لتنويع مصادرها وتغطية العجز في 2017، مع قابلية لرفع قيمة إصدار السندات في حال الحاجة. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها الحكومة التونسية عن تفاصيل حول خطة إصدار سندات. الاقتصاد التونسي يعاني الاقتصاد التونسي مجموعة من الصعوبات منذ ثورة عام 2011 والتي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وأقرت الحكومات المتعاقبة إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تقليص الإنفاق العام والمساعدة في خلق فرص عمل، بسبب تراجع الاستثمارات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، وبخاصة بين الشباب، ويصل عدد طالبي الشغل في تونس إلى 727 ألف شخص، وفق الإحصائيات الرسمية، في حين يزداد هذا الرقم إلى 5ر2 مليون إذا ما تم احتساب السكان النشطين في السوق الموازية (دون تصريح جبائي أو تغطية اجتماعية). وتأتي أزمة البطالة في الوقت الذي تضرر فيه قطاع السياحة جراء هجومين مسلحين كبيرين وقعا في 2015، وتعد السياحة مصدرًا مهمًّا للدخل في تونس. حاليًّا تواجه الحكومة مزيدًا من الإضرابات بسبب إجراءات التقشف التي تشملها موازنة 2017، في الوقت الذي تسعى فيه لخفض الإنفاق العام وكبح العجز في الموازنة. وفي أكتوبر 2016 أقرت تونس موازنة 2017 بحجم 14.8 مليار دولار بزيادة 12 في المائة عن موازنة هذا العام وبعجز متوقع عند 5.4 في المائة، ما يدفعها للاستدانة الخارجية لتغطية العجز. وأظهرت الموازنة التونسية لهذا العام أن تونس تتوقع قروضًا أجنبية بقيمة 2.78 مليار دولار، أي نحو ضعفي الاحتياجات التمويلية؛ للمساعدة في تغطية العجز، والذي من المتوقع أن يصل إلى 5.4 في المائة. وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية، يوسف الشاهد، قد رسم صورة قاتمة للأوضاع المالية والاقتصادية في بلاده، موضحًا أن نسبة التداين الخارجي (الاقتراض) ارتفعت بنحو 62 في المائة منذ ثورة يناير 2011 إلى 2016، أي بارتفاع بنحو 2 في المائة مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في العام 2014، حيث أكد وزير المالية التونسي في حكومة الحبيب الصيد السابقة أن حجم الديون الخارجية بلغ في 21.3 مليار دولار، وهو حجم ديون قياسي مقلق. وكان حجم الدين الخارجي لتونس في 2010 عند مستوى 13.4 مليار دولار، لكنه سرعان ما ارتفع إلى 21.3 مليار دولار في 2014 مع نسق تصاعدي في 2015 و2016. معوقات الاقتصاد التونسي من أهم معوقات النمو الاقتصادي، بعد تضرر القطاع السياحي، الإجراءات الإدارية المعقدة التي تواجه المستثمر الأجنبي والمحلي الراغبين في الاستثمار في تونس، وقد جعلت هذه الإجراءات الصارمة المستثمرين يحبذون وجهات أخرى مثل المغرب الذي شهد في السنوات الأخيرة هجرة للرأس المال الأجنبي والمحلي الذي كان مستقرًّا في تونس، ونجح أيضًا في جلب الراغبين في الاستثمار في البلاد التونسية والذين أعاقتهم الأوضاع الأمنية الاستثنائية التي عرفها البلد. وفي سياق المناخ الاستثماري لتونس، يعد صندوق النقد الدولي حاليًّا أول ممول لتونس، علمًا بأن كل قروضه كانت مشروطة بإصلاحات هيكلية وبنسب فائدة إجمالية (بما فيها العمولة) تناهز 3،64 في المائة، كما أن الصندوق من أكثر الداعين لتونس بأن تخفف من القيود على الاستثمار، وأن تغير من قوانينها الحمائية، وهو الأمر الذي عجل بسن قانون الاستثمار الجديد. كما توجد عقبة اقتصادية لتونس في مجال إنتاج الغاز في حقول أرخبيل قرقنة، فالدولة ستجد نفسها مضطرة لإيجاد حل لمشكلة إنتاج الغاز في هذه الحقول من قبل شركة بتروفاك البريطانية، التي أجبرت على إيقاف نشاطها في هذه الجزر الخلابة بفعل الإضرابات التي تمثل أهم العوائق التي تحول دون إقلاع تونس اقتصاديًّا. وينتظر أن تشهد هذه السنة عددًا من الإصلاحات وحلولًا لمشاكل يعاني منها قطاع الزراعة، فتونس في الأساس بلد زراعي منتج ومصدر للغذاء، وقد ساهمت الزراعة في إنقاذ تونس في مواسم الجدب سياحيًّا وصناعيًّا في السنوات الأخيرة، ومن مشاكل هذا القطاع الفوائض في الإنتاج لعدد من المنتجات، مثل البرتقال والبطاطا في هذه السنة، والحليب الذي اضطر الفلاحون في أحيان كثيرة إلى سكب كميات منه على قارعة الطريق؛ احتجاجًا على عدم قبوله من مراكز التجميع التي نالت ما يكفي من احتياجاتها. ويتوقع خبراء أن تساهم الوعود الجدية الكبيرة التي انبثقت عن مؤتمر الاستثمار الأخير الذي احتضنته تونس أواخر نوفمبر الماضي في تحريك عجلة الاقتصاد، خاصة وأن بعضها دخل حيز التنفيذ من قبل الدول والصناديق المالية التي وعدت بها. وكانت قطر وفرنسا من أكثر الدول دعمًا لتونس في هذا المؤتمر، خاصة وأن باريس تخشى من تراجع نفوذها في الخضراء نتيجة الاهتمام الأمريكي المتزايد بتونس في السنوات الأخيرة.